بعد أشهر من انضمام المغرب إلى “اتفاق دونالد ترامب” بشأن التطبيع مع إسرائيل، تعاني الدبلوماسية المغربية من خيبة أمل جراء إعادة تقييم السياسة الخارجية للولايات المتحدة بقيادة جو بايدن والدبلوماسية التخريبية التي يقودها بنيامين نتنياهو.
تحت هذه الكلمات قال موقع “ميدل إيست أي” بنسخته الفرنسية: في 21 أبريل/ نيسان، قرع اجتماع لمجلس الأمن الدولي ناقوس الموت للدبلوماسية المغربية، خلال الجلسة التي عقدت حول الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو.
وذكر مصدر دبلوماسي أممي أن واشنطن ما زالت تراجع سياستها تجاه ملف الصحراء، ولم تتطرق خلال المداخلات التي جرت بمجلس الأمن إلى قرار اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الذي اتخذه الرئيس السابق ترامب نهاية عام 2020.
وأشار الموقع إلى أنه بينما كانت وسائل الإعلام المغربية الرسمية تتفاخر بـ “النصر الدبلوماسي التاريخي للمملكة”، دعت الولايات المتحدة الأطراف المتنازعة إلى “تجنب تصعيد” الصراع في المنطقة، وتبني سلوك “بناء” في التعامل ميدانيا مع بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) والإسراع بتسمية مبعوث أممي جديد “من أجل إعادة إطلاق العملية السياسية المتوقفة في أسرع وقت ممكن”.
واعتبر الموقع أن ما جرى بمجلس الأمن كان بمثابة خيبة أمل لنظام محمد السادس، الذي كان يعلم أن الدخول في “صفقة القرن” التي تبنتها إدارة ترامب، سيكلف بلاده غالياً في خضم معانتها من أزمة سياسية واقتصادية.
ولفت إلى أنه في يوم الخميس 10 ديسمبر/ كانون أول 2020، أعلن الرئيس الأمريكي أنه وقع إعلانًا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة المتنازع عليها بين المغاربة والانفصاليين من البوليساريو، المدعومة من الجزائر.
في المقابل، قررت المملكة، التي كانت على اتصال دائم مع تل أبيب، “تطبيع” علاقاتها مع إسرائيل، بعد قطعها عام 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وجاء هذا، يقول الموقع، بعد أشهر قليلة من كشف وسائل إعلام إسرائيلية أن المغرب وإسرائيل تجريان مفاوضات سرية سارعت الدبلوماسية المغربية في نفيها، خاصة أن الملك محمد السادس، بصفته رئيس لجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، لن يترك القضية الفلسطينية من أجل التفاوض مقابل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الغربية.
حل الدولتين
ووفقا لـ “ميدل إيست أي” فقد رضخ النظام المغربي للضغوط الوحشية التي مارسها بشكل خاص دونالد ترامب على رؤساء الدول العربية للموافقة على “صفقة القرن”.
وقبل أسابيع قليلة من مغادرته البيت الأبيض، نجح الرئيس الأمريكي في إضعاف الموقف المختلط والمحير إلى حد ما لـمحمد السادس في مسألة التطبيع مع إسرائيل.
وأضاف “فبعد السودان والبحرين والإمارات العربية المتحدة، دخلت المغرب في صفقة عالية المخاطر يصفها المسؤولون المغاربة والإسرائيليون، على الرغم من كل شيء، بأنها تاريخية”.
لكن عقب أشهر قليلة من إعلان الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ترامب ونتنياهو ومحمد السادس، حان الوقت الآن لتقييم الصفقة، يشير الموقع.
ورأى أنه بتحليل هادئ للوضع القائم نجد أنه خلف فوائد “التطبيع” مع إسرائيل، لا سيما الاقتصادية والأمنية – على الأقل من وجهة نظر الإعلام الرسمي – هناك مخاطر كبيرة لا محالة تهدد مستقبل السياسة الخارجية للمملكة.
وتابع ليس من قبيل المبالغة القول إن الدبلوماسية المغربية شرعت على عجل في عملية تطبيع أو استعادة العلاقات مع إسرائيل، في وقت كانت فيه “صفقة القرن” للرئيس ترامب على حافة الهاوية.
فلدعمها مواقف الحكومة الإسرائيلية، رفض الفلسطينيون (فتح وحماس) على الفور “خطة السلام الجديدة للشرق الأوسط”، التي تم الإعلان عنها في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، لسبب وجيه، فهذه الاتفاقية تتجاهل حل الدولتين، لأن ترامب كان أول رئيس أمريكي، يعترف بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، ويتجاهل القانون الدولي.
