أصدرت محكمة قضاء القدس، التابعة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، مؤخرًا قرارًا يقضي بمنح مهلة إلى شهر أغسطس/آب القادم لعشرات العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس لإخلاء منازلهم، تحت دعوى أن هذه المنازل قد أقيمت على أرض ليست ملكهم. أثار القرار ردود فعل واسعة على المستويين، الداخلي الفلسطيني والعالمي، وما زالت أصداء هذا القرار جارية حتى الآن.

ورغم الحقيقة الواضحة بأن أرض فلسطين كلها هي أرض ملك للشعب الفلسطيني العربي، وأن عصابات الاحتلال الإسرائيلي احتلت هذه الأرض العربية دون حق فيها؛ إلا أن مسألة الشيخ حي الشيخ جراح هي من المسائل التي تدل دلالة واضحة على الظلم الذي تعرض وما زال يتعرض له الشعب الفلسطيني، حتى من الناحية القانونية البحتة.

 

التاريخ والقانون يثبتان الحق الفلسطيني..

ويرجع أصل قصة سكان حي الشيخ جراح عندما اتفقت المملكة الأردنية مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على نقل عدد من العائلات التي هُجّرت إثر نكبة عام 1948، إلى الحي الواقع شرق مدينة القدس. وحسب الاتفاقية، فإن صفة اللجوء قد رُفعت عن هذه الأسَر التي ستتملك المنازل الجديدة التي انتقلوا إليها بعد انقضاء ثلاث سنوات على إقامتهم فيها.

واستمر الوضع على ماهو عليه ردحًا من الزمن، حتى أنه عندما احتل الكيان الصهيوني الضفة الغربية في 1967، صرح وزير العدل في دولة الاحتلال حينها بأن ما تم الاتفاق عليه بين الدولة الأردنية ووكالة “أونروا” سيظل محل احترام. 

لكن ولأن مَن احتل الأرض ليس بعيدًا عليه الخيانة والكذب، فإنه لم تكد تمر 5 سنوات على النكبة إلا وبدأت بعض مؤسسات الاحتلال الالتفاف على الحقائق التاريخية والقانونية، حيث ادعت مجموعة من يهود السفرديم، تحت مظلة لجنة يهود السفرديم ولجنة يسرائيل في الكنيست، عام 1972 بأنهم قاموا بشراء أراضي الشيخ جراح من أهلها أيام الحكم العثماني. وفي عام 1982 طلبوا من سكان الشيخ جراح دفع أجور مقابل بقائهم في منازلهم.

 

أحكام قضائية جائرة..

واستمرت محاولات مؤسسات الاحتلال في نزع ملكية الأرض من أهلها الأصليين، إلى حين أن أصدرت محكمة قضاء القدس التابعة لدولة الاحتلال قرارًا يقضي بأحقية يهود السفرديم في الأرض التي أقيمت عليها تلك المباني، وأمرت حينها المحكمة أصحاب الأرض الفلسطينيين بدفع أموال لليهود وكأنهم مستأجرين لهذه المنازل وليسوا مالكين لها، الأمر الذي رفضته العوائل التي شملها قرار المحكمة، ما أدى إلى ترحيلهم قسرًا عن بيوتهم.

لم ييأس الفلسطينيون المقيمون في حي الشيخ جراح، وذهب بعض المحامين المهتمين بالقضية إلى تركيا. وتمكنوا من الحصول على وثائق ترجع لعصر الدولة العثمانية. تتضمن هذه الوثائق نفيًا لمزاعم لجنة اليهود السفرديم، وتثبت ملكية الأراضي للفلسطينيين، وتؤكد أن هؤلاء اليهود قد قاموا بمجرد استئجار تلك البيوت لا شرائها.

لكن المحكمة التابعة للاحتلال لم تقبل هذه الوثائق التي تثبت حق الفلسطينيين في الأرض، بحجة أنها جاءت متأخرة! بل ذهب قضاء الاحتلال إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أعطت محكمة قضاء القدس، في  2 مايو/ أيار 2021 عددًا من العوائل الفلسطينية مهلة إلى شهر أغسطس/آب من نفس هذا العام لإخلاء منازلهم.

 

وثائق أردنية تؤكد الحق الفلسطيني..

الوثائق التركية العثمانية ليست وحيدة في هذا السياق الذي يثبت كذب المحتل الإسرائيلي، بل إن المملكة الأردنية لديها من الوثائق أيضًا ما يثبت أن أراضي حي الشيخ جراح تابعة للشعب الفلسطيني المقدسي. ففي 29 أبريل/نيسان الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية عن مصادقتها على 14 اتفاقية، وتسليمها إلى أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، عبر وزارة الخارجية الفلسطينية.

وقالت الوزارة الأردنية في بيانها، إنها “سلمت الأهالي شهادة تُبين أن وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، عقدت اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لإنشاء 28 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح، وعقدت اتفاقيات فردية مع الأهالي لإقامة مساكن لهم في الحي، وأنها تعهدت بموجب الاتفاقيات أن يتم تفويض وتسجيل ملكية الوحدات السكنية بأسمائهم، ولكن نتيجة لحرب 67 فإن عملية التفويض وتسجيل الملكية لم تتم”.

كما أشارت إلى أنها زودت في وقت سابق، الجانب الفلسطيني بكافة الوثائق المتوفرة لديها والتي يمكن أن تساعد المقدسيين في الحفاظ على حقوقهم كاملة، من عقود إيجار وكشوفات بأسماء المستفيدين ومراسلات، إضافة إلى نسخة من الاتفاقية عقدت مع الأونروا عام 1954.

 

محاكم الاحتلال تزيف الحقائق..

وفي هذه الأثناء، ينتظر أن تصدر المحكمة العليا في دولة الاحتلال، الإثنين المقبل، قرارًا نهائيًا بخصوص إخلاء 4 عائلات فلسطينية من الحي لصالح مستوطنين إسرائليين يدّعون ملكيتهم للأرض. 

وكما قلنا في البداية، فإنه لا يُنتظر من محاكم أنشأها العدو المحتل أن تنصف أصحاب الأرض. إلا أن الوثائق الواضحة، العثمانية والأردنية، هي “أدلة جوهرية” مناقضة للوثائق التي اعتمدت عليها المحكمة في قرارها. وبالتالي كان من المفترض علقًا وقانونًا أن تعيد المحكمة إجراءات المحاكمة. لكن يبدو أن مؤسسات الاحتلال والعقلية الحاكمة له تنطبق عليها المقولة العربية الشهيرة “إن لم تستح فافعل ما شئت”.

ومؤخرًا دعا الاتحاد الأوروبي سلطات دولة الاحتلال إلى التحرك “بشكل عاجل” لوقف التصعيد في القدس المحتلة، مؤكدًا أن إجراءات الإخلاء في الشيخ جراح غير قانونية. حيث جاء في البيان الأوروبي: أن “هذه الأعمال غير قانونية بموجب القانون الإنساني الدولي ولا تؤدي إلا إلى تأجيج التوترات على الأرض”.

ورغم هذا، ما زال الكيان الصهيوني مستمرًا في خطته لتهجير المقدسيين المقيمين بالحي، متجاهلًا كل شيء، وضاربًا حقائق التاريخ والقانون عرض الحائط، ليثبت بذلك أن نضال الشعب الفلسطيني هو السبيل الوحيد لاسترجاع حقوقه المسلوبة.