فصل جديد من فصول أزمة السياحة الروسية في مصر وحركة الطيران المتوقفة بين البلدين منذ نحو عامين، إثر سقوط طائرة ركاب روسية فوق سيناء عقب إقلاعها من مطار شرم الشيخ في 31 أكتوبر 2015.

وكالة “إنترفاكس” الروسية، نقلت عن “مصدر مطلع”، قوله إن السلطات المصرية “أبدت استعدادها للسماح للخبراء الروس بالتواجد فى مطارات شرم الشيخ والغردقة عقب استئناف الرحلات الجوية بين البلدين”.

الاتفاق الذي من شأنه الإسراع بعودة السياحة، يقتضي السماح للخبراء الروس بالتواجد في المطارات المصرية لإجراء تفتيشات أمنية إضافية وضمان مستوى الأمن داخل تلك المطارات”.

الأمر المستغرب في تصريح المصدر المصري تأكيده أن وجود الخبراء الروس في المطارات سيستمر “حتى بعد استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين”.

 

الطائرة الروسية المنكوبة

وفي أوائل سبتمبر الماضي، صرح وزير النقل الروسي مكسيم سوكولوف، بأن شركات الطيران الروسية قد تستأنف رحلاتها الجوية إلى مصر في غضون شهر عقب توقيع المرسوم الخاص بهذا الشأن.

وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على هذا التصريح إلا أنه ليست هناك بوادر على حل الأزمة.. هذا التعقيد يعززه أيضًا البيان الذي أصدرته وزارة الطيران المدني ونفت فيه خبر ترؤس وزيرها شريف فتحي، لوفد رسمي إلى موسكو الأسبوع المقبل، لحسم موقف عودة رحلات الطيران بين البلدين.

وكانت وكالة “سبوتنيك” الروسية نقلت عن مصدر بالوزارة قوله إن “الوفد المصري الذي سيزور روسيا خلال أيام سيكون برئاسة الوزير شريف فتحي.. يعني أن الاتفاق في مراحله الأخيرة، وأن وزير الطيران بنفسه قد يضع اللمسات النهائية على الاتفاق”.

تلكؤ إلى حد التلاعب

ما قيل بشأن تواجد الخبراء الروس في مصر ليس الأول من نوعه، بل سبقته زيارات متعددة لوفود أمنية من أجل مراقبة حركة المطارات المصرية، آخرها كان في يوليو الماضي.

إلا أن الجديد هذه المرة الإشارة إلى أن الخبراء سيبقون في مصر حتى بعد استئناف حركة الطيران وعودة السياحة، الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام بشأن الجدوى من ذلك، وما يتبعه من جدل حول ما يتضمنه الأمر من تفريط القاهرة في سيادتها مقابل عودة السياحة الروسية.

 

السياح الروس فى مصر

هذا الاتهام الذي تواجهه السلطة في مصر ليس وليد اللحظة، لكنه يرجع إلى أكثر من عام ونصف على بدء المفاوضات بين الجانبين، استقبلت خلاله مطارات القاهرة وشرم الشيخ والغردقة عشرات الوفود الأمنية والخبراء الروس من أجل التأكد من سلامة الإجراءات المتبعة في تلك المطارات.

وربما كان الأمر مفهومًا وذا حيثية حتى يتأكد الروس تمامًا من استيفاء مصر للشروط التي وضعتها كافة، إلا أن المستغرب هو بقاء هؤلاء الخبراء كمقيمين حتى بعد جلاء الأزمة وعودة السياحة.

ما يمكن أن نسميه تلاعبًا روسيًا بمصر لم يكن نابعًا من تحليلات للمواقف فقط، بل بتصريحات رسمية استنكرت ضمنيًا تلكؤ موسكو في عودة السياحة، رغم ما أبدته القاهرة من تنفيذ دقيق لاشتراطاتها.

رئيس الشركة المصرية القابضة للمطارات، المهندس محمد سعيد، أكد في تصريحات مثيرة ترجع إلى فبراير الماضي، أن الجهات المصرية وفرت كل ما تم الاتفاق عليه مع الجانب الروسي، من متطلبات تأمينية.

 

مطار القاهرة الدولي

وأضاف: “أمنّا مطاراتنا بأجهزة x-ray للكشف على الحقائب، وأجهزة metal detector للكشف على المعادن مع الأفراد، وأجهزة ATD للكشف عن أبخرة المتفجرات، وأجهزة بيومترية”.

وتابع: “وأمنّا أسوار المطارات بكاميرات، وكل المعدات التي تم الاتفاق عليها تم تركيبها في المطارات التي قاموا بالتفتيش عليها، وهي الغردقة، شرم الشيخ، ومبنى الركاب 2 بمطار القاهرة”.

