طموحات وآمال كبيرة وضعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إنشاء أكبر مطار في العالم بمدينة إسطنبول، وسط توقعات بمكاسب ونمو اقتصادي متصاعد للغاية بحلول عام 2025.
خطوة إنشاء تركيا لهذا المطار الذي يعتبر الثالث في إسطنبول أحدثت حالة من القلق الشديد لدى بعض الدول الإقليمية والأوروبية تحديدا، من ناحية أن المطار الجديد سيؤثر على مطاراتها التي تعتبر أساس حركة النقل الجوي عالميا.
ومن المخطط أن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى خلال فبراير المقبل، على أن يكون الافتتاح الرسمي خلال أكتوبر من نفس العام.
رجب طيب أردوغان
فما هى تأثيرات هذا المطار على تركيا إيجابيا وكيفية استغلال ذلك؟ وما هي الانعكاسات السلبية له على دول منافسة؟ وحدود النقلة الاقتصادية المنتظرة لتركيا.
مطار أتاتورك
تعتبر مدينة إسطنبول أهم مركز اقتصادي واستثماري في تركيا، وتضم مطارين الأول صبيحة كوكجن الدولي ويقع على الجانب الآسيوي من إسطنبول، على بعد 28 ميلا جنوب شرق وسط المدينة.
صبيحة كوكجن تأسس خصيصا لتسهيل حركة المرور وتخفيف الضغط على مطار أتاتورك، بيد أنه أصبح ممرا حيويا ويستقبل عددا من الرحلات الدولية والداخلية.
مطار “صبيحة كوكجن”
أما المطار الثاني وهو أتاتورك وتأسس مع الجمهورية التركية عام 1924، لكن بدأ البناء فيه 1949 وافتتح للمسافرين عام 1953.
وكان يحمل المطار اسم “يشيل كوي”، قبل أن يتحول اسمه عام 1980 إلى “أتاتورك” تكريما لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.
ويقع المطار في الجانب الأوروبي من إسطنبول بما يجعله أهم مطار في تركيا، تبلغ مساحته تسعة ملايين و470 ألفا و554 مترا مربعا، بينها 179 ألف متر مربع للمدارج والساحات الخارجية، و62 ألفا و500 متر مربع للمساحات الداخلية.
وفي المطار مدرجان لإقلاع الطائرات من الخرسانة بطول ثلاثة آلاف متر لكل منهما، ومدرج من الإسفلت بطول 2580 مترا.
ويضم 23 جسرا للركاب و224 نافذة لتسجيل الدخول و74 نافذة لتسجيل جوازات السفر، وهو يتألف من أربع محطات رئيسية للرحلات الداخلية والدولية والشحن والنقل العام.
مطار “أتاتورك”
ولكن مع بدء العمل بالمطار الثالث الجديد سيتم إلغاء مطار أتاتورك، بحسب وزير النقل والاتصالات والملاحة البحرية أحمد أرسلان.
أرسلان قال “إن المطارين يستخدمان نفس الطرق الجوي، وبالتالي ليس هناك إمكانية لتشغيل المطارين بنفس الوقت، وسيتم تحويله إلى مركز للمعارض”.
وثمة رمزية في إلغاء مطار أتاتورك ليس فقط للأسباب التي ذكرها الوزير التركي، ولكن أيضا ربما لوجود رغبة في عدم تصدر مؤسس الجمهورية استقبال الزوار والمسافرين، خاصة مع العداء الشديد بين الرجل والتيار الإسلامي في تركيا والذي ينتمي إليه حزب العدالة والتنمية الذي يحكم الآن، خاصة أنه ساهم في إرساء دعائم العلمانية بعد سقوط الخلافة العثمانية.
ومثلما ترك أتاتورك بصمة في تركيا، يحاول أردوغان الذي قاد أنقرة إلى نهضة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبيرة منذ العقد الماضي حفر اسمه من خلال إنجازات كبيرة ومشروعات وصفها مراقبون بـ”المجنونة” مثل أكبر مطار في العالم.