وأكد “ميدل إيست أي” على أنه في مواجهة هذا الوضع السياسي الجديد، سيكون من الصعب فهم الوعود التي قطعها الملك محمد السادس على نفسه لنظيره الفلسطيني، محمود عباس، في 10 ديسمبر/ كانون أول 2020: “يعمل المغرب من أجل حل الدولتين على أن تكون القدس عاصمة لفلسطين، وعلى حقيقة أن عمل المغرب لتكريس مغربته لن يضر أبدًا بالشعب الفلسطيني “.
وبعد إعادة العلاقات مع إسرائيل، وجد رئيس لجنة القدس صعوبة في ثني إسرائيل عن الاستيلاء على الأماكن المقدسة، فحتى على المستوى الرمزي، لم تندد القيادة الرسمية باقتحام المسجد الأقصى من قبل عشرات المستوطنين، برفقة الشرطة.
وبدلاً من ذلك، كان حزب العدالة والتنمية، وهو حزب إسلامي يترأس الحكومة، هو الذي أيد إدانة “قمع السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين في الأماكن المقدسة”، ودعا إلى تنظيم اعتصام أمام البرلمان المغربي، كعلامة على التضامن مع الشعب الفلسطيني.
دبلوماسية نتنياهو
ورأى الموقع أن هناك عواقب غير متوقعة لـ “صفقة القرن” على الاستقرار السياسي للنظام المغربي، الذي يواجه بشكل متزايد ضغوط إسرائيلية من أجل تسريع إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع المغرب.
وأكد على أنه ربما تكون استراتيجية النظام المغربي هي الحد قدر الإمكان من ارتباطاته الرسمية مع إسرائيل خوفًا من تأجيج استياء “الشوارع”، الذي يتهم الملك بتسوية معينة مع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
على الجانب الإسرائيلي، لا يزال بنيامين نتنياهو مخلصًا لدبلوماسيته التخريبية التي تميل إلى زعزعة استقرار رؤساء الدول العربية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بسرعة.
ولتسريع المناورة، يقوم الإسرائيليون بتزويد الأنظمة الاستبدادية العربية بالمساعدات المالية والتكنولوجية، وقبل كل شيء الأمنية، بينما الدول العربية ممزقة بسبب الصراعات العسكرية والأزمات الاقتصادية وعودة الاحتجاجات الشعبية بعد الربيع العربي.
وفقا للموقع فإنه إدراكًا منه لمخاطر الانهيار الكامن في الدول العربية، عرض نتنياهو على الملك محمد السادس انضمام المغرب إلى اتفاقية عدم اعتداء بين الدول العربية وإسرائيل، وزيادة على ذلك، رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتزم قريبًا إقامة رحلات جوية مباشرة بين البلدين، بل إنه دعا الملك لزيارة إسرائيل.
وتابع “لكن الملك لم يقرر بعد إرسال وفد سياسي إلى إسرائيل، واكتفى بالإعلان عن أن بلاده “ستستأنف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية في أقرب وقت ممكن”. وهي إستراتيجية تهدف إلى توجيه الرأي العام جزئياً بشأن القضية الفلسطينية.
وفي مواجهة مواقف الدبلوماسية المغربية، يبدو أن أوروبا تريد العودة إلى الوضع الراهن الذي اتسم به الصراع الصحراوي منذ فترة طويلة.
فبعد العلاقات المضطربة بين الرباط والمبعوث الخاص السابق للصحراء الغربية الألماني هورست كولر، وقرار السلطات المغربية تجميد كل تعاون مع ألمانيا، رفض مدريد الاستسلام لضغوط الرباط بعد نقل زعيم البوليساريو إلى المستشفى.
أما بالنسبة لإسبانيا وفرنسا اللتان تريدان الحفاظ على حياد معين تجاه حلفائهم التقليديين في المنطقة، يجد النظام المغربي نفسه مجبرًا على الخروج من سباته من خلال الاستسلام أكثر للضغط الدبلوماسي بلا هوادة من الإسرائيليين.
وفي خضم منافسة دبلوماسية شرسة، كان وزير الخارجية ناصر بوريطة في 6 مايو/ أيار ضيفا على لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، وهي جماعة ضغط يهودية قوية في الولايات المتحدة.
وأنهى الموقع تقريره بالقول إن “اتفاقية القرن” تشكل فشلاً مريراً لأنصارها وفوق كل شيء مغامرة مشؤمة للملك محمد السادس.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا