بمناسبة مرور 10 سنوات على الحرب السورية نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا للكاتب بنجامين بارت عن هذا البلد الذي أصبح مجزأ واقتصاده ممزقا، ونظامه محظورا، بينما رئيسه بشار الأسد لم يعد يحكم إلا من خلال الخضوع والدمار.

وأوضح الكاتب أنه في بداية الانتفاضة ضد النظام السوري ربيع 2011، حذر أنصار الرئيس بشار خصومهم: “الأسد أو نحرق البلد”، حيث كان التهديد منتشرًا على الجدران، ويتردد بكثرة في المسيرات المؤيدة للنظام، وأيضا يطرق وسائل الإعلام الرسمية.

وأشار إلى أنه بعد مرور عشر سنوات، وحرب أهلية كارثية، لا يزال بشار الأسد في مكانه، لكنه يحكم على بساط من الأنقاض، فعلى الرغم من توقف القتال عمليا، وبقاء النظام على قيد الحياة، انهارت سوريا، وأجبر سكانها على الخضوع بينما وطنهم في حالة يرثى لها، ولم يعد الشعار “الأسد أو نحرق البلد” بل “الأسد والدولة المتفحمة”.

وأكد بنجامين بارت أنه بعد مرور هذه السنوات لا يبدو أن الأسد تغير، أو قد يكون تغير قليلاً، إذ نرى ظهور بعض التجاعيد والنظارة الرفيعة التي يرتديها لقراءة خطبه، لكن الرجل البالغ من العمر 50 عامًا، والذي تولى منصب الرئيس عام 2000، حافظ على المظهر النحيل الذي كان عليه في أيامه الأولى. 

وأضاف بشار الذي لا زال يرتدي صورة الرئيس الودود اللبق التي اتسم بها منذ خطواته الأولى على المسرح الدولي وأدت إلى شهرته، على النقيض تمامًا من الصورة القديمة لوالده وسلفه حافظ الأسد، أُعلن في 8 مارس/ أذار إصابته وزوجته أسماء بفيروس كورونا المستجد مع التأكيد أن كلاهما بصحة جيدة.

ونوه الكاتب بأنه بحلول نهاية الربيع المقبل، من المرجح أن يفوز هذا الرجل بولاية رابعة مدتها سبع سنوات، في وقت لم يُعرف فيه بعد جدول الانتخابات المتوقع إجراؤها في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران ولا هوية المرشحين.

كما بين أن جميع الخبراء يؤكدون أن بشار الأسد لن يتنازل من تلقاء نفسه عن هذا الاقتراع المقَنع، كما أنه في حالة عدم وجود بديل، من غير المرجح أن يمنعه حاميه الروسي فلاديمير بوتين من دخول المنافسة، رغم انزعاجه من أدائه الهزيل.

أيدي ملطخة بالدماء

ووفقا للكاتب فإن كل شيء يشير إلى إعادة انتخاب هذا المنبوذ الملطخة أياديه بالدماء، والذي تم توعده قبل بضع سنوات بمصير كارثي: المنفى أو الزنزانة أو القبر.

وقال دبلوماسي أجنبي يزور دمشق بانتظام “النظام يشعر بالانتصار لأنه يعتقد أن الجزء الأصعب انقضى، فبين عامي 2012 و2014، بدا الأمر كما لو أن ثلثي الكرة الأرضية ضده، وعقب سيطرة الجماعات المسلحة على معظم الأراضي وأصبحت على وشك الدخول إلى العاصمة، الجميع كان يظن أن الأمر انتهى”.

وبعد ذلك، وعلى غرار الدومينو، يقول بنجامين بارت، سقطت المناطق التي سيطر عليها المعارضون، واحدة تلو الأخرى، القصير عام 2013، وحمص 2014، وحلب وداريا 2016، ودوما ودرعا في 2018، فالميليشيات الشيعية دفعت المتمردين للاستسلام وأصبحت “سوريا المفيدة” -العمود الفقري للبلاد على طول محور دمشق- حلب – تحت سيطرة الموالين للأسد مرة أخرى.

لكن استعادة السيطرة غير مكتملة، إذ لا يزال جيب إدلب في الشمال الغربي يخضع لسيطرة “جماعة تحرير الشام”، والسهول الشمالية الشرقية تسيطر عليها قوات “سوريا الديمقراطية”، وهي ميليشيا يهيمن عليها الأكراد، وتحميهم وحدة مكونة من بضع مئات من الجنود الأمريكيين. 

كما أنه في البادية، الصحراء الشاسعة التي تمتد من ضواحي دمشق إلى وادي الفرات، لا تزال خلايا تنظيم “داعش” منتشرة فيها، أما وفي درعا، بالطرف الجنوبي من سوريا، لا يمر أسبوع من دون قصف أو مهاجمة حواجز عسكرية.

ويؤكد الكاتب على أن الأسد إلى جانب سحق المعارضة قام بسحق البلاد، فهناك ما بين 300000 و500000 قتيل و1.5 مليون معاق و5.6 مليون لاجئ و6.2 مليون نازح، وتم تدمير أو إتلاف ثلث المباني. 