ويعزز من هذه الفرضية ما جاء على لسان نهاد أوزدمير رئيس مجلس إدارة شركة “ليماك” القابضة إحدى الشركات القائمة على تنفيذ مطار إسطنبول الثالث، حيث قال: “إنهم يبذلون قصارى جهدهم لافتتاح المرحلة الأولى من المطار في عيد ميلاد الرئيس رجب طيب أردوغان”.
العش الجديد الضخم
ويتمتع المطار الجديد والذي لا تزال مرحلته الأولى طور التأسيس، بقدرات استيعابية كبيرة للغاية من المسافرين والطائرات بما سيجعله محورا أساسيا في حركة النقل العالمية.
وظهرت الحاجة إلى تأسيس هذا المطار الكبير بعد زيادة الضغط على مطار أتاتورك الذي استقبل نحو 90 مليون زائر في 2015، وسط توقعات بزيادة هذه الأعداد خلال السنوات المقبلة، مع زيادة النمو في قطاع النقل الجوي خلال العقد الماضي بنسبة 14%.
وفي 2014 وضع أردوغان حجر الأساس لهذا المطار الضخم، الذي سيكون على مساحة 7659 هكتارا في القسم الأوروبي من مدنية إسطنبول بمنطقة “أرناؤوط كوي” قرب البحر الأسود ضمن أراضي غابات مملوكة للدولة التركية.
ويقع أكبر مطار في العالم من ناحية المساحة ببكين وتبلغ مساحته ألفين و330 هكتارا، ويليه مطار هارتسفيلد جاكسون في أتلانتا بمساحة ألف و902 هكتار، وذلك قبل إتمام بناء مطار إسطنبول الثالث.
وسيضم المطار 165 جسرا لاستقبال الركاب، وتشييد شبكة سكة حديدية للربط بين جميع أطراف المطار، وسيتم توفير 3 أبراج مراقبة إلكترونية وتقنية، أما أبراج المراقبة الخاصة بالتحكم سيكون عددها 8، وسيكون هناك 6 مدرجات لهبوط وإقلاع الطائرات.
ومن المقرر أن يوفر المطار جراج معاينة لـ500 طائرة في آن واحد بما جعل البعض يطلق عليه “العش الضخم”، وسيحتوي على مخزن لاستقبال الطرود، وسيوفر منزل ضيافة خاص بأطقم الطائرات، أما موقف السيارات فسيكون على قدرة لاستيعاب 70 ألف سيارة.
تكلفة ضخمة
إنشاء أكبر مطار في العالم يحتاج إلى ميزانية ضخمة للغاية، لم تتكبد منها الحكومة التركية أي شيء بما يعزز دور القطاع الخاص في التطوير والتنمية، إذ تم طرح مناقصة للمشروع خلال عام 2013 أي قبل وضع حجر الأساس بنحو عام.
وتقوم هذه الشركات وأغلبها تركي وأبزرها “جنكيز، كولين، ليماك، كاليونمابا” بالبناء بقيمة 22 مليار و125 مليون يورو، وستقوم بتشغيله لمدة 25 عاما قبل تسليمه للحكومة التركية.
وتبلغ تكلفة الإنشاء فقط 10 مليارات و247 مليون يورو دون أعمال التشغيل.
وبحسب التقديرات الأولية سيتم استخدام 350 ألف طن من الفولاذ والحديد و10 آلاف طن ألومنيوم و415 ألف متر مربع من الزجاج، في عملية الإنشاء.
وبحسب وزير النقل والاتصالات والملاحة التركي، فإن 57% من أعمال بناء المطار الثالث انتهت، وأن القسم الأول منه سيدخل حيز الخدمة في 29 أكتوبر من العام القادم.
ومع بدء تشغيل المرحلة الأولى من المطار فإن القدرة الاستيعابية ستقدر بـ90 مليون مسافر سنويا مع توفير 100 ألف فرصة عمل.
وعقب الانتهاء من المطار بالكامل فإنه سيفوق القدرات الاستيعابية لمطار أتاتورك بشكل كبير، بنحو 200 مليون سنويا.
