تمديد أم تجديد؟.. يكاد يكون هذا هو السؤال المطروح في أروقة السلطة المصرية الحالية، وعلى مائدة مناقشات أجهزتها السيادية، ويبدو الاختيار الأول، حتى الآن، هو الأقل كلفة، والأسهل تنفيذا.

هل يلجأ عبد الفتاح السيسي إلى تمديد فترته الرئاسية، أم ترك الانتخابات تجرى في موعده، والمرور منها إلى ولاية ثانية؟ واقعيا كلا الأمرين تحت يد السيسي وفي متناوله، فالبرلمان الذي يحتاجه لتمرير مادة التمديد جاهز لأي شئ، وفقا لخريطته التي رسمها جهاز المخابرات التابع للسيسي بنفسه، وإذا ما قرر “الرئيس” الذهاب إلى لعبة الصناديق فإن مفاتيحها في يديه، لكن في النهاية عليه الاختيار.

البرلمان جاهز

على مشارف الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها بين فبراير ومايو 2018، تقدم النائب المصري اسماعيل نصر الدين باقتراح لتعديل المادة 140 من الدستور المصري، بغية تمديد الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، ما يؤدّي إلى تأجيل الانتخابات حتى العام 2020.

بموجب المادة 226 من الدستور المصري، يجب أن توافق أكثرية الثلثَين في مجلس النواب أولاً على التعديل، على أن يتم التصويت عليه لاحقاً في استفتاء وطني.

وفي حال طرح التعديل على التصويت، غالب الظن أنه سيتم إقراره، فقد حصل اقتراح نصر الدين على دعم واسع من تحالف “تحيا مصر” الانتخابي الذي يمتلك أكثرية المقاعد وتجمعه روابط وثيقة بالأجهزة الأمنية الموالية للسيسي.

معارضة هشة

من جهة أخرى، عبر بعض الأعضاء البارزين في تكتّل “25-30″، وهو عبارة عن تكتّل فضفاض من النواب المستقلين يؤدي دور المعارضة في البرلمان، عن اعتراضهم على الاقتراح. غير أن التصويت على نقل جزيرتَي تيران وصنافير إلى السعودية، والذي انقسم الدعم له حول خطوط متشابهة، يؤشّر إلى أنه من المرجّح أن يمر أيضاً التصويت على الاقتراح المذكور، لا سيما على ضوء الحجم الصغير للمعارضة، والسيطرة الواسعة التي يفرضها تحالف “تحيا مصر” على مجلس النواب، والدعم من رئيس مجلس النواب علي عبد العال.

طرحت مسألة تمديد الولاية الرئاسية من قبل، مع العلم بأنها فشلت في توليد الدعم الكافي وكانت هناك خشية من أن يتسبب هذا الطرح بغضب شعبي.

يرجع اقتراح نصر الدين صدى التصريحات الصادرة سابقاً عن السيسي نفسه الذي لمح في سبتمبر 2015 إلى أن الدستور، الذي قال إنه وضع بـ”حسن نية”، يحتاج إلى التعديل من أجل بناء دولة مركزية قوية.

قاعدة وليس استثناء

الإشكالية هنا أن تمرير البرلمان تمديد الفترة الرئاسية إلى 6 سنوات بدلا من 4 سيكون قاعدة قانونية مشرعة، أي أن الأمر ليس مرتبط بتحرك استثنائي لمنح السيسي مزيدا من الوقت، بل هو إجراء سيكون رسميا للسيسي نفسه خلال الفترة المقبلة، أو لأي رئيس غيره، وفي الغالب، فإن هذا الإجراء يظل على هوى الدولة، ما دام رئيسها من القوى المتنفذة التي تحتكر السلطة منذ الستينيات، لكن إن حدث في الأمور أمور وامتلكت المعارضة زمام الحكم مجددا، فلكل حادث حديث.

هذا عن الإشكالية، أما التحدي، فيتلخص في رفض أسماء ثقيلة ذلك التوجه، مثل عمرو موسى، وزير الخارجية سابقاً في عهد حسني مبارك والمرشح للرئاسة في العام 2012، وأحمد شفيق، الفريق في سلاح الجو الذي تولى رئاسة الوزراء لفترة وجيزة في عهد مبارك وكان أيضاً مرشحاً للرئاسة في العام 2012.

