نشرت صحيفة الغارديان مقالاً للسيدة البريطانية كيتلين ماكنمارا تسرد فيه تفاصيل رحلتها لمعاقبة الأمير الإماراتي الذي اتهمته بالاعتداء الجنسي عليها أثناء التحضيرات لمهرجان هاي الثقافي في أبو ظبي خاصة بعد رفض الشرطة البريطانية التحقيق في مزاعم هذه الفضيحة الجنسية.

 في بداية مقالها الطويل، أشارت ماكنمارا إلى وقائع مشابهة قام بها المنتج السينيمائي “هارفي وينشتاين”، والذي أصدرت ضده محكمة في نيويورك قراراً بالإدانة بعد ثبوت اعتدائه على النساء، ما اعتبرته أنه “قرارا مهما أعطى صورة أن القانون لا يعفي الأغنياء من أفعالهم”، والمفارقة أن هذا الحكم صدر أثناء تواجدها في عمان، حيث كانت تتابع وقائع افتتاح المهرجان الذي عملت على ترتيبه في أبو ظبي والاحتفاء الذي قوبل فيه الرجل الذي قالت إنه قام بالاعتداء الجنسي عليها- الشيخ نهيان بن مبارك آل النهيان، وهو أمر أثار استيائها وجعلها تشعر بالإهانة الكبيرة لكنها تمالكت أعصابها كي لا “تفسد فعاليات المهرجان” كما أرسلت لمديرها والمسؤول عن المهرجان.

 ولفتت ماكنمارا (32 عاماً) أنها -خلال محاولتها لجلب الأمير الإماراتي أمام القضاء- تعرضت لمحاولات كثيرة لإسكاتها كي لا تفضح الأمير، لكنها أكدت على تمسكها بالأمل “وجدت حلفاء جدد… حظيت باهتمام إعلامي وفهمت -للأسف- أن عمليات الإدانة في قضايا الاغتصاب لا تتجاوز 3% في كل من إنجلترا وويلز”.

 تحدثت ماكنمارا بداية اختيارها للعمل في مهرجان هاي الثقافة، وكان ذلك قبل ستة أشهر من بداية الفعاليات، حيث تلقت اتصالاً من مؤسس المهرجان في ويلز – بيتر فلورنس- للتعاون في نقل الحدث إلى أبو ظبي وتقديم نسخة عربية هناك، لكنها كانت مترددة، فقد عادت إلى لندن بعد حياة في الخارج استمرت نحو عشر سنوات، وأكثر ما كان يقلقها أن “المهرجان يدعي احترام حرية التعبير في دولة يعمل نظامها على قمعها”، ما اعتبرته “نفاق” واضح.

 علاقة ماكنمارا بالمهرجان لم تبدأ في ذلك العام، حيث أكدت أنها لطالما شاركت فيه كمتطوعة أثناء فترة المراهقة، في نسخته غير العربية، لهذا كانت مرتبطة بالمهرجان رغم رغبتها في عدم المشاركة حيث قالت “لم أكن راغبة أن أكون بيدقا بحيلة العلاقات العامة الإماراتية ولكنني وافقت”.

 وصلت ماكنمارا إلى أبو ظبي في سبتمبر/أيلول 2019، وبدأت المشاكل منذ وصولها، حيث واجهت عدة تعقيدات في عقدها مع المهرجان، لذلك حصلت على عقد بديل مع وزارة التسامح، وكان عملها شاق جدا، لكنها صممت على مواصلة العمل على إنجاح المهرجان الذي كان محل انتقاد من منظمات حقوق الإنسان التي رأت في المشاركة دعما لسياسات الدولة التي تضع ناشطي حقوق الإنسان مثل المهندس والشاعر أحمد منصور في السجن.

 يبدو أن نشاطها وعملها المكثف لفت الأنظار إليها، إذ تم تبليغ “ماكنمارا” أن وزير التسامح الشيخ نهيان يريد مقابلتها على انفراد… “لم أفكر أن اللقاء سيكون حول أي شيء سوى العمل”، لكن الأمر لم يكن كذلك.

“كنت حمقاء أنني ظننت أن اللقاء سيكون من أجل العمل…ذهبت إلى اللقاء ولم يمر وقت طويل حتى أكتشف أنني كنت لعبة لديه”، كما قالت ماكنمارا، التي أضافت أن ما حدث خلال تلك المقابلة بات معروفاً للجميع بعد ذلك حين قررت التحدث.

 لم تستطع ماكنمارا “تأطير” ما حدث لها في سياق قانون الاغتصاب البريطاني الصادر عام 2003 أو التعذيب بناء على القانون الجنائي عام 1988 وميثاق الأمم المتحدة ضد التعذيب، لذلك حاولت البحث عن طريقة لتأطير الوضع، وعندما اتصل بها فلورنس سألها إن كان ما حدث لها يشبه تصرفات “واينستاين” مع النساء، فأجابت “نعم”، ما جعل فلورانس يساعدها في مغادرة أبو ظبي، لكنها لم تستطع السفر فهي نقطة الاتصال الرئيسية للمهرجان، وستواجه مشاكل مالية تتعلق بالعقد، لذلك حجزت غرفة بفندق في دبي واتصلت بالقنصل البريطاني هناك، الذي كان رأيه من رأي فلورنس بضرورة مغادرة الإمارات.