وبحسب تقرير صادر في مايو/ أيار 2020 عن المركز السوري لبحوث السياسات، وهو مؤسسة مستقلة، فإن خسائر الحرب التراكمية تصل إلى 530 مليار دولار (436 مليار يورو)، ووفقا للمصدر ذاته، خسرت الدولة ثلثي ناتجها المحلي الإجمالي، حيث انخفض من 60 مليار دولار في عام 2010 إلى 21 مليار دولار عام 2019.

انهيار اقتصادي

وبصرف النظر عن إعادة إصلاح الطرق الرئيسية وترميم جزء من أسواق حلب بتمويل من مؤسسة الآغا خان، فقد توقفت عملية إعادة الإعمار لسبب وجيه: خزائن الدولة فارغة. فالنفط والسياحة والفوسفات، المصادر الثلاثة الرئيسية للإيرادات الحكومية قبل عام 2011، لم تجن شيئًا تقريبًا. 

فمعظم آبار النفط والغاز في الشمال الشرقي تقع تحت السيطرة الكردية، ومن غير المرجح أن يعود الزوار الأجانب، أما بالنسبة لمناجم الفوسفات، فقد تم استغلالها من قبل شركة روسية، كشكر على إنقاذ بشار الأسد.

وإضافة إلى ما سبق تغرق البلاد في الانهيار بسبب وباء كوفيد -19، وإفلاس القطاع المصرفي اللبناني، حيث اعتاد الكثير من السوريين على استثمار أصولهم هناك ودخول قانون سيزار حيز التنفيذ في الولايات المتحدة، والذي يهدد بفرض عقوبات على أي كيان يتعاون مع دمشق، ما يزيد الخناق على الإنتاج والتجارة، ويعرّض السكان لحصار اقتصادي بحكم الأمر الواقع.

نتيجة لذلك، تسارع انهيار الليرة السورية، وارتفعت أسعار السلع، مما اضطر الحكومة إلى خفض دعمها للخبز والوقود والغاز، إذ تمتد الطوابير أمام المخابز ومحطات الوقود لمئات الأمتار، وأحيانًا كيلومترات، الأمر الذي يزيد السخط بما في ذلك داخل المجتمع العلوي، الأقلية التي تنحدر منها عشيرة الأسد، القاعدة التقليدية للنظام.

ويشير الكاتب إلى أنه في هذا السياق، يحرص بشار الأسد على عدم ادعاء النصر، مدركًا جيدًا أن ثماره مريرة، كما أنه يمتنع عن البحث عن سبل للرد على الأزمة التي ينسبها بالكامل إلى “الحرب الاقتصادية” التي يقول إن الغرب شنها ضده بعد خسارته المعركة العسكرية على الأرض.

ونقلت “لوموند” عن دبلوماسي آخر يتنقل من بيروت إلى دمشق القول “بشار ليس لديه خطط لفترة ما بعد الحرب ولا خطة لجمع السوريين معا، فخلال عشر سنوات من الحرب، تراجع النظام، وانخرط في مهمة واحدة هي الصمود”. 

وفي هذا الإطار يقول أحد الغربيين: “يعتقد المسؤولون في دمشق أن الوقت في صالحهم. إنهم متفائلون، أو على الأقل يصرون على الوجود. إنهم يعلمون أنه في اليوم الذي تسحب فيه الولايات المتحدة قواتها من الشمال الشرقي، سيضعون أيديهم على آبار النفط ويعتقدون أن الغرب سيتصالح معهم مرة أخرى في يوم من الأيام. “

ويرى باسل ققدو المستشار السابق لحكومة دمشق أن “التطبيع سيكون بطيئا لكن النظام مستعد للانتظار. المعاناة الاجتماعية لا تهم في الدول البوليسية. ففي الواقع داخل سوريا، تساعد الدولارات التي يرسلها اللاجئون إلى عائلاتهم في التخفيف من تأثير الأزمة. في الثمانينيات، واجه حافظ الأسد مقاطعة وعقوبات من الولايات المتحدة. وأخيراً التقى به بيل كلينتون. “

عقبة تقف في الطريق 

لكن بحسب بنجامين بارت هناك عقبة تقف في طريق الابن وهي نشاط المنظمات غير الحكومية السورية والدولية، وتعبئتها ضد جرائم النظام. ففي أيام الأسد الأب، لم يكن هناك دليل على القمع، واليوم، المدافعون عن حقوق الإنسان غارقون في التوثيق مقاطع فيديو وصور وشهادات ورسائل رسمية”.

وقد أدى هذا العمل الجماعي غير المسبوق، في نهاية فبراير/ شباط، إلى إدانة عميل سابق للمخابرات بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، من خلال محكمة ألمانية وهو أول حكم من نوعه منذ بداية الحرب الأهلية.

وخلص إل أنه إذا استمر هذا الضغط، فستكون إعادة تأهيل بشار الأسد صعبة للغاية، ولكن إذا ضعفت اليقظة، فإن كل السيناريوهات ممكنة، فالنظام يراهن على النسيان والاستخفاف بينما خصومه يطالبون بالعدالة، وبين المعسكرين السباق مستمر.

للإطلاع على المصدر الأصلي اضغط هنا

اقرأ أيضًا: بين ميشال عون والحريري …الفراغ الوزاري في لبنان إلى متى؟