إذا كان للأرض صوت يمكن سماعه، فإن الأرض العربية حين ستنطق باسم عدوها، لن تجد عدوا أشرس وأقبح سيرة من الإمارات، حتى قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمكن للوهلة الأولى تحديد أسباب دناءته وفخر خصومته، لكن في حالة الإمارات، يبقى الأمر مثيرا للاستغراب والسؤال: كيف ولماذا نبت في بلادنا كل هذا الحقد والغل والشر؟

تحركات الإمارات ضد الربيع العربي، وتزعمها لمحور الشر المناهض للشعوب العربية التي طالبت باستقلاليتها وحريتها من المحيط إلى الخليج، كان أقوى شرا وأعمق أثرا من أن تمحيه بروباغندا التقدم والتطور التي تروج لها الإمارات عن نفسها، إذ لم يعد يخفى على العالم رائحة الإفساد البادية من بادية الإمارات المتخفية خلف ناطحات السحاب المبنية بالدم والجماجم.

فبدءا من تونس الخضراء، مهد ثورات الربيع العربي وصاحبة نسخة الياسمين، انطلقت اليد الإماراتية الخبيثة للعبث بمصير شعب تونس الأبي، الذي استطاع أن يتصدى للخطة الإماراتية بفضل حكمة قيادتها السياسية وتصلبها في دعم ثورة الشعوب، لكن ذلك لم يوقف سيل التهديدات التي تتزعمها عبير موسي التي توصف بأنها مرتضي منصور تونس، نظرا لبذائتها وصراحتها في إعلان تبعيتها للإمارات.

وفي مصر، يبدو الأثر الإماراتي الإفسادي الأكبر، الذي أعاد أمة المصريين المنتصرة في ثورة التحرير إلى ما تحت الصفر، وقوضت تجربة الديموقراطية التي اعتلت بالرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي على سدة البلاد، لتطعنه الإمارات في ظهره مستعينة بجنرال الجيش المنقلب، عبد الفتاح السيسي، تاركة مصر في أغوار حكم عسكري انقلابي غاشم.

توثيق حقوقي

هذه التحركات الإماراتية لم تسلم من التوثيق، حفظا لحق الأجيال القادمة في معرفة عدوها، ومصدر تخلفها وتأخرها، إذ قالت دراسة أوروبية أصدرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) إن النظام الحاكم في الإمارات استغل ثورات الربيع العربي منذ انطلاقها عام 2011 لسحق أي معارضة داخلية أو خارجية بالمنطقة، موكدة أن الإمارات استخدمت بين عامي 2011 و2013 حجة الثورات العربية لتبرير القمع الوحشي واسع النطاق لحركة المعارضة المرتبطة بالإصلاح في المنطقة.

وأبرزت الدراسة تورط الإمارات بشكل رئيس في قيادة الثورات المضادة لثورات الربيع العربي خشية على مستقبل نظامها المستبد، حيث بررت الإمارات دعمها للانقلاب على الرئيس المنتخب في مصر محمد مرسي باعتبارها مسألة تتعلق بالأمن القومي وذلك من خلال رسم الروابط بين جماعة الإخوان المسلمين ومطالب حركة الإصلاح في الدولة.

في ذكراه الثامنة.. هل يزهر الربيع العربي من جديد؟ | الخليج أونلاين

وبموازاة ذلك سعت الإمارات لإعادة تسمية نفسها كقوة حديثة ورائدة عربية عبر حملات دعائية للتغطية على انتهاكاتها بحسب الدراسة، إذ صورت أبو ظبي حملتها لتعزيز “التسامح” – التي توصف بدقة أكثر بأنها “التعددية الدينية” – على أنها معارضة مباشرة لجبهة إسلامية تمثل تقليدًا طويلاً من الظلامية الدينية وذلك من خلال استضافة البابا فرانسيس وبناء كنيس ضخم في عام 2019، وللترويج لحرية المسيحية واليهودية في الإمارات، وروجت لهذه الرسائل نفسها لعقد من الزمن من خلال جهود الضغط المكثفة في أوروبا والولايات المتحدة.