ماذا لو أراد السيسي الطريق الأكثر أمنا واختار الانتخابات؟

يبدو للمراقبين والمحللين أن انتخاب السيسي لفترة ثانية أمر شبه محتوم بنسبة تزيد على 97%، فمن شأن حملة القمع التي يشنّها ضد وسائل الإعلام والمجتمع الأهلي، بما في ذلك إغلاق أكثر من 57 موقعاً إلكترونياً إخبارياً وإعلامياً على خلفية اتّهامها بدعم الإرهاب في مايو 2017، أن تضمن هذا النصر.

السيسي سيطر على منظمات المجتمع المدني، عبر قانون الجمعيات الأهلية في مايو الماضي، والذي يفرض على المنظمات غير الحكومية الحصول على موافقة رسمية لنشر الاستنتاجات التي يتم التوصل إليها في استطلاعات الآراء أو البحوث الميدانية التي تجريها – إذاً لم يعد بالإمكان نشر أي تقارير محتملة عن تزوير الانتخابات أو المخالفات في الحملات الانتخابية من دون التعرّض لعقوبات شديدة.

معارضة ضعيفة

تبقى المعارضة ضعيفة، وعرضة للضغوط من النظام، ومن غير المرجح أن ترص صفوفها، سواءً للتصدي بطريقة فعالة لإعادة انتخاب السيسي أو لمعارضة التعديل الدستوري. لقد تسببت السياسات الحكومية بزرع الانقسام في صفوف المعارضة وإضعافها.

على سبيل المثال، زجت قوانين الانتخابات للعام 2015 بالأحزاب الصغيرة في وضعية غير مؤاتية، ما جعلها مرغمة على التنافس على الموارد، وأفضى إلى خفض تمثيلها في برلمان ضعيف خاضع لسيطرة تحالف “تحيا مصر” الموالي للسيسي.

والمعارضة الإسلامية في حالة أكبر من الضياع والتشتت، كيانها السياسي الأكبر حجما، الإخوان المسلمون، محظور ويصنف في خانة التنظيمات الإرهابية، والتيار السلفي، الذي يمثله حزب النور، في شكل أساسي، في الميدان السياسي، فقد الجاذبية التي كان يتمتع بها في العامين 2011 و2012، وخير دليل على ذلك أداؤه الشديد الرداءة في الانتخابات النيابية في العام 2015.

حتى لو كانت الانتخابات الرئاسية حرّة ونزيهة، لا تتمتع المعارضة، سواءً كانت علمانية أو إسلامية، بالجاذبية أو وحدة الصف كي تخوض، ولو في الشكل فقط، حملة ضد موارد النظام المتفوّقة، وسيطرته على وسائل الإعلام، وقدرته على قمع المجتمع المدني وخنق الاحتجاجات.

منطقيا، ورغم كل ما سبق، قد يفضل السيسي خيار التمديد على التجديد.. لكن لماذا؟

إذا أجريت الانتخابات الرئاسية في العام 2018، فسوف تَحدُث في خضم ظروف اقتصادية وأمنية تشهد تدهوراً سريعاً، وعلى وقع معارضة علنية – ليس فقط في أوساط الرأي العام، لكن بين أوساط نخبوية من ضمنها أركان في الدولة العميقة، بالقضاء والجيش.

حالة الغضب الشعبي ضد السيسي متوقع أن تترجم لمقاطعة شاملة للانتخابات، بشكل أعنف بكثير مما شهدته انتخابات 2014، مما سيزيد الحرج على السيسي ونظامه، ويضر بصورته دوليا وإقليميا، فهذه المؤشرات يتم استقبالها بقلق.

من هنا، يبقى الخيار الأنسب أمام السيسي هو تمديد مدته لمدة سنتين إضافيتين، ومن شأن ذلك أن يمنحه قوة إضافية بهدوء للعمل على إحكام قبضته على السلطة أكثر، والإطاحة بخصومه المتبقيين، وحينها عندما يتم التجديد، فإن السيسي تنتظره 6 سنوات أخرى في منصبه، وليس 4 فقط، هل هناك أفضل من ذلك؟

 

السيسي,انتخابات الرئاسة,تمديد فترة الرئاسة,البرلمان,المعارضة,شفيق,عمرو موسى