نقلة اقتصادية
هذا المطار لم يتم تأسيسه خلال الفترة الحالية من أجل أن يطلق عليه “أكبر مطار في العالم” فقط، ولكن يتواكب مع رؤية تركيا التطلعية اقتصاديا وسياسيا سواء إقليميا ودوليا خلال الفترة المقبلة.
ويخدم المطار الجديد أهداف أردوغان في تحول تركيا إلى أقوى 10 اقتصاديات في العالم بحلول عام 2025 مع التشغيل الكامل للمطار الجديد المقرر له في عام 2023.
وتسعى إلى اتخاذ خطوات كبيرة في قطاع الطيران لأنه يأتي على أولويات حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة، إذ ارتفع عدد المطارات من 25 إلى 55 مطارا، وارتفاع المسافرين من 35 مليونا إلى 180 مليون شخص.
ويسهم المطار الجديد بنحو 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، ويستوعب عمالة تركية تصل إلى 225 ألف عامل بعد الانتهاء من المراحل المختلفة للمطار.
ويوفر “العش الضخم” رافدا هاما للربط بين آسيا وأوروبا على وجه التحديد، بما سيجعله أبرز المطارات في العالم ليس فقط من حيث المساحة ولكن من حيث الزخم وتوافد الزائرين، بما يهدد مطارات هامة أخرى في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.
كما أن المطار يتواكب مع تدفق أعداد كبيرة من السائحين العام الحالي وينتظر تزايد أعدادهم خلال العام المقبل، بعد تراجع النسبة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي.
وأظهرت بيانات من وزارة الثقافة والسياحة أن عدد السياح ارتفع بأكثر من 18% في أبريل مقارنة مع الشهر المماثل من العام الماضي.
وتسعى تركيا خلال الموسم السياحي الحالي إلى العودة إلى أرقام عام 2014، حيث تجاوز فيه عدد السياح نحو 41.5 مليون سائح، عبر زيادة أعداد السياح الروس والأوروبيين والعرب.
قلق أوروبا والإمارات
وربما تفسر تفاصيل هذا المشروع الضخم لأكبر مطار في العالم مع طاقات استيعابية كبيرة للغاية وموقع تركيا المتميز للربط بين أوروبا وآسيا، التوتر الذي شهدته العلاقة بين أنقره من ناحية وألمانيا والإمارات من ناحية أخرى.
ولكن يجب أولا معرفة أن المطار سيؤمن رحلات لأكثر من 350 وجهة في العالم، مع ما يقارب 100 شركة طيران بحلول عام 2025.
وينافس “العش الضخم” بقدراته الهائلة 4 مطارات هامة بينهم مطار دبي في الشرق الأوسط، وفرانكفورت في ألمانيا، ومطار هيثرو في بريطانيا.
مطار “فرانكفورت” الدولي
مطار “دبي” الدولي
مطار “هيثرو”
إذن باتت المطارات سالفة الذكر مهددة بسبب هذا المشروع الكبير، وهو ما يفسر غضب الإمارات من تركيا وتوجيه انتقادات لنظامها، إلى حد تلميح مسؤولين أتراك إلى ضلوع حكام أبو ظبي في محاولة الانقلاب الفاشلة.
أما العلاقة مع ألمانيا فوصل التوتر مراحل متقدمة مع وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قادة ألمانيا بأنهم “أعداء تركيا“.
أنجيلا ميركل
ونشرت صحيفة “ذا إيكونوميست” البريطانية تقريريا، أكدت أن المطار الثالث في إسطنبول يهدد مطار “هيثرو” البريطاني الذي يعد ثالث أكثر مطارات العالم ازدحاما.
وقالت الصحيفة إن مشروع المطار سوف يشكل التهديد الأكبر للنقل الجوي الأوروبي.
كما أن المطار يشكل تهديدا أكبر على مطار “دبي” الذي يتصدر الذي يتصدر قائمة أكثر مطارات العالم ازدحاما من ناحية النقل الجوي.
اضف تعليقا