للوهلة الأولى، قد يظن البعض أن الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية المقرر عقدها خلال الأشهر المقبلة، هي تمرين مشترك على تطبيق الديموقراطية، لكن الحقيقة، هذه الانتخابات ما هي إلى المساهمة في تشكيل نظام من مستويين يحرم الفلسطينيين من الحرية والحقوق الأساسية التي تكفلها الدساتير والقوانين العالمية لكل شعوب العالم.
الانتخابات الإسرائيلية، مثال واضح على قهر الشعوب، إذا قمت مثلاً بقيادة سيارتك عبر الطرق المتعرجة في الضفة الغربية هذا الربيع سترى ملصقات انتخابية تقطع المناظر الطبيعية الجميلة لأشجار الزيتون واللوز، المفارقة أن هذه اللافتات الدعائية ليست لمرشحين لفلسطينيين يسعون للحصول على مقاعد في برلمان فلسطيني، بل هي لمرشحين إسرائيليين للبرلمان الإسرائيلي.
هذه الدعايات تطرح سؤالاً وجيهاً للغاية: لماذا يقوم الإسرائيليون بحملات انتخابية في الضفة الغربية، المنطقة التي حددها القانون الدولي بإجماع عالمي لأن تصبح جزءًا من دولة فلسطينية مستقبلية؟
تحتل إسرائيل الضفة الغربية وتسيطر عليها بالكامل، بالإضافة إلى ذلك ضمت بحكم الأمر الواقع أجزاء كبيرة منها من خلال توطين نحو 650.000-750.000 إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وبموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن مشروعًا استيطانيًا من هذا النوع ليس غير قانوني فحسب، بل يعتبر أيضًا جريمة حرب.
ومع ذلك، فإن هؤلاء المستوطنين “غير الشرعيين” قادرون على خوض الانتخابات الإسرائيلية ونشر حملاتهم الانتخابية في الضفة، كما أصبحوا يشغلون مناصب عليا في سياسات الائتلاف الإسرائيلي.
الديموقراطية التي تتبعها إسرائيل، لا تختلف عن سياساتها التوسعية، كلاهما لا يتوقفان عند الخط الأخضر أو يعترفان به، لتعتبر إسرائيل، من الناحية العملية، تمارس سيطرة كاملة على الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
في المقابل، لا يحق للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية التصويت لصالح النظام الذي يحكم كل جانب من جوانب حياتهم، على الرغم من أن الإسرائيليين الذين يعيشون على نفس الأرض يفعلون ذلك.
هؤلاء الخمسة ملايين فلسطيني يصوتون للسلطة الفلسطينية، وهي هيئة إدارية لا تملك اليوم سوى سيطرة جزئية على 40٪ من الضفة الغربية وتعتمد على إسرائيل في بقائها.
في بداية الحرب، كان من المفترض أن توجد السلطة الفلسطينية لمدة خمس سنوات بينما ينتقل الفلسطينيون إلى دولة مستقلة، لكن تلك الدولة لم تأت أبدًا، وهو أمر حرصت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ألا تسمح له بالحدوث، وذلك بالتوسع في بناء المستوطنات وسياسات الضم لتحويل الضفة الغربية وغزة والقدس إلى أرخبيل من المراكز السكانية الفلسطينية المنفصلة -تحت سيطرة إسرائيل-.
على الجانب الفلسطيني، تأتي الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية المقرر إجراؤها في 22 مايو/أيار المقبل بعد سنوات من القمع السياسي والموجة الأخيرة من القوانين المناهضة للديمقراطية التي أقرتها المراسيم الرئاسية الفلسطينية واستهدفت استقلال القضاء والمجتمع المدني.
يعتبر الكثيرون الانتخابات المقبلة بمثابة ختم مطاطي لتقاسم السلطة بين الحزبين الحاكمين، فتح وحماس، والتي يمكن من خلالها ترسيخ المكاسب التي حققوها خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2006، مع ذلك، هناك مخاوف من إسناد المناصب والمسؤوليات لمن يبلغ متوسط أعمارهم حوالي 70 عاماً.
على الرغم من الجوع الحقيقي بين الشباب الفلسطيني للمشاركة في عملية ديمقراطية واختيار ممثلين، فإن التغييرات الأخيرة التي أدخلتها السلطة الفلسطينية على قوانين الانتخابات جعلت التنافس أمراً مستحيلاً تقريباً، وفي الغلب لن يتم كسر احتكار الفصائل الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة للعملية السياسية في البلاد.
الشروط المفروضة على المرشحين تعتبر تعجيزية، للحصول على القائمة الانتخابية مثلاً، يجب على المرشحين دفع رسوم قدرها 20000 دولار أمريكي، والاستقالة من مناصبهم إذا كانوا يعملون في وظائف معينة، وهو أمر صعب للغاية في اقتصاد به معدلات بطالة عالية للغاية.
الأمر الأكثر تعقيداً أن الإعلان عن إقامة انتخابات جاء قبل أشهر قليلة من إجراء انتخابات، في ظل نظام تصويت جديد مبني على التمثيل النسبي، والذي يفضل الأحزاب الراسخة التي تتمتع بحضور وطني قوي بدلاً من السياسيين الشباب الناشئين.
إلى جانب هذه القيود الهيكلية، هناك التأثير الساحق للاحتلال العسكري على المشاركة السياسية الفلسطينية، لطالما حرمت إسرائيل الفلسطينيين من القدرة على إجراء انتخابات في القدس واعتقلت أعضاء منتخبين في البرلمان.
يعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال، أو تحت أوامر عسكرية إسرائيلية، وبالتالي لا يتمتعون بحقوق مدنية؛ ولا يتمتعون بحرية التجمع أو تكوين الجمعيات أو التعبير عن رأيهم، ومن غير القانوني إنشاء حزب سياسي فلسطيني.
لا يمكن اعتبار هذه الانتخابات ممارسة عملية للديموقراطية أبداً، في الواقع هي محاولة لإضفاء قشرة الشرعية على نظام يحافظ على سيادة وهيمنة شعب على آخر.
في هذا الواقع، يُجرّد الفلسطينيون من السيادة والقدرة على تشكيل حياتهم ومستقبلهم والقدرة على تحدي هذا القمع، وبالتأكيد لا يمكن لهذا النظام أن يقدم ديمقراطية حقيقية وبالتالي يجب تفكيكه، كذل؛ يجب بناء عقد اجتماعي جديد حيث يمكن لكل شخص ممارسة حق تقرير المصير ويكون حرًا ومتساويًا.
يحتاج الفلسطينيون إلى وسيلة مؤسسية لإعادة تنشيط حركتهم الوطنية حتى تتمكن من تحدي الوضع الراهن، يبدأ الطريق إلى ذلك بتأسيس نظام سياسي مُصلح ديمقراطي وتمثيلي ويمكن أن يعطي صوتًا لجميع الفلسطينيين البالغ عددهم 13 مليونًا حول العالم.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: حركة فتح: لم نناقش خوض الانتخابات بقوائم مشتركة مع الفصائل الفلسطينية
اضف تعليقا