حكم استبدادي

وبعديا عن الدراسة الأوروبية، تأتي توثيقية أخرى لمنظمة العفو الدولية لتبرز حدة القمع في دولة الإمارات وسحق المعارضة فيها ضمن حكم استبدادي، في تقرير صدر مطلع هذا العام قالت فيه المنظمة الدولية إن ما يسمى “الربيع العربي” عام 2011 تحول إلى شتاء طويل لدعاة التغيير من النشطاء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، بمن فيهم سجناء الرأي.

وأشارت المنظمة إلى أن العشرات الذين عبروا عن آرائهم سلميًا والذين ناضلوا من أجل حقوق الإنسان الأساسية، يقضون فترات سجن طويلة تصل إلى السجن مدى الحياة في دول أبرزها الإمارات، لافتة إلى أنه في دول مجلس التعاون الخليجي، يقبع ما لا يقل عن 52 سجين رأي خلف القضبان، مسجونون لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع وهم يضحون بسنوات من حياتهم بسبب دعوتهم إلى التغيير والإصلاح، ولم يؤد سجنهم إلى إسكاتهم فحسب، بل امتدّ تأثيره المخيف بشكل فعّال في جميع أنحاء المنطقة، حيث لم يتبق سوى فسحة بسيطة، إن كان هناك أي فسحة على الإطلاق، لأيّ حرية تعبير.

وأبرزت المنظمة أن الإمارات – لجأت إلى قوانين غامضة الصياغة، وأحكام فضفاضة في قوانين العقوبات وقوانين الإجراءات الجنائية وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد ومحاكمتهم ومعاقبتهم وساوت الأنشطة السياسية السلمية مع التهديدات لأمن الدولة وفرضت قيود شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكومية المستقلة، وجماعات المعارضة السياسية وأسكتت وحبست مؤسسي المنظمات غير الحكومية المستقلة.

وقالت المنظمة إن المحاكمة الجماعية، المعروفة باسم محاكمة “الإمارات94” شهدت محاكمة ما مجموعه 94 متهمًا جماعيّا بتهمة إنشاء منظمة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة، وهي تهمة نفوها جميعاً وكان من بين المتهمين محامين بارزين وقضاة وأكاديميين وقيادات طلابية من بينهم الدكتور محمد الركن، محامي حقوق الإنسان الذي قدم المساعدة القانونية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات بالإضافة الى مدافعين آخرين عن حقوق الإنسان.

تقرير: الإمارات حاربت "الربيع العربي" على عكس قطر | الخليج أونلاين

وأدانت غرفة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي 69 شخصًا من بين 94 قيد المحاكمة، من بينهم ثمانية حوكموا غيابياً، وحكمت عليهم بالسجن لمدة تتراوح من سبع سنوات الى 15 عامًا وشابت المحاكمة مخالفات إجرائية خطيرة وقبلت هيئة المحكمة أدلّة الادعاء التي تتكوّن إلى حد كبير من “اعترافات” المدعى عليهم أثناء الحبس الاحتياطي ولم تراع في المحاكمة المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك لأن أحكام هذه المحكمة كانت نهائية وكان القانون في حينها يحرم المتهمين من حق الاستئناف.

وهكذا، من الداخل الإماراتي، مرورا بتونس ومصر إلى ليبيا واليمن وحتى السودان والصومال، تحركات خبيثة هنا وهناك لم تترك فيها الإمارات جوارا إلا وأفسدته، وبات جليا أن التهديد الأكبر الذي يتربص بالمنطقة العربية هو الإمارات، مصدر الشر ومنبع الخبث.. الأرض التي لم يأمن أحد شرها، إلا إسرائيل.. صديقها وحليفها الوحيد.. وهو بالمصادفة، عدو كل العرب!

اقرأ أيضًا: “الصمت في حالات العنف الجنسي ليس خيارا”… بريطانية تطالب بمعاقبة أمير إماراتي اعتدى عليها