“فرحوا لخسارة مرشح قطر أكثر من الحزن لخسارة مرشحتهم”.. هكذا يمكن توصيف الحالة التي انتابت النظام المصري وأذرعه عقب إعلان فوز مرشحة فرنسا أودريه أزولاى على مرشح قطر حمد الكواري.
هذا الفرح ليس وليد منافسة حادة على تولي منصب المدير العام لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، ولكنه يمتد لأشهر طويلة من الخلافات الشديدة بين مصر ضمن تحالف رباعي يضم “السعودية والإمارات والبحرين” تحول إلى حصار الدوحة.
ومنذ يونيو الماضي وقطع العلاقات مع قطر، لا تكف الدول الأربعة عن الجهر بمعاداة الدوحة علنا بل ومحاولات إضعافها وتشويه صورتها دوليا والعمل ضد مصالحها، وليس أدل من ذلك الحصار المفروض عليها منذ بضع أشهر.
ولكن الخلافات العربية تحولت إلى محفل دولي اهتزت خلاله صورة العرب بفعل تحركات “غير مسؤولة” من النظام الحالي ضد مرشح قطر، وبدا أن القاهرة لا تريد فوز مشيرة خطاب بقدر ضمان عدم وصول الكواري لهذا المنصب.
تاريخ من الفشل
ولا يمكن فصل خسارة خطاب الفادحة التي لم تتمكن من الوصول إلى جولة الانتخابات الختامية، بعد تعادلها مع مرشحة فرنسا أزولاى، عن تاريخ من الفشل تكبدته مصر خلال المنافسة على هذا المنصب من قبل.
وكانت أول هزيمة مصرية كبيرة في انتخابات اليونسكو خلال عام 1999 بعد الدفع بإسماعيل سراج الدين للترشح لمدير عام المنظمة، إلا أن النتيجة جاءت مخيبة لآمال تماما بتآخره خلف المرشح العربي الثاني السعودي غازي القبيصي.
وفي 2009، قررت مصر الدفع بوزير الثقافة السابق فاروق حسني لشغل المنصب في الانتخابات، وعلى الرغم من الوصول إلى المرحلة النهائية من التصويت إلا أنه فشل في حصد المنصب.
ورغم تقدم حسني في الجولات الثلاث الأولى، إلا أنه في الجولة الرابعة تنازل جميع المرشحين عن أصواتهم لصالح المرشحة البلغارية بوكوفا، ليصل عدد أصواتها إلى 29، باستثناء مرشحة الإكوادور.
وفي جولة التصويت الختامية، انسحبت مرشحة الإكوادور قبل الجولة، لتفوز مرشحة بلغاريا بـ31 صوتا، مقابل 27 صوتا لحسني.
ويتجدد الأمر مع خطاب خلال الانتخابات التي انتهت السبت الماضي بفوز المرشحة الفرنسية.
الملاحظ في المرات الثلاثة التي دفعت مصر فيها بمرشح بانتخابات اليونسكو، هو وجود مرشح عربي قوي يمكن أن يحصد هذا المقعد لأول مرة، إلا أن التدخل المصري غير المفهوم يفشل المحاولة، لدرجة ان البعض يعتبره مقصودا.
في 1999 كانت فرص وحظوظ السعودي غازي القبيصي كبيرة، وفي عام 2009 دفعت مصر بحسني مقابل الجزائري محمد البجاوي، وأخيرا كان الدفع بخطاب أمام الكواري الذي خسر المعركة بفارق بسيط عن أودريه.
ومثلما تضع معارك مصر الثلاث في انتخابات اليونسكو علامات الاستفهام، إلا أن الأكيد عدم وجود تنسيق عربي تماما في المحافل الدولية لضمان وضع أفضل لهم، ولكن يبدو أن الخلافات والرغبة في التصدر والقيادة كانت هى المحرك الرئيسي سواء في اليونسكو أو في ملفات أخرى دولية.
تحرش بقطر
ولنا عودة هنا مع سقطات النظام الحالي خلال انتخابات اليونسكو، حيث كل الدول والوفود الرسمية كانت تعمل في صمت لضمان حشد أكبر عدد من أصوات الأعضاء في المنظمة وهم 58 عضوا يمثلون دولا يحق لها التصويت.
ومع بداية التصويت في الانتخابات، خرج مدير حملة خطاب وزير الخارجية السابق محمد العرابي، متحدثا عن استخدام قطر أدواتها المعتادة من أجل كسب بعض الأصوات.
وقال العرابي، إن قطر عندما تدخل أي سباق دولي تضع قوة المال ونفوذها الاقتصادي في دول كثيرة على رأس هذا السباق، وهو أمر معروف في منافسات سابقة.
تبرير مدير حملة خطاب لحديثه كان غريبا، إذ قال: “إن جميع الأصوات التي حصلت عليها الصين صاحبة التاريخ والحضارة وكذلك فرنسا، مجمعة أقل من قطر”، ولكن الغريب عدم تقديم أى دليل يثبت صحة الإدعاءات.
ولك تقتصر سقطات النظام الحالي على اتهام قطر “المرسل” باستغلال الأموال في انتخابات اليونسكو، ولكن كان اتهام المجتمع الدولي كذلك بتلقي “رشاوى” من الدوحة.
وهو زعم يفتقر بحسب خبراء إلى التعامل الدبلوماسي في محفل دولي، ولكنه يعكس حجم التردي الذي وصلت إليه الدبلوماسية المصرية.
لكن حديث العرابي وغيره من المؤيدين للنظام المصري الحالي، كان مجرد استهلاك إعلامي محلي فقط، وبدا أنها مقدمة جيدة لتبرير الفشل المتوقع في انتخابات اليونسكو.
دعم مرشحة فرنسا
مشيرة خطاب التي كانت أضعف سيرة ذاتية في مجال العلوم والثقافة لم تتمكن من الوصول إلى الجولة الختامية في انتخابات اليونسكو، بعد التعادل مع مرشحة فرنسا في الجولة الرابعة بواقع 18 صوتا لكلا منهما.
ودخلت خطاب جولة الإعادة لتخسر أمام أدوريه التي حصلت على 31 صوتا مقابل 25 صوتا لمرشحة مصر.
وبمجرد إعلان النتيجة في جولة الإعادة سارعت مصر لإعلان دعم أودريه بشكل فج نكاية في قطر، والسعي لتحويل الأصوات التي حصلت عليها خطاب لصالح مرشحة فرنسا.
وأعلن وزير الخارجية المصرس سامح شكري، دعم مصر للمرشحة الفرنسية على مقعد اليونسكو أودريه أزولاى، خلال جولتها الأخيرة ضد المرشح القطري حمد الكواري.
تصريح شكري عبر عن الموقف المصري الراسخ ضد قطر، ولكن التصريح بهذه الصورة والذي تم فهمه دوليا أنه “نكاية” في الدوحة، ضرب القيم العروبية في مقتل..
أيضا فإن الموقف المصري فوت على العرب فرصة الوصول إلى منصب مهم في منظمة دولية مثل اليونسكو، لصالح مرشحة “يهودية” تشير بعض التقارير إلى أنها مدعومة من لوبي صهيوني، لتوجيه قرارات المنظمة بما يخدم صالح إسرائيل.
وكان شكرى أجرى اتصالا مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قبل بدء انتخابات الإعادة بين مصر وفرنسا لاختيار المرشح الذي سينافس المرشح القطري.
وعلى الرغم من عدم إيفاد تفاصيل حول الاتصال، إلى أن بعض المراقبين ذهبوا إلى أنه تم الاتفاق بينهما على التحالف ضد المرشح القطري حال فوز خطاب أو أزولاى في الإعادة.
هتافات معادية
السقطات المصرية في المحفل الدولي لم تنته.. ففي لقطة أثارت حفيظة الحضور في اليونسكو، وقف مصري يهتف لفرنسا بعد الفوز بمقعد مدير عام المنظمة وضد قطر في الوقت ذاته.
الرجل المصري الذي ظن كثيرون أنه من البعثة الدبلوماسية المصرية، أثار السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن تبين أنه غير ذلك.
“تحيا فرنسا.. تسقط قطر”.. هكذا هتف المدعو “صلاح عبد الحميد” في بهو اليونسكو، بما أثار حفيظة مندوب قطر في المنظمة ولكن رد بالقول “تحيا مصر وقطر والعروبة”، وهو امتداد للتعامل القطري الهادئ مع الإساءات الصادرة من دول الحصار خلال الأشهر الماضية.
ولكن من هذ الرجل الذي هتف بعد انتخابات اليونسكو، وزارة الخارجية خرجت في بيان لنفي علاقته بالخارجية.
وقال أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي، إن الفيديو الذي أذاعته الجزيرة ليس لدبلوماسي مصري أو أي عضو في بعثة مصر بمنظمة اليونسكو، موجها انتقادات حادة للقناة القطرية.
ولكن أبو زيد لم ينف أن يكون عبد الحميد ضمن فريق عمل الدبلوماسية المصرية الذين تتم الاستعانة بهم في الخارج.
وما يعزز هذه الفرضية، أن عبد الحميد كان ضيفا دائما على القنوات الفضائية والمواقع الإليكترونية خلال الفترة الماضية، متحدثا عن انتخابات اليونسكو وبدا أنه مصدر للأخبار لكثير من وسائل الإعلام الموالية للسيسي.
لكن الأغرب هو عمل هذا الرجل الذي يصف نفسه بأنه مستشار الاقتصاد السياسي بالاتحاد الأوروبي، وهو ما أثار الشكوك حوله بشكل أكبر خلال الساعات التي أعقبت هتافاته في اليونسكو.
صفعة دول الحصار
وبعيدا عن سقطات مصر والتحركات “الصبيانية” ضد قطر، فإن نتائج الانتخابات تعكس فشل دول الحصار في تحجيم المرشح القطري حمد الكواري، إذ ظل متقدما وكان الأقرب لحصد المنصب لولا بعض التدخلات في اللحظات الأخيرة.
ووجهت قطر صفعة قوية للرباعي العربي، إذ أظهرت أنها لم تتأثر بالحصار المفروض، إذ بدا واضحا عدم استجابة الدول لدعاية دول الحصار برعاية الدوحة للإرهاب، والدليل على ذلك هو فوز مرشحة فرنسا بفارق صوتين فقط على الكواري.
وبقدر محاولات دور الحصار تشويه صورة الدوحة إلا أن هذا الأمر لم ينعكس على منظمة اليونسكو التي يفترض أن ترعى الثقافة والعلوم، بما يشير إلى عدم قناعة الدول الأعضاء باتهامات الدول الأربع.
ومن الوارد ألا تكون السعودية والإمارات والبحرين دفعوا باتجاه دعم المرشحة المصرية، ولكن الأكيد أنهم ربما عملوا لصالح إفشال مرشح الدوحة ولكن من تأثير حقيقي.
وهنا يبرز أنه في حال دخلت خطاب جولة الحسم أمام الكواري فإن الحسابات تذهب باتجاه فوز الأخير بفارق ليس قليلا.
اضف تعليقا