سد النهضة جنوبا والمشروع الإسرائيلي الإماراتي شمالا..
تبدو مصر اليوم في واحدة من أسوأ حالاتها من الناحية الاقتصادية منذ عقود، لكن الأكثر إثارة للقلق في الشارع المصري يكمن في أن الأزمات التي يتستر النظام العسكري على مواجهتها، بل ويدعمها أحيانا، ستقضي عاجلا أو أجلا على يمكن أن يتبقى من آمال للإصلاح في الساحة المصرية، وسيبشر الأجيال المقبلة بمستقبل غير مطمئن على الإطلاق.
ففي الشمال، تخطط أبوظبي وتل أبيب للعديد من المشاريع بينهما، أبرزها في مجال الطاقة الذي يسعى الطرفان من خلاله للوصول إلى نوع من “تكامل الاقتصادات والاستفادة من المواقع الاستراتيجية” لكليهما، والذي ستدفع مصر كلفته الأكبر عبر تفريغ قناة السويس من أهميتها، وانتقال مركزية النقل الدولي إلى قناة إسرائيلية تُبنى بأموال إماراتية.
القلق العسكري المصري على سيطرتهم على مقدرات البلاد، وصل إلى حد إعراب رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع، عن “قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات – عسقلان بين الإمارات وإسرائيل”. وقال في تصريحات لقناة تليفزيونية محلية في 29 من يناير الماضي، إن مصر تتابع عن كثب المشروع، لما له من تأثير مباشر على السفن المارة عبر قناة السويس، محذراً من أن “هيئة الأوراق المالية والسلع تجري حالياً دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%”.
وفي الجنوب، تصاعد خطر سد النهضة الأثيوبي، الذي دخل هذه الأيام مراحله المتقدمة من الملء، في ظل تصريحات متضاربة مصرية سودانية، لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما تتمتع أثيوبيا بتأييد إسرائيلي ودعم إماراتي، يضفي على مشروعها قدرة كاملة على المضي قدما دون تهديدات متوقعة، بينما تقف مصر عارية أمام القدرة على اتخاذ أي رد فعل.
فقبل ساعات فقط، أعلن رئيس الوزراء الأثيوبي، آبي أحمد، إن الملء الثاني لسد النهضة في موعده عند موسم الأمطار في يوليو المقبل. وأضاف في كلمة له أمام البرلمان: “لا نرغب بالإضرار بمصالح مصر والسودان المائية لكننا نرفض مقترح السودان بتشكيل رباعية دولية، ونجدد مطالبتها بوساطة الاتحاد الأفريقي في التفاوض، لكن ذلك ذلك كله لن يعرقل خطة ملء السد في موعده”.
وقبل أيام، قال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ إن تصريحات إثيوبيا أكدت اعتزامها استكمال ملء سد النهضة حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، تكشف مجددا عن نية إثيوبيا ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب.
وفي الغرب، تحاصر خسائر الجنرال الليبي المنقلب خليفة حفتر، حلفائه في القاهرة، وتتوسع الخيارات التركية في الساحة الليبية على حساب المشروع الإماراتي المصري الداعم للحكم العسكري، وتحضر روسيا في مواجهة تركيا كلاعبين دوليين في الأزمة، دون أي تقدير للوجود المصري والجيرة الهشة بين مصر وليبيا.
وآخر تلك الخسائر الفادحة لمصر كان اغتيال القيادي في قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، محمود الورفلي، إثر تعرض سيارته بالقرب من جامعة العرب الطبية لوابل من الرصاص في مدينة بنغازي الخاضعة لسيطرة قوات حفتر، فما لم تنجح المخابرات المصرية بعد في معرفة مرتكب الواقعة التي خسرت بسببها أحد أبرز تابعيها في الصراع الليبي.
وفي الشرق، تواجه مصر خطر تقلص مساحتها بعدما أهدى الجنرال المنقلب المصري عبد الفتاح السيسي النظام السعودي جزيرتي تيران وصنافير، مما أسهم في تدمير مساحة مصر من المياة الدولية الشرقية، فضلا عن منح العدو الإسرائيلي منفذا بحريا دوليا نادرا في المياة الجنوبية لدولة الاحتلال، وهي خدمة استراتيجية لم تكن إسرائيل لتحلم بالحصول عليها يوما.
ومن البحر الأحمر، إلى البحر المتوسط، حيث تصطدم مصر بأزمة مياه شرق المتوسط، التي اختارت فيها مصر التنسيق مع الجانب الإسرائيلي الذي سيتغول على المياه المصرية بعنف واضح، في مواجهة الخريطة التركية التي تمنح مصر كامل حقوقها في المياه الإقليمية المصرية، دون أن يفهم المواطن المصري سببا واضحا لهذا الخلل في الموقف المصري سوى العقلية العسكرية التي تسيطر على البلاد.
أما داخليا، فلا تزال الأزمة الكبرى التي تواجه الشارع المصري منذ العام 2013 هي اختطاف السلطة والقضاء على المسار الديمقراطي، وإقامة نظام عسكري راسخ ومتمكن من كافة مسارات الحياة المصرية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الخدمية والنقابية.
كما لا يزال عشرات الآلاف من الشباب والفتيات المصريين يقبعون خلف جدران السجون دون محاكمات أو بأخرى صورية تفتقر لأدنى قيم العدالة وشرف الخصومة، فضلا عن تحديات المصريين المطاردين خارج البلاد، وما يواجهونه من تعنت من السفارات في تجديد جوازات سفرهم أو السماح لهم بالعودة إلى بلدهم.
وهكذا تحاصر المشكلات من كل اتجاه المصريين، وتتركهم أمام واقع صادم ومستقبل غير مبشر، في ظل حكم عسكري غاصب متمكن، وصوت ضعيف وهش للمعارضة التي لم يترك لها النظام العسكري متنفسا غير المعارضة من الخارج، فيما يجد المواطن المصري نفسه مضطرا كل يوم للتعامل مع النظام العسكري بالروح نفسها التي يتعامل بها الفلسطينيون المضطرون مع قوات الاحتلال.
اقرأ أيضًا: وزير مصري سابق: ملء سد النهضة “خراب عاجل”
اضف تعليقا