رغم ضرورة ذلك، شعرت ماكنمارا بالحزن لأن جهدها في الترتيب للمهرجان سيذهب هباء بسبب نزوات رجل.

لهذا السبب سافرت إلى عمان ومنها طارت إلى لندن، مضيفة أنها لم تكن راغبة في نشر قصتها، فهي من عائلة تتمسك بخصوصيتها، وفي بلدتها يعرف الناس بعضهم، ولكن بحثها عن العدالة ورغبتها في معاقبة من اعتدى عليها هو ما جعلها تضحي بخصوصيتها والكشف عن تفاصيل حياتها الشخصية.

 بعد وصولها إلى لندن بدأت رحلة ماكنمارا لمعاقبة الأمير نهيان، تجاهلها الكثيرون، وآخرون استهزأوا بها، وقليلون أبدوا تعاطفهم معها، لتكتشف من ردود الأفعال موقف المجتمع من العنف الجنسي ومحاولاته لإسكات الضحايا.

قالت ماكنمارا أن معظم الناس قالوا لها “هو قوي ولا يمكن جلبه للعدالة، ونخشى أن يلاحقك وسيدمرك المحامون وستجرين في الوحل ولن يوظفك أحد بعد الآن…. سنساعدك على تناسي الأمر وتجاوز الموضوع”.

 أصيبت ماكنمارا بخيبة أمل شديدة، حيث وجدت نفسها وحيدة في منزلها، تطاردها “كوابيس” ما حدث لها من الشيخ الإماراتي، والعالم لا يأبه بها، إلا أن تم إنهاء الإغلاق الناتج عن كورونا، حيث ساعدها فلورانس في التواصل مع المحامية هيلينا كيندي.

رافقتها كيندي إلى اسكتلند يارد حيث قدمت بلاغا ضد الشيخ الإماراتي، وفي المقابل قامت الشرطة بتشديد الحراسة الأمنية على شقتها.

“أشعر أنني محظوظة”… هكذا قالت ماكنمارا لأنها حصلت على المساعدة بسبب علاقتها، فعندما حاولت مواجهة القضية وحدها لم تجد إلا مركزا لمتابعة قضايا الاغتصاب لا تمويل كبيرا لديه ومحام طلب منها مالا أكثر مما تحصل عليه في عام، مضيفة “لم يكن هدفي أبدا فضح نهيان.. ولكني أريده أن يفكر هو ومن حوله مرتين قبل إيذاء النساء”.

 بحلول سبتمبر/أيلول 2020، لم تكن النيابة العامة في المملكة المتحدة قد اتخذت أي إجراء، ومع مرور الوقت شعرت أن العدالة تتلاشى، ولهذا أجرت مقابلة مع صاندي تايمز التي أرسلت نسخة لمحامي نهيان وردوا أن الشيخ يشعر بالدهشة من هذه الاتهامات التي جاءت بعد ثمانية أشهر من المهرجان، مع أن بيتر فلورنس أخبر الوزارة عنها بعد يوم من نهاية المهرجان.

 وأضافت ماكنمارا أن الإعلام اهتم بقصتها، لكن هناك منصات أخرى نشرت مقالات اتهمتها بالكذب والسذاجة وأنها ليست جميلة لكي تثير انتباه رجل يمكنه الحصول على أي امرأة وأنها حمقاء لكي تكون وحيدة في الشرق الأوسط.

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول وصلها قرار النيابة بأنها لن تواصل التحقيق بسبب عدم استيفاء البلاغ الشروط المطلوبة دوليا، بالرغم من أنه استوفى معيارين من المعايير الثلاثة، لكن ليس الثالث: أن نهيان كان يقوم بأداء واجباته الرسمية في ذلك الوقت.

 لذلك تعتقد ماكنمارا بعد عام من التواصل مع المحامين وضحايا العنف الجنسي أن الطريق الوحيد المتوفر أمامها هو رفع قضية مدنية، وترى أن الصمت في حالات العنف الجنسي ليس خيارا، فالرجال الأقوياء هم حراس كل قطاع في المجتمع وعادة ما يسيئون مواقعهم ويستخدمون ثرواتهم لعمل ما يريدون للنساء والفتيات.

 واختتمت ماكنمارا مقالها مؤكدة أنه “بينما نواصل الكفاح من أجل القانون لمواكبة واقع المرأة، كل ما لدينا هو قصصنا…. ربما تكون مهمتنا ليست المضي قدماً، بل التحدث عما حدث” وكشف المستور… “يجب أن نتحدث لنتخلص من عارنا… يجب أن نتحدث بصوت عالٍ للقضاء على إذلال أولئك الذين تعرضوا للمثل… هذه القصص هي التي ستدفع القانون إلى الأمام… كلما تشاركنا ووقفنا مع بعضنا البعض، قل تجاهل العالم لنا”.

 للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

 اقرأ أيضًا: بعد انتهاء دورهما.. لهذه الأسباب أطاحت أبو ظبي بـ”قرقاش” وسفيرها لدى الرياض