وأضاف رئيس الشركة القابضة للمطارات: “تم عمل اختبارات، بحضور وفود روسية، وتابعوها، ووضعوا عدة ملاحظات، وتم تعديلها جميعها، وكل ما طلب منا اجتهدنا في تنفيذه”.

وعلى مدار العامين الماضيين لم تتلق مصر في مقابل هذه الجهود، إلا سيلًا من الوعود ذهبت أدراج الرياح.

التلاعب الروسي بمصر في هذا الملف وصل إلى أعلى المستويات في الدولة، وهو الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تلقى وعدًا شخصيًا من نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ديسمبر 2016 باستئناف الطيران والسياحة في “القريب العاجل”.

حرص غير مستغرب

لكن لماذا تحرص مصر على عودة السياحة الروسية كل هذا الحرص، الذي يدفعها إلى قبول الابتزاز الروسي؟.

السياح الروس يمثلون الشريان الحيوي لقطاع السياحة المصري؛ إذ تجاوز عددهم في عام 2014، نحو 3 ملايين شخص، أي ما يعادل 31% من إجمالي عدد السياح، الذين زاروا مصر في هذا العام.

وففي عام 2014، حافظت مصر على مكانتها كأهم وجهة سياحية للمواطنين الروس، وبلغ عدد السياح الروس، الذين زاروا مصر لأول مرة في العام 2015، نحو 47% من جملة الوافدين.

وبحسب بيانات وزارة السياحة المصرية، فقد حقق السياح الروس 2.5 مليار دولار إيرادات لمصر عام 2014، من أصل 7.3 مليار دولار حققها قطاع السياحة ككل خلال العام نفسه.

التأثر ظهر بحدة في الربع الأول من عام 2016، حيث بلغت إيرادات السياحة في مصر 500 مليون دولار فقط، مقابل 1.5 مليار دولار في الفترة نفسها من 2015.

لكن ليست الأموال كل شيء، فالقاهرة تبدو مرغمة على استئناف السياحة الروسية، لما تمثله من شهادة على اسقرار الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، فضلًا عن زيادة التقارب المصري الروسي خلال الفترة الحالية.

إلا أن الروس يجيدون عقد الصفقات، ولا يبدو أنهم سيقدمون عودة السياح مجانًا أو على طبق من ذهب، بل سيحصلون في المقابل على ما يمكن اعتباره الجزء الآخر من الصفقة بين البلدين.

فقبل يومين فقط أعلنت شركة “روس نفط” الروسية للطاقة، إتمام صفقة شراء 30% من مشروع “ظهر” المصري للغاز، من شركة “إيني” الإيطالية.

قيمة الصفقة في الحقل الواعد بلغت مليار و125 مليون دولار، لتصبح الشركة الروسية شريكًا في تطوير أكبر حقل للغاز في البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب شركتين عالميتين أخريين، وهما “إيني” التي تمتلك حصة نسبتها 60% من المشروع، و”بي بي” (بريتيش بتروليوم) البريطانية التي تملتك حصة نسبتها 10% من المشروع.

 

ميج-29/إم 2

وامتدادًا لصفقات التسليح التي أبرمتها مصر مع روسيا خلال السنوات الثلاث الماضية، اقتنصت موسكو، قبل أيام صفقة تاريخية، تعد من أكبر الصفقات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

موقع قناة “لايف” الروسية أكد أن مصر تعد العميل الوحيد الذي سيحصل على أكبر صفقة من مقاتلات “ميج-29” منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث ستحصل بموجب الصفقة على 50 طائرة من طرز (ميج-29/إم 2).

وربما يمتد الحديث عن المقابل الذي تجنيه روسيا من عودة سياحتها إلى مصر، إلى مشروع بناء محطة الطاقة النووية الروسية “الضبعة” وأعلن السيسي في سبتمبر الماضي أن مصر أكملت الاتفاق المتعلق بعقد بناء المحطة.

ارتباطًا بهذا الملف أيضًا، فإن أحاديث الصفقة أثيرت في الافتتاح الرسمي لقاعدة “محمد نجيب” العسكرية قرب الحدود الليبية، يوليو الماضي، متزامنًا مع جدل متصاعد بشأن التواجد العسكري الروسي فيها.

وفي يناير الماضي أرست الحكومة المصرية مزايدة لاستخراج الذهب من 4 مناطق بالصحراء الشرقية، بالإضافة إلى موقع بمدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء، لصالح شركة “سينتيز” المملوكة للحكومة الروسية.