لإنقاذ حليفها السوري بشار الأسد، لم تدخر إيران جهدا، وخلال عشر سنوات من الحرب أنفقت مليارات الدولارات وأرسلت كبار العسكريين لسحق التمرد السوري، لكنها رغم ذلك لم تجن شيئا.

وذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أنه من أجل عائد استثماري، حشدت طهران وحدات النخبة من فيلق القدس وحزب الله اللبناني، من ذوي الخبرة في تقنيات حرب العصابات معززة بميليشيات من الشيعة العراقيين والأفغان والباكستانيين، حيث بلغ عدد القتلى، وفقًا للتقديرات، عدة آلاف.

وأوضحت أن الجدل حول هذا الالتزام العسكري الباهظ الثمن قد استمر في التضخم، وغرقت فيه البلاد، لدرجة أن الإيرانيين، الذين تظاهروا بالآلاف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، احتجاجًا على ارتفاع أسعار البنزين، حثوا قادتهم على حل المشاكل الاقتصادية للبلاد بدلاً من القتال بسوريا.

مذكرات تفاهم

ونوهت “لوموند” بأنه بالفعل كانت هناك بعض الإعلانات التي أشارت إلى احتمال حدوث فوائد اقتصادية، إذ تم التوصل إلى اتفاقيات، بما في ذلك ترخيص مشغل للهاتف المحمول. 

كما أن الزيارة الرسمية لنائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانجيري إلى دمشق في يناير/ كانون الثاني 2019، كانت فرصة للتوقيع على مذكرة حول “التعاون الاقتصادي والاستراتيجي طويل الأمد”، وإبرام عشرات مذكرات التفاهم، حول مناجم فوسفات خنيفيس والشرقية. 

ومن الآفاق الإيجابية الأخرى، بحسب الصحيفة الفرنسية، تم منح بناء 200 ألف وحدة سكنية لجمعية الإعمار الجماعي، وهي شركة إيرانية خاصة.

ولفتت إلى أنه سرعان ما أعرب رئيس هذه الشركة إيراج رهبر، في مقابلة أجريت معه لدى عودته إلى البلاد لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ISNA، عن تفاؤله قائلا: السوريون متحمسون للغاية لفكرة أن الإيرانيين يستثمرون في بلادهم”.

كما نقل رهبر تصريحات منسوبة إلى رئيس الوزراء السوري عماد خميس جاء فيها: إيران بالنسبة لنا الشريك الأجنبي الأول عندما نخصص المشاريع. “

لكن رئيس جمعية الإعمار في إيران تلاشى تفاؤله في ديسمبر/ كانون أول 2020، وأعرب عن أسفه لعدم انطلاق المشروع، وقال لموقع مهر الإخباري: إن القضية تتعلق بالصعوبات التي يواجهها القطاع الخاص الإيراني في الاستثمار بسوريا، والعقبات المصرفية – الدولتان المدرجتان في القائمة السوداء للعقوبات الأمريكية- والبيروقراطية السورية الساحقة.

وأكدت “لوموند” أن هذا الإحباط المشترك على نطاق واسع، غذاه الشعور بأن الشريك الآخر لنظام الأسد، وهو روسيا، يحصل على نصيبه من الكعكة، بقدر ما أراد اللواء رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري والمستشار العسكري الشخصي للمرشد الأعلى علي خامنئي، أن يكون مطمئنا، في عام 2018، من خلال مقارنة الإنفاق الإيراني في سوريا بـ “القروض” التي “سيتم تعويضها من خلال منح عقود استثمارية إلى طهران”، وبقدر استنكاره في سبتمبر/ أيلول 2020، بأن “الروس يستفيدون من سوريا أكثر منا”.

ونقلت الصحيفة عن مسئول بوزارة الاقتصاد الإيراني كان حاضرا خلال الزيارة الرسمية التي جرت عام 2019 القول: ” عسكريًا، كان دعم الروس [اعتبارًا من سبتمبر/ أيلول 2015] حاسمًا اقتصادياً وفنياً، نصيبهم يفوقنا بكثير وهو ما يفسر تفضيل حقيقي لموسكو على حساب طهران “.

وفي هذا الصدد يشير حميد رضا عزيزي، الأستاذ الزائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين، إلى أن مذكرات التفاهم “ذهبت أدراج الرياح في الغالب بسبب نقص الموارد المالية في إيران”، إضافة إلى عقبة أخرى كانت تواجه رجال الأعمال الإيرانيين وهي المبالغ الهائلة التي يتقاضاها رجال الأعمال في شكل رشاوى للحصول على صفقة، تكتب الصحيفة الفرنسية. 

التأثير الثقافي

وشددت على أن نقص السيولة يؤثر على النفوذ الإيراني في سوريا من كل الجوانب، وهكذا، لم يعد لدى الجمهورية الإسلامية الوسائل لدعم أنصارها هناك كما فعلت في بداية الحرب. 

ويؤكد حميد رضا عزيزي أن “طهران شجعت أتباعها في دمشق على تدبير أمورهم بأنفسهم وإيجاد المال في مكان آخر”، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الأمني بسوريا.

كذلك لا تمتلك إيران أيضًا أي نفوذ على الاقتصاد غير الرسمي، الذي ازدهر في ظل الركود السوري، مع شبكات التهريب وأمراء الحرب الذين يحرصون على حماية غنائمهم، ولم يتبق لها سوى التأثير الثقافي، الذي تم نقله من خلال دور العبادة الشيعية في سوريا، والتعليم (إعادة بناء المدارس، وتدريب أساتذة الجامعات في جميع المجالات، والتعاون على إعادة كتابة المناهج الدراسية). 

ويدافع عضو وزارة الاقتصاد الإيرانية المذكور أعلاه أن “هدف طهران قبل كل شيء استراتيجي وطويل الأمد”، أي أنه في هذه المرحلة، لا تُطرح قضية الربح والخسارة، وسيحين الوقت لكي تستفيد إيران وقطاعها الخاصة من سوريا”.

وشددت “لوموند” أنه على الرغم من ذلك، فإن المحور الاستراتيجي الذي يشكله الطريق من طهران إلى بيروت بالنسبة لإيران، تبقى سوريا وستبقى حلقة الوصل الضرورية التي لا غنى عنها مهما كانت التكلفة.

يشار إلى أنه بحسب تقرير لمجلة “فورين بوليس” الأمريكية لعام 2018، تمتلك إيران 11 قاعدة في جميع أنحاء سوريا، وتسع قواعد أخرى لقوات الميليشيات التابعة لها في جنوب حلب وحمص ودير الزور بالإضافة إلى 15 قاعدة أخرى تابعة لحزب الله اللبناني.

وذكرت المجلة الأمريكية أن إيران أنفقت في سوريا أكثر من 30 مليار دولار وخسرت أكثر من 2000 عنصر سواء من قواتها أو من الميليشيات التي جمعتها من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا

اقرأ أيضًا: لوموند: في سوريا.. كل السيناريوهات لا تزال ممكنة لهذه الأسباب