تناقلت كثير من التقارير أن لبنان واليمن هما رأس أولويات التفاوض بين السعوديين والإيرانيين الذين يجرون مباحثاتهم في العاصمة العراقية، بغداد.

لكن وبالرغم من أن محادثات الخصمين الإقليميين منعقدة على الأراضي العراقية، إلا أنشطة كل من الرياض وطهران في العراق ليست أولوية في المناقشات.

وبدلاً من ذلك، يتصدر جدول الأعمال وقف هجمات ميليشيات الحوثي الموالية لإيران في اليمن على منشآت النفط السعودية، علاوة على إيجاد مخرج من المأزق السياسي في لبنان.

وفي 9 أبريل / نيسان الجاري، اجتمعت إيران والمملكة العربية السعودية، اللتان تدعمان الأطراف المتصارعة في دول الشرق الأوسط وليس لديهما علاقات دبلوماسية منذ عام 201، في العاصمة العراقية في محاولة لتهدئة التوترات بينهما.

وصرح مسؤولون وسياسيون عراقيون مطلعون على تقدم المفاوضات بأن العراق ليس جزءًا من المناقشات في هذه المرحلة، وأن التركيز كان بدلاً من ذلك على قضايا أخرى يعتبرها الطرفان من الأولويات.

وقال مسؤول عراقي رفيع مطلع على سير المفاوضات إن “العراق هو الوسيط في هذه المفاوضات، وبالتالي لن يكون جزءا من هذه المحادثات، خاصة وأن النفوذ السعودي في العراق محدود للغاية. لذا فالأولوية هي ملفات أخرى”. 

وأضاف:”اللقاءات ما زالت في مهدها ، لكنها مستمرة ، وكلاهما يحتاج إلى جولات عدة لكسر الجليد وبناء الثقة بينهما، خاصة وأن الخلاف امتد لفترة طويلة، لذا يحتاجان إلى وقت قبل ظهور أي نتائج”.

وأضاف: “بالنسبة لنا، رتبنا الظروف المناسبة لهم ووفرنا لهم مكانا وكفلنا السرية لهم. ما تبقى لهم وليس بنا”.

 

  •  صراعات طائفية..

 كان التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية في المنطقة قائمًا بواجهات وشعارات على أسس طائفية، حيث أدت الصراعات السياسية والعسكرية إلى تكريس الانقسام السني الشيعي.

ولقد عانى العراق من أضرار جسيمة من هذا الصراع الطائفي، خاصة في السنوات 2006-2008، عندما قتل عشرات الآلاف من الأبرياء من كلا الطائفتين بسبب الاشتباكات ذات الدوافع الدينية الطائفية.  وشهدت عشرات البلدات والمدن تغيراً ديموغرافياً جذرياً لم تنجح أي حكومة عراقية متعاقبة في التعامل معه حتى اليوم.

وعلى الرغم من أن النفوذ السعودي في العراق قد انخفض بشكل كبير في السنوات الأخيرة مقارنة بنفوذ إيران، إلا أنه لا يزال للسعوديين نفوذ قد يؤثر على استقرار الأمن العراقي، ولا يمكن التغاضي عنه.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد مسؤولون وسياسيون عراقيون أنه يُعتقد أن اتفاقًا إيرانيًا سعوديًا سيبرم من شأنه تحييد الفصائل المسلحة المدعومة من إيران ووسائل الإعلام الملتهبة المدعومة من السعودية، مما يفتح الباب أمام الأموال والشركات من الرياض للاستثمار في العراق.

كرئيس سابق للمخابرات العراقية، يتمتع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بعلاقات جيدة مع أجهزة معظم دول المنطقة ، لا سيما إيران والسعودية.

ونُقل عن مسؤولين عراقيين وقادة سياسيين مقربين من الكاظمي إنه -أي الكاظمي- أيضًا أحد الحلفاء “المفضلين” لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البلاد.

واستغل الكاظمي هذه العلاقات لإقناع المسؤولين السعوديين والإيرانيين بالجلوس في بغداد ومعالجة نقاط الخلاف بينهم.  وقال الحلفاء إنه قام شخصيا برعاية وتوجيه الجهود للتقريب بينهما.

المؤشرات الأولية للمحادثات وصفت بأنها “واعدة” ، والحوار مستمر، ولم يقتصر على جلسات محددة.  وقال مسؤولون إن وفدا إيرانيا وصل إلى بغداد يوم الاثنين لبحث آخر التطورات مع حلفاء إيران العراقيين وتمهيد الطريق لاستئناف المحادثات في وقت لاحق.

وحسب تصريحات مسؤول عراقي رفيع المستوى مطلع على المفاوضات لموقع Middle East Eye، أكد خلالها أن “الأمور جيدة وكل شيء على ما يرام، لدى الجانبين رغبة قوية في حل نزاعاتهما”.  مضيفًا أن “العراق مؤهل للعب دور إيجابي في المنطقة”.

 

  • هل حان وقت خروج المملكة من فلك الولايات المتحدة؟

 

تشير الدلائل إلى أن المملكة العربية السعودية حاليًا في وضع “أضعف” من إيران، ويبدو أنها بحاجة أكبر إلى نجاح المحادثات، حيث تبدو الإدارة الأمريكية الجديدة غير مهتمة بمعاملة الرياض كحليف رئيسي لها في المنطقة.

