في يوم السبت، الثالث من إبريل/ نيسان، شهدت العاصمة الأردنية عمان، أحداثًا غير عادية، حيث حدثت محاولة انقلابية شارك فيها مستويات عليا في دائرة الحكم. وأعلنت السلطات الأردنية إلقاء القبض على عدد من الشخصيات، وما زالت التحقيقات مستمرة حتى الآن، حسب تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، الذي أعلن عن تلك الاعتقالات.
وجاء من ضمن المعتقلين، الشريف حسن بن زيد، ورئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم إبراهيم عوض الله وغيرهم. لكن ربما كان الاسم الأبرز هو الأمير حمزة بن الحسين، ولي العهد السابق، الذي ظهر في تسجيل مصور، بثته قناة “بي بي سي” البريطانية من داخل مقر إقامته الجبري، الذي فرضه عليه الملك عبد الله الثاني.
لم يتم اعتقال الأمير حمزة، لكن ذكرت هيئة الأركان المشتركة الأردنية، أنه طُلب منه “التوقف عن تحركات ونشاطات، توظّف لاستهداف أمن الأردن واستقراره”.وهذا ما أكده الأمير في التسجيل المصور، حيث قال إنه طُلب منه البقاء في المنزل، وعدم الاتصال بأي شخص. ودافع حمزة عن نفسه قائلًا إنه لم يكن ضمن أي مؤامرة أجنبية.
لم تستخدم السلطات الأردنية كلمة” انقلاب” في توصيفها للأحداث، لكن وكالة رويترز نقلت عن مسؤول أمريكي مطلع على التطورات أن الأمر هو “مؤامرة واسعة النطاق”، حيث كان المشاركون في المؤامرة يخططون لتنظيم احتجاجات لتبدو على أنها “انتفاضة شعبية مع وجود جماهير في الشارع” بدعم من بعض القبائل.
انقلاب مدعوم من دولة الاحتلال..
وكعادة الانقلابات، خصوصًا في المنطقة العربية، فإن الأمر لا يخلو من تدخلات خارجية. ومن اللحظة الأولى كانت كل الإشارات تدلل على أن للسعودية والإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي لهم يد في محاولة الانقلاب.
فمن ناحية الكيان الصهيوني، أشار تقرير كتبه الموقع الإخباري الأردني “عمون” ، نقلًا عن مصدر كبير مشارك في عملية التحقيق، إلى أن عميلًا سابقًا للموساد يُدعى روي شبوشنيك، اتصل بزوجة الأمير حمزة – ولي العهد السابق- يوم السبت وعرض عليها طريقة للهروب من الأردن عبر طائرة خاصة وإلى أي وجهة تريدها.
بعد ذلك بسويعات قليلة، نقل تقرير صادر عن موقع “والا ” في وقت لاحق يوم الأحد إلى أن إسرائيليًا يحمل ذات الاسم، روي شبوشنيك، يعيش حاليًا في أوروبا اعترف بتقديم المساعدة لزوجة الأمير حمزة ، إلا أنه أصر على أنه لم يعمل أبدًا مع الموساد الإسرائيلي في حياته. وقال شبوشنيك: “أنا إسرائيلي سابق أعيش في أوروبا ، ولم أشغل قط أي منصب في أجهزة المخابرات لدولة إسرائيل. أنا صديق شخصي مقرب للأمير حمزة. خلال عطلة نهاية الأسبوع ، أخبرني الأمير حمزة بما يحدث في المملكة واقترحت على الأمير إرسال زوجته وأطفاله للبقاء في منزلي”.
وأضاف: “ليس لدي علم بالأحداث المذكورة في الأردن، أو لأطراف ذات صلة أو أي معلومات شخصية أخرى. تم تقديم الاقتراح للأمير حمزة على أساس صداقات قوية بين العائلات ورغبة في التيسير على الأميرة وأطفالهم في هذا الوقت الصعب”.
إدعاءات شبوشنيك تكذبها معلوماته الشخصية وتاريخه في العمل لدولة الاحتلال. فقد كان شبوشنيك ناشطًا سياسيًا سابقًا في حزب “كاديما” وشغل منصب مساعد أوريل ريتشمان، عضو الكنيست الإسرائيلي، خلال الحملة الانتخابية عام 2006. كما عمل في السابق في شركة خدمات أمنية أمريكية تابعة لإريك برنس، قائد الفرقة القتالية الجوية والبرية السابق بالبحرية الأمريكية نيفي سيلز. كما أسس بعد ذلك شركة خاصة به عملت على تقديم خدمات لوجستية إلى حكومة الولايات المتحدة وحكومات أخرى في جميع أنحاء العالم، كان من ذلك تدريب جنود عراقيين.
الأمر لم يقف عند شبوشنيك، حيث كشفت الصحفية الإسرائيلية الخبيرة بالشؤون العربية، سـمدار بيري، في مقال لها بصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن رئيس الحكومة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنـيامين نتنـياهو، رغب في التخلص من الملك عبدالله الثاني، بسبب الخلافات بينهما في الفترة الماضية، والتي كان آخرها إلغاء زيارة الملك عبد الله إلى المسجد الأقصى، ومنع مرور طائرة نتنياهو المتجهة إلى الإمارات من العبور فوق الأجواء الأردنية.
دور سعودي وإماراتي في محاولة الانقلاب..
وكما أن إزاحة الملك الأردني هي مصلحة لحكومة نتنياهو حاليًا، فإنه من الواضح أن هناك تلاقي بين الاحتلال والإمارات والسعودية في هذه المصلحة. فحسب معلومات وصلت إلى ذات الصحيفة “يديعوت أحرونوت” من ما وصفتها بالـ”مصادر رفيعة المستوى جدًا في الأردن”، فإن السعودية وإحدى إمارات الخليج الفارسي شاركتا أيضًا من خلف الكواليس في محاولة الانقلاب.
وحسب المصادر الأردنية التي تحدثت للصحيفة، فإن زيارة الملك عبدالله الأخيرة إلى السعودية تعد دليلًا على توتر العلاقات بين عمان والرياض، حيث جرت بشكل مفاجئ الشهر الماضي، ولم تصدر تفاصيل عنها أو عن أهدافها، وامتنع الطرفان عن إصدار بيان مشترك.
ومما يؤكد المعلومات التي أوردتها الصحيفة، أن الشريف المعتقل حسن بن زيد، يقيم في السعودية، بالإضافة إلى كونه يحمل الجنسيتين الأردنية والسعودية، كما سبق أن كلفه الملك عبد الله الثاني بموقع المبعوث الخاص به إلى السعودية. علاوة على ذلك، فإن رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم إبراهيم عوض الله، هو صديق مقرب لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وقد ظهر معه في مؤتمرات رسمية مؤخرًا، كما أنه صديق مقرب لولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، والرئيس التنفيذي لشركة “طموح” التي تتخذ من دبي مقرًا لها.
وما زالت التحقيقات الرسمية الأردنية حتى الآن، لكن الأكيد أن ما سبق المحاولة الانقلابية سيكون مختلفًا عما بعدها، ليس على المستوى الداخلي فقط، بل في العلاقات الخارجية كذلك.
اضف تعليقا