منذ بداية شهر رمضان المبارك، صعدت دولة الاحتلال الإسرائيلي من هجماتها واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني في أكثر من ساحة وبطرق عدة. فمن منع المقدسيين من إقامة فعالياتهم الرمضانية في ساحة باب العامود، مرورًا بالسعي لتهجير ساكني حي الشيخ جراح والاعتداء عليهم أثناء اعتصامهم، إلى اقتحام المسجد الأقصى المبارك، ووصولًا إلى الاعتداء الغاشم على قطاع غزة المستمر حاليًا. كل هذه كانت جولات صعد الاحتلال فيها من أساليبه القمعية وإجرامه، كما ازداد الشعب الفلسطيني فيها صمودًا وثباتًا.

بالتزامن مع كل هذه الأحداث، كانت تركيا حاضرة بدعمها السياسي والدبلوماسي والإعلامي والشعبي للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المحاصَر. تمثل هذا الدعم في اتصالات دبلوماسية واسعة مع العديد من البلدان العربية والإسلامية والمنظمات الدولية لمنع دولة الاحتلال من الاعتداء على الشعب الفلسطيني والمقدسات. كما أن التصريحات والبيانات لم تكد لتتوقف من كل أركان الدولة التركية والتي كانت وما زالت قوية في لهجتها إلى حد بعيد. هذا بالإضافة إلى التظاهرات الشعبية التي خرجت دعمًا للقدس وغزة.

 

تغير السياسة التركية تجاه الاحتلال

وفيما يخص التصريحات، فقد وصف المسؤولون الأتراك “إسرائيل” على أنها “دولة إرهاب وظلم واحتلال”. حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “العالم الذي لا يحمي القدس والمسلمين خان نفسه وآثر الانتحار. إسرائيل دولة إرهاب وظالمة تعتدي على مسلمين يحمون مقدساتهم ويحافظون على وطنهم ومنازلهم التي يتوارثونها منذ آلاف السنين في القدس”.

وصف “إسرائيل” بالإرهاب جاء على لسان رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، ورئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب أيضًا، الذي قال إن “إسرائيل المحتلة تمارس إرهاب الدولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.

وفي الواقع، فإن قوة اللهجة التركية تتضح عن مقارنتها بنظيراتها التي صدرت من دول عربية وإسلامية أخرى. كما إنها إشارة حقيقية على مدى التغير في السياسة التركية تجاه دولة الاحتلال. فكما هو معلوم، فإن تركيا كان الدولة الإسلامية الأولى التي اعترفت بدولة الاحتلال الإسرائيلي، كما أنها من أهم الشركاء العسكريين للاحتلال لعشرات السنوات. وعلى ذلك، فإن وصف إسرائيل بـ”دولة الإرهاب” يدل دلالة واضحة على مدى التغيير الذي شهدته تركيا طيلة العقدين الماضيين، وخصوصًا عندما يصدر من أعلى رأس في الدولة التركية.

 

اتصالات دبلوماسية واسعة

علاوة على ذلك، قام المسؤولون الأتراك باتصالات دبلوماسية واسعة خلال الأيام الماضية، لبلورة موقف موحد ضد الاحتلال وممارساته. حيث بحث الرئيس أردوغان خطوات حشد موقف عربي ودولي، لوقف انتهاكات إسرائيل بالقدس، مع عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

كذلك بحث أردوغان، مع نظيره الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، الاعتداءات الإسرائيلية، في اتصالين هاتفيين منفصلين. وتعهد لهما ببذل المزيد من الجهود لدفع العالم الإسلامي والمجتمع الدولي للتحرك من أجل وقف ممارسات إسرائيل الإرهابية.

 

ومن جانبه، بحث وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، التطورات الأخيرة في القدس المحتلة، مع نظيريه الأردني أيمن الصفدي، والمصري سامح شكري، والفلسطيني رياض المالكي، والروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، والجزائري صبري بوقادوم، والباكستاني شاه محمود قريشي، والمغربي ناصر بوريطة، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين. هذا بالإضافة إلى اللقاء المرتقب بين تشاووش أوغلو ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، والذي ستكون القضية الفلسطينية حاضرة فيه، كما صرح تشاووش أوغلو.

 

مظاهرات احتجاجية أمام قنصلية الاحتلال

ورغم أن تركيا تشهد حظر تجول عام، إلا أن الإدارة التركية سمحت بإقامة تظاهرات في المدن التركية أمام سفارة وقنصليات الكيان الصهيوني. فنظم متظاهرون أتراك وعرب مظاهرات احتجاجية أمام قنصلية دولة الاحتلال في إسطنبول، خلال الليلتين الماضيتين، تنديدًا باعتداءاتها على الشعب الفلسطيني.

بالإضافة إلى ذلك، وجه رئيس الشؤون الدينية التركي البروفيسور، علي أرباش، مساجد بلاده لرفع الصوت والدعاء للمسجد الأقصى وتوضيح أهمية المسجد المبارك ومكانته عند كل المسلمين.

وفيما يخص الإعلام التركي، فيكفي فقط فتح موقع الأناضول، أو قناة TRT الرسمية التركية، أو الموقع الإلكتروني لها سواء الناطق بالعربية أو الانجليزية لتتضح السياسة التحريرية والتغطية الدقيقة لكل ما يخص الساحة الفلسطينية حاليًا.

 

ما الذي تريده القيادة التركية؟

وحسب محللين أتراك، فإن الإستراتيجية التركية في الملف الفلسطيني يبدو أنّها قائمة على عدة ركائز: الركيزة الأولى: إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، بجسم سياسي واحد يجمع بين الضفة وغزة، يجعل الإنقسام الفلسطيني تنافسي داخل مؤسسة واحدة، وليس بين مناطق مختلفة قد تعزز فرص الانفصال بشكل كامل.

والركيزة الثانية هي القيام بتحرّك دولي واسع، من أجل وضع الفلسطينيين وحرياتهم وحركتهم تحت الرعاية والحماية الدولية، تحت إطار قوة دولية لحفظ ومراقبة السلام في المنطقة. إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال، الاعتماد على الجيش الإسرائيلي لحماية الفلسطينيين!

بمعنى أن ما تقترحه تركيا هو كالتالي، تقديم جميع الدول الإسلامية جميع أنواع الدعم السياسي والمالي والتقني من أجل إجراء انتخابات فلسطينية شفّافة، وإعلان دولة فلسطين، واتفاق الدول الإسلامية على إدانة الكيان الصهيوني، واعتباره عدوًا للشعب الفلسطيني، وليس دولة ذات وصاية عليه، في المناطق المحتلة.

وفي هذا السياق، أعلنت تركيا وبصراحة، أنّها تريد العمل مع مصر، ومنظمة التعاون الإسلامي العالمية، ومع السعودية، ومع الأردن، في سبيل القضية الفلسطينية، لأن أي قرار يصدر بدعم مصري أردني، له قيمة مضافة بشكل أكبر. إلا أن العقبة الأكبر أمام قرار كهذا هي الإمارات بتطبيعها العلني مع دولة الاحتلال، وتأثيرها الكبير على السعودية وعلى نظام الانقلاب في مصر.

 

اقرأ أيضًا: التظاهرات المصرية الداعمة للقضية الفلسطينية.. أين ذهبت؟