وقال مسؤول عراقي إنه مع سعي إدارة بايدن أيضًا لاستئناف الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران ، “يرى السعوديون أن الوقت قد حان للخروج من فلك الولايات المتحدة”.

إن حرب المملكة العربية السعودية التي استمرت ست سنوات في اليمن ضد الحوثيين تقوض المملكة، حيث تطلق ميليشيا الحوثي المتحالفة مع إيران صواريخ وطائرات بدون طيار بشكل روتيني على منشآت النفط والمطارات السعودية.

في المقابل، بالرغم من عزلة إيران الدولية الكبيرة واقتصادها المنهار، التي ضربتها عقوبات أمريكية شرسة، لديها نفوذ كبير على السعوديين من خلال قدرتها على وقف هجمات الحوثيين، إذا رغبت في ذلك.

وفي هذه الأثناء، تتقدم كذلك المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الاتفاق النووي، مع توقع إسقاط العديد من أشد العقوبات قسوة وشيكًا.

 

  • ما أولوية كل من الطرفين؟

 

وتفيد التقارير أن الأولوية القصوى للرياض هي إنهاء الهجمات على أراضيها التي ينفذها حلفاء إيرانيون في اليمن، وفي العراق أحيانًا.  

من جهة أخرى، قال مسؤول مطلع على المحادثات إن تيسير العلاقات مع دول الخليج العربية لإنهاء عزلة إيران وتعزيز اقتصادها “ضرورة ملحة، وتسعى إيران لتحقيق ذلك في هذه المرحلة”.

بينما يمكن للمملكة العربية السعودية أن تعرض على إيران طريقًا للتطبيع مع حلفائها العرب، يمكنها أيضًا تقديم الدعم للبنان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية مخيفة أثرت بشكل خطير على وكلاء طهران اللبنانيين.

وبخلاف الأزمة الاقتصادية في لبنان، فقد أثبت قادته أنهم عاجزون تمامًا عن تشكيل الحكومة منذ استقالة الحكومة السابقة بعد الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في آب الماضي.

وتقول مصادر إن الرياض يمكن أن تضغط على حليفها سمير جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية والخصم التقليدي لحزب الله، “لتسريع تشكيل حكومة يدعمها حزب الله” ، الأمر الذي قد يكون على حساب رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري.  .

ويرى كثير من المراقبين والمحللين أن الإيرانيين في وضع أفضل في هذه المفاوضات، على الرغم من معاناتهم الاقتصادية وتطلعهم إلى فرصة لتطبيع وضعهم في المنطقة وكسر عزلتهم.

لكنهم من ناحية أخرى يرون أن المملكة العربية السعودية في وضع بائس وتحتاج إلى هذه المحادثات لتنجح. ومن وجهة نظر إيران، لا تستطيع السعودية فعل الكثير في العراق، لذا فإن لبنان على رأس أولويات الإيرانيين، واليمن على رأس أولويات السعوديين.

من ناحية أخرى، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة تعتبر الحرب في اليمن مشكلة السعوديين، وعليهم حلها بأنفسهم ، وهذا ما يحاول السعوديون فعله الآن.

 

  • فوائد للعراق..

 

يعتقد القادة والمراقبون السياسيون العراقيون أن معظم الخلافات بين إيران والسعودية هي “عروض تستند إلى شعارات وليس خلافات قائمة بالفعل”، على حد تعبير زعيم سياسي مقرب من الكاظمي.

وأضاف أن التركيز على المصالح المشتركة وتقاسم السلطة في الساحات المشتركة “سيسهم في تخفيف التوترات في المنطقة” وينعكس إيجابا بشكل أو بآخر على العراق.

وأضاف: “إذا وجدت إيران مصلحة في تنقية الأجواء مع خصمها التقليدي في المنطقة من خلال الوساطة العراقية، وخففت الولايات المتحدة ضغطها على إيران، فإن وجود حكومة قوية في العراق واستقرار الوضع الأمني ​​سيكونان أكثر فائدة للإيرانيين من “حكومة ضعيفة ووضع أمني هش”.

وأردف: “في مرحلة ما، إذا شعر الإيرانيون أنهم في وضع يسمح لهم بإبرام صفقة حقيقية بضمانات لا يمكن التنصل منها، فقد يتخلون عن الجماعات المسلحة التي يدعمونها ويحمونها داخل العراق”.

لكن من الضروري هنا التأكيد والتشديد على أنه ليس من الممكن أن تضحي طهران بالحوثيين أو حزب الله بشكل كامل، لكنها قد تقوم بتقليص دعمها وتغطيتها للفصائل المسلحة التي تدعمها في العراق، أو توجههم إلى تهدئة التوترات وغير ذلك.

ومن وجهة النـظر العراقية، فإن الاستراتيجية التي يعمل الكاظمي على تحقيقها: تقديم حليف مفيد لإيران يمكنه الحفاظ على مصالحها دون مشاكل أو خسائر أو عقوبات مقابل تخليها عن الفصائل داخل العراق.

لا شك أن أي نجاح في هذا الملف يعني أن الطرفين سيواصلان دعم الكاظمي وحكومته خاصة في الأشهر القليلة المقبلة التي ستشهد حتما أزمات كثيرة قبيل الانتخابات النيابية في أكتوبر.

اقرأ أيضًا: كيف تستخدام إيران الميليشيات العراقية في خططها ضد الولايات المتحدة؟