برزت في الآونة الأخيرة بعض التساؤلات حول مستقبل مشاريع التطبيع التي قادتها الإمارات في الفترة الأخيرة، في ظل التصعيد الأخير من حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في القدس والضفة والأراضي المحتلة بشكل عام، بالإضافة إلى العدوان السافر الذي شنه جيش الاحتلال ضد قطاع غزة. ونتج عن هذا التصعيد 279 شهيدًا، بينهم 69 طفلًا، و40 سيدة، و17 مسنًا، فيما أدى إلى أكثر من 8900 إصابة، منها 90 صُنفت على أنها شديدة الخطورة.

واتجهت بعض الأنظار بالأخص إلى المغرب، الدولة الرابعة في طابور التطبيع المذل، الذي شهده عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بعد الإمارات والبحرين والسودان. فالتجربة التاريخية تشير إلى أن المغرب تعرضت لظروف مشابهة من قبل. 

ففي 1994، فتحت المملكة “مكتب الاتصال الإسرائيلي” في الرباط، واستمر هذا المكتب الصهيوني مفتوحًا إلى أن جاءت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000، ليقرر العاهل المغربي الملك، محمد السادس، أمر في أكتوبر/ تشرين الأول 2000 إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، وطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية.

وعلى هذا، فإن البعض تساءل حول إذا ما كان التاريخ سيعيد نفسه هذه المرة، ويقرر الملك المغربي تأجيل أو إلغاء بعض خطوات التطبيع أم لا.

 

موقف المغرب الرسمي من العدوان الإسرائيلي

وإذا ما نظرنا إلى أصداء عدوان وتصعيد الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني فسنجد أن المملكة المغربية أدانت بـ “أشد العبارات أعمال العنف المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، معتبرة أن استمرارها “لن يؤدي سوى إلى تعميق الهوة، وتأجيج الأحقاد وإبعاد فرص السلام أكثر في المنطقة”. كذلك، أمر العاهل المغربي بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة لفائدة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة في 14 مايو/ أيار الجاري.

ومن ناحية أخرى، أعلن رئيس مكتب الاتصال التابع لدولة الاحتلال في الرباط، ديفيد جوفرين، مغادرته المغرب لأسباب ادعى أنها تتعلق بصحة والده، قائلًا على حسابه في “تويتر”: إنه سيعود للمغرب “بعد عيد نزول التوراة (الشفوعوت في 7 يونيو/ حزيران”). كتب جوفرين ذلك في 15 مايو/ أيار الجاري، بالتزامن مع دعوات لطرده من الرباط وقطع جميع العلاقات مع الكيان الصهيوني بسبب عدوانها الغاشم على الشعب الفلسطيني.

هذا التزامن بين خروج ممثل الاحتلال من الأراضي المغربية، والدعوات الشعبية الداعية لطرده والرافضة للتطبيع بشكل عام، جعل البعض يربط بين الحدثين ويتكهن أن خروجه أتى بإيعاز من السلطات المغربية. وفي السياق نفسه، أوضحت بعض النوافذ الإعلامية المغربية حينها أن الممثل الرسمي لدولة الاحتلال يتخذ من فندق بