تساءلت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن دور المشير خليفة حفتر “قائد الجيش الوطني الليبي” وعناصر مرتزقة “فاغنر” الروسية في مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في اشتباكات مع المتمردين في 20 من شهر إبريل/ نيسان الجاري.

وأشارت الصحيفة إلى أن الضربة القاضية التي أدت إلى موت ديبي، أتت من متمردي جبهة التغيير والوفاق (فاكت) الذين لاذوا إلى منطقة الفزان الليبية الواقعة على حدود تشاد الشمالية، والتي أصبحت، على مدى عقد من الزمن، “ثقب أسود” جيوسياسي.

وأوضحت أن بعد سقوط معمر القذافي في عام 2011، لجأ إلى هذه المساحات الشاسعة من الصحراء الليبية عددًا كبيرًا من القوات المنبوذة، على أساس عرقي في الغالب، وانضمت إليها مجموعات مسلحة ذات اتجاهات متنوعة للغاية.

وأكدت أنه في هذا المكان توجد الميليشيات الطائفية- المرتبطة بقبائل العرب (أولاد سليمان) أو الطوارق أو التبو – وأيضا “قوات جهادية” ناهيك عن شبكات مافيا متورطة في الاتجار بالبشر.

وذكرت أن الصدمات أو التحالفات في فزان تدور حول مراقبة الحدود (الجزائر والنيجر وتشاد والسودان)، وبالتالي طرق الهجرة المثيرة، وكذلك حقول النفط، ولا سيما حقلي الشرارة والفيل.

وبالتالي، أصبح هذا الجنوب الليبي المضطرب، القاعدة الخلفية لجماعات المعارضة المسلحة من الدول المجاورة – تشاد بشكل أساسي – للتحضير من هذه الملاذات للانقلابات المستقبلية ضد بلدهم الأصلي.

ووفقا للصحيفة الفرنسية فإن الهجوم الذي استهدف ديبي قد تم الإعداد له من ليبيا، التي كان يبدو أن الأمور هدأت فيها حيث تم تشكيل حكومة وحدة وطنية في طرابلس منذ فبراير/ شباط الماضي.

وذكرت أن الحكومة الجديدة جاءت بعد مصالحة رسمية بين المعسكرين المتنافسين اللذان يتقاتلان منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2014، وهما كتلة طرابلس (غرب)، التي تقول إنها جزء من الثورة المناهضة للقذافي عام 2011، وتحالف عسكري قبلي من برقة (شرق) بقيادة المشير خليفة حفتر.

 

صديق ديبي  المقرب

وتابعت “لوموند”: من الناحية النظرية، كان من المفترض أن تؤدي هذه المصالحة بين المعسكرين الغربي والشرقي إلى تعزيز الاستقرار في جنوب فزان، وبالتالي رفع الرهانات المسلحة التي تثقل كاهل عواصم دول الساحل والصحراء، لكن ما حدث هو العكس، مع هجوم (فاكت) على نظام نجامينا.

ومما يزيد الأمر إثارة للقلق، تكتب الصحيفة، أن المنطقة تخضع لسيطرة القوات الموالية لحفتر، الذي كان حتى ذلك الحين صديقًا مقربًا للرئيس ديبي، وذلك بعد قدوم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، في عام 2019، للمنطقة مع “مرتزقة” فاغنر الأمنية القريبة من موسكو.

ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أن “فاغنر” على وجه الخصوص أنشأت مواقع في قاعدة براك الشاطئ الجوية، بالقرب من سبها، البلدة الرئيسية في فزان، وحتى في حقل نفط الشرارة، وفقًا لآخر تقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن ليبيا الصادر في 8 مارس/ آذار.

ودعمت فاغنر هجوم حفتر خلال معركة طرابلس (أبريل/ نيسان 2019 – يونيو/ حزيران 2020) ضد حكومة الوفاق الوطني بزعامة فايز السراج، الذي أفسح المجال لحكومة المصالحة بقيادة عبد الحميد دبيبة، ورغم فشل هجوم حفتر على العاصمة، استقر مقاتلو فاغنر في القواعد العسكرية للمشير في برقة (سرت) أو في فزان (براك الشاطئ).

ومن المفارقات، بحسب لوموند، أن (فاكت) التشادية ولدت تاريخياً في عام 2016 تحت رعاية المعسكر المنافس، وهو معسكر كتلة طرابلس المدعومة بالقوة الثالثة العسكرية التابعة لكتائب مصراتة، والتي قادت القتال ضد حفتر في الجنوب خلال الحرب الأهلية 2014-2015، على جزء من فزان في ذلك الوقت. 

تأسست فاكت بعد انشقاق عنيف عن جماعة متمردة هي اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية (يو.إف.دي.دي)، ومنذ ذلك الحين أصبحت المجموعة التشادية المتمردة الرئيسية.

لكن في يونيو/ حزيران 2016، انشق مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية عن (فاكت)، وفي عام 2018 شنت هجمات ضد تشاد من جنوب ليبيا. 

من جهته قصف المشير حفتر، الذي أطاح في نهاية المطاف بالقوة الثالثة لكتائب مصراتة من فزان، مواقع هؤلاء المتمردين التشاديين تضامناً مع “صديقه” ديبي، وبدعم من باريس التي كانت تحلم برؤية حفتر يحقق الاستقرار في فزان من أجل تعزيز عملية “برخان” المنتشرة في مكان قريب بالساحل.

 

تحول التحالفات

وتساءلت الصحيفة لماذا لم يحم حفتر صديقه هذه المرة؟، مبينة أنه بعد طرد كتائب مصراتة كان على (فاكت) الانصياع للمالك الجديد في الجنوب، ومع تحول التحالفات في ليبيا، وضعت الجماعة التشادية نفسها في خدمة حفتر خلال محاولته احتلال طرابلس عام 2019، وبعد العمل في منطقة الجفرة، أنشأت الحركة مقرا لها في براك الشاطئ.

وبحسب ولفرام لاتشر، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، ومقره رلين، وقعت احتكاكات في براك الشاطئ بين قادة فاكت واللواء 128 من الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر، الذين كان يسعى إلى إدراج المتمردين التشاديين تحت رايته. 

بعد ذلك، ترك جزء صغير من فاكت القاعدة واتجهوا جنوبًا، في محليات أم الأرانب وواو الكبير، ليصبحوا خارج نطاق السيطرة. 

ويؤكد لاتشر أنه “بالانتقال إلى الحدود التشادية، تحركت الجبهة إلى خارج المنطقة التي يسيطر عليها حفتر، لذلك من غير المؤكد أنهم كانوا بحاجة إلى ضوء أخضر من حفتر لمهاجمة تشاد.”

وتقول “لوموند”: رغم ذلك تبقى الحقيقة أن فاكت استطاعت حشد قوة ضاربة في ظل الوضع المعقد الذي شكله الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر.

ونقلت عن مصدر فرنسي أنه تم تجهيز المتمردين من قبل المشير حفتر، عدا عن تواطئهم مع مرتزقة الشركة الأمنية الروسية “فاغنر”، ما قد يبرر شعور باريس بالخديعة على خلفية ما يبدو أنه صراع نفوذ آخذ في الظهور بينها وبين موسكو في منطقة الساحل.

ويضيف المصدر: “إن وجود هؤلاء الأشخاص الآن في تشاد في منطقة نفوذنا يمثل مشكلة كبيرة”، فالرهان الاستراتيجي الفرنسي على حفتر خرج عن مساره بالفعل عند أبواب طرابلس، وهو الآن ينزلق نحو الحدود التشادية.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

 

اقرأ المزيد: فوز قائمة الثورة وخسارة داعم حفتر.. هل انتهت الحكاية؟