ضعف المنافسين..

من الممكن القول إن أحد الفرص التي من الممكن أن تستفيد منها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” خلال الانتخابات الفلسطينية المقبلة هي ضعف منافسيها، وكذلك الانقسام الحاد في المنافس الأبرز لها، حركة فتح، إضافة إلى ضعف القوى اليسارية والتراجع الشعبي لها، فضلًا عن غياب الأفق أمام القوائم المستقلة التي قررت خوض الاستحقاق الانتخابي.

ووفقًا لمرسوم رئاسي سابق، فمن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في 22 مايو/ أيار المقبل، ثم تعقبها الانتخابات الرئاسية في 31 يوليو/ تموز المقبل، بينما ستعقد انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير في 31 أغسطس/ آب.

ومع ذلك فلا بد من الإشارة إلى أنه لا تزال هناك توقعات من بعض المراقبين باحتمالية إلغاء الانتخابات أو تأجيلها في ظل استمرار انقسام “فتح”، إضافة إلى خوف عدد من الدول الإقليمية، وخصوصاً مصر والأردن، من مفاجآت قد لا تكون سارة بالنسبة لهما.

وعلى الرغم من تنبؤات حركة حماس وأنصارها وبعض المراقبين من أن الانتخابات القادمة ستكون مريحة نسبيًا لحماس، معتمدين في ذلك على ضعف منافسيها وانقسامهم، في مقابل قوتها التنظيمية واستبعاد خروج أفرادها خارج الأطر التنظيمية الرسمية.

تحديات معقدة أمام حماس..

لكن من ناحية أخرى يبدو الواقع مختلفًا عن التصور السابق بشكل نسبي، لا سيما في ظل تحديات كثيرة تواجهها الحركة في الداخل والخارج، من خلال دخول عوامل وفواعل مختلفة في المسار الانتخابي، إضافة إلى استمرار تأثير العوامل الإقليمية والصهيونية على مجريات الانتخابات.

ومن المهم -في إطار الحديث عن التحديات- أن يُذكر أن حماس قد تجد صعوبة في حصد أصوات الناخبين من خارجها الذين انتخبوها عام 2005، في ظل عدم قدرتها على تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية طيلة هذه السنوات، بالرغم من مساعيها المتعددة ومحاولاتها الكثيرة لإحداث ذلك، لكن الواقع والظروف والمعطيات كانت تمثل عوائق وعقبات. وفي النهاية، جرت العادة أن الناخبين يرون النتائج فقط، ويغضون الطرف في غالب الأوقات عن الظروف والسياقات. وبالتالي، فهذه أحد أهم تحديات حماس.

وحتى الحاضنة الشعبية الصلبة للحركة في غزة، يقدر محللون أنه قد بدأ يتسرب إليها الكثير من الشعور باليأس أو الإحباط، وذلك بسبب عدم قدرة الحركة على تحريك الأوضاع وتوفير مزيد من الما لموظفي الحكومة والعناصر التابعة لها. ويظهر ذلك بشكل واضح في تعليقات عدد معتبر من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصل الأمر إلى أن موظفين محسوبين على الحركة قد شاركوا كذلك في مثل هذه التعليقات.

وتعيش غزة التي يقطنها أكثر من مليوني شخص، وتعد من أكثر مدن العالم في الكثافة السكانية، في ظروف معيشية واقتصادية وصحية غاية في التعقيد والصعوبة، ما سبب ارتفاع معدلات البطالة، وقد ساهمت الظروف الاقتصادية المتردية واستمرار الحصار الصهيوني ودول الجوار للقطاع، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالحركة نفسها، كل ذلك أدى إلى تراجع نسبي -ويقدره البعض بأنه تراجع كبير- في شعبية الحركة.

من ناحية أخرى، تشير كثير من التقارير والتقديرات إلى أن حالة الغضب والحنق الشعبي ضد السلطة الفلسطينية وممارساتها في الضفة الغربية قد تساهم في مساعدة حماس كثيرًا في الضفة والقدس، وإن حدث ذلك -أي التصويت للحركة في الضفة والقدس- فإن ذلك سيعد مفاجأة.

لكن هذا الغضب الشعبي قد يصطدم بوجهة نظر أخرى قد يمنعها من التوجه نحو حماس، حيث يرى الشعب في الضفة والقدس ما حدث في غزة من حصار وتضييق وحروب عقب صعود حماس للسلطة فيها، وقد بدأ بالفعل استخدام مثل هذه النغمة في الدعاية الانتخابية من منافسي حماس.

هذا علاوة على وجود العامل الصهيوني، الذي لن يسمح -أو على الأقل سيسبب عرقلة وعقبة- للحركة بالتمدد في المؤسسات الرسمية الفلسطينية في الضفة، وهو الذي يلاحق تمددها والجماهيري عبر الاعتقالات والملاحقات والتهديدات والاستدعاءات لكوادرها وقيادييها.

وتبدو أحد آثار هذه التضييقات من قبل السلطات الصهيونية في أن الحركة تجد صعوبة بالغة في اختيار مرشحين لها في الضفة، في ظل التدخل الصهيوني الفج في الانتخابات من خلال الاستدعاءات والاعتقالات التي تلحق بناشطي وقياديي حماس، بهدف تحذيرهم ومنعهم من الانضمام إلى القائمة الانتخابية للحركة.

ومن المرجح أن يستمر رفض حماس الدفع بمرشح منتم لها في الانتخابات الرئاسية القادمة، وستبقى على توجهها بدعم مرشح آخر تسعى أن يكون توافقيًا، وذلك إدراكًا منها للواقع الإقليمي والدولي الذي لن يكون مرحبًا بأي حال من الأحوال بوصول حماس إلى رأس السلطة، إضافة إلى تسهيل مهمة حكومة الوحدة الوطنية التي من المزمع تشكيلها إثر الانتخابات التشريعية.

وهنا يبرز ملف موظفي الحكومة في غزة، والذين لا تعترف بهم سلطة فتح في الضفة، وما يتعلق بهم من حقوق مالية كبيرة لم تتمكن حكومة حماس من دفعها لهم، هذا علاوة الموظفين المفصولين، وتبرز كل هذه الإشكاليات والملفات كتحديات أمام الحكومة المقبلة. واتفق -في مباحثات القاهرة- على أن تكون الحكومةُ جامعةً، ويكون من أولويات عملها هو الاستهلال بإعداد خطة وطنية لحل ما أفرزه الانقسام الفلسطيني في الأعوام الخمسة عشر الماضية.

الخلاصة، سيكون الاستحقاق الانتخابي القادم، إن حدث، صعبًا على حماس، التي كان أحد أهم أسباب فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2005 هو حالة السخط العامة على سياسات حركة فتح في السلطة.

ورغم أن البعض قد يرى أن حماس لم تقدم الكثير منذ قدومها إلى السلطة، فضلًا عن أن البعض يزعم أنها قد مارست شيئًا من ممارسات سلطة فتح وإن كان بقدر أقل حدة. وهو ما قد يمثل صعوبة في الانتخابات المقبلة.

إلا أن حماس تراهن على ورقة المقاومة التي بيدها، وكيف تمكنت من تعظيمها أثناء فترة حكمها للقطاع، وكذلك إنجازاتها ونجاحاتها النوعية في ملف الأسرى، وقد تسعى حماس لتوظيف هذه النجاحات في دعايتها الانتخابية للحصول على مزيد من أصوات الناخبين من خارج دائرتها الحزبية.