السودان الواقع في شمال شرق القارة السمراء، على مفترق طرق بين العالمين العربي والإسلامي والإفريقي، يشكل جزءًا مهمًا من استراتيجية القوة والنفوذ الإقليمي لموسكو، التي تسعى إلى ترسيخ نفسها عسكريًا داخل القارة وأيضا كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط.

تحت هذه الكلمات سلطت مجلة “أوريون 24” الفرنسية، الضوء على أسباب العلاقات المستمرة بين روسيا والسودان على الرغم من الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019 وتغير الأوضاع.

وقالت المجلة: إن العلاقات بين السودان وروسيا تعود إلى الحرب الباردة، وكالعديد من البلدان الأخرى التي تخلصت من استعمارها، تأرجح السودان خلال هذه الفترة بين الشرق والغرب اعتمادًا على التطورات السياسية الداخلية.

وبينت أنه بعد انقلاب 1969، الذي أتى بالجنرال جعفر نميري إلى السلطة، بدأ شهر العسل بين موسكو والخرطوم، حيث نشر حوالي 2000 مستشار عسكري سوفيتي على أرض السودان في السبعينيات.

روسيا في السودان..مشاريع جديدة بصدد الانطلاق | مركز دراسات كاتيخون

لكن محاولة انقلاب 1971 من قبل الضباط الشيوعيين والدعم السوفيتي للنظام الشيوعي غير الوضع، وفي عام 1977، طردت الحكومة السودانية المستشارين السوفييت ووضعت حدًا للتعاون العسكري مع هذا الاتحاد.

ودون تردد، غيّر الجنرال نميري شريكه الإستراتيجي فجأة، وأثناء إدارة رونالد ريغان حل الدعم الأمريكي محل الدعم السوفييتي، خاصة في المساعدات العسكرية، وأصبح السودان ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية في إفريقيا بعد مصر.

ووفقا لـ”أوريون 24″ خلال الصراع الذي اندلع في دارفور عام 2003، انحازت السلطات الروسية والصينية إلى جانب النظام السوداني، الذي اتُهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وفرض عليه بالفعل عقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ التسعينيات.

غير أن المواقف الدبلوماسية لروسيا والصين، كمعارضتهما المحكمة الجنائية الدولية (ICC) والعقوبات الدولية على حساب التدخل الإنساني، أدت إلى التقارب مع حكومة عمر البشير، التي اتهمتها المحكمة الجنائية الدولية عام 2009 بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سياق ما شهده إقليم دارفور.

وأضافت المجلة في مواجهة الغرب، وعلى الأخص الولايات المتحدة، دعمت روسيا والصين النظام السوداني وانتهكتا بشكل فاضح حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، وقامت بتزويده بالمعدات العسكرية، ومرتزقة (طيارين وميكانيكيين) وطائرات ومروحيات من قبل موسكو.

وعلى عكس الصين التي بدأت غزواتها الإفريقية مطلع القرن، لم تحول روسيا على الفور هذا الدعم الدبلوماسي إلى شراكة اقتصادية، إذ سبق التقارب بين الخرطوم وبكين التقارب بين الخرطوم وموسكو بعشر سنوات على الأقل، وهو نتيجة ثانوية للأزمة الأوكرانية، وعقب ذلك كان النهج الروسي متطابقًا تقريبًا مع نهج بكين: الاستفادة من عزلة السودان لجعله بوابة إلى إفريقيا.

الأمن مقابل الموارد الاقتصادية

قدمت الحكومة الروسية عروض للنظام السوداني عندما تم فرض عقوبات عليه من قبل الغرب وكان زعيمه، عمر البشير، موضوع مذكرة توقيف دولية، وقبل كل شيء، يبحث عن حماة أقوياء ضد الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى مبيعات الأسلحة، التي تمثل جزءًا مهمًا من التجارة بين البلدين، تنوه المجلة، تطورت العلاقات السودانية الروسية في القطاعات النووية والأمنية والتعدين والدبلوماسية، ويرجع الفضل في ذلك بشكل خاص إلى مجموعة فاغنر التي تعمل في السر بالسودان منذ 2017.

لقد أدى تقارب المصالح بين موسكو والخرطوم في الواقع، إلى دعم متبادل على المستوى الدبلوماسي في مجلس الأمن بين البلدين بشأن قضية دارفور وكذلك ضم القرم والتدخل العسكري الروسي في سوريا.

حتى لو بقيت التجارة عند مستوى متواضع (1.5 مليار دولار في الواردات في 2018) ، فإن تطورها يعكس التقارب بين البلدين، إذ نمت هذه التبادلات بسرعة منذ عام 2016 لصالح روسيا، التي تزود السودان بالسلع المصنعة والأسلحة، والعديد من مشاريع البناء (بما في ذلك مصفاة في بورتسودان عام 2018) كما اكتسبت موطئ قدم في قطاع التعدين.

تعاون ما بعد البشير

وبحسب “أوريون 24” في البداية، بدا سقوط نظام البشير، الذي أطاح به “الربيع السوداني”، بمثابة انتكاسة خطيرة لموسكو، إلا أنه في الواقع لم تنقطع العلاقة بين البلدين، إذ لم يقتصر الأمر على استمرار أنشطة التعدين، ورغم خيبة الأمل تجاه حليفها المسجون، فإن اهتمام روسيا بالسودان لم يتضاءل، بل حققت أحد أهدافها الاستراتيجية في المنطقة بفضل السلطات السودانية الجديدة.

وبينت أنه في مايو/ أيار 2019، أي بعد شهر من إقالة البشير، وقعت موسكو والخرطوم اتفاقيتين عسكريتين جديدتين، أحدهما يهدف إلى تبادل الخبرات المتعلقة بعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والأخرى لتعزيز التعاون في المجال البحري، والذي يسمح للسفن العسكرية الروسية بالرسو في الموانئ السودانية.

وفي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تم التوقيع على اتفاقية جديدة في موسكو تذهب إلى أبعد من ذلك: تتعلق بإنشاء “قاعدة بحرية” روسية في منطقة بورتسودان، الاستراتيجية، وتوصف هذه البنية التحتية البحرية بأنها “مركز لوجستي”، ستكون قادرة على استيعاب أربع سفن روسية في وقت واحد، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية.

وترى المجلة أنه يمكن تفسير استمرار العلاقة السودانية الروسية على الرغم من سجن عمر البشير، من خلال التكوين السياسي للانتقال السوداني والأهداف الاستراتيجية لموسكو، إذ تحافظ التسوية التي تم التوصل إليها بين المدنيين والجنرالات على الدور السياسي للجيش، المجهز بالفعل إلى حد كبير بالمعدات الروسية والذي ينوي الحفاظ على مصدر الإمداد هذا. 

من ناحية أخرى، فإن الاهتمام الروسي بالسودان يتجاوز السودان نفسه، وهذه القضية جزء من استراتيجية القوة الإقليمية والنفوذ، فمن أجل ترسيخ نفسها عسكريًا في إفريقيا أعلنت موسكو أيضًا عن نيتها إنشاء قاعدة عسكرية في جمهورية إفريقيا الوسطى، كما أنها أصبحت لاعبًا رئيسيًا في الشرق الأوسط.

لكن من وجهة نظر “أوريون 24” هذه الاستراتيجية لا تخلو من المخاطر، لأن المرحلة الانتقالية السودانية، التي من المقرر أن تنتهي بانتخابات عام 2023، غير معروف عما ستسفر، فأسياد الخرطوم الجديد حطموا خطاب عمر البشير المعادي للغرب ولا ينوون الاعتماد على جانب واحد في المجال الأمني كما كان الحال في زمن الحرب الباردة.

بالإضافة إلى ذلك، تطالب المقاطعات الشرقية من البلاد بالحق في تقرير المصير، إذ اندلعت اضطرابات عرقية في بورتسودان أغسطس/ آب 2020 وزعيم قبيلة البجا الهدندوة السيد محمد محمد الأمين ترك، يدافع بشراسة عن سلطته من أي محاولة للسيطرة على المدينة تصدر عن الحكومة الانتقالية.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا

اقرأ أيضًا: مصالح الكيان الصهيوني من التطبيع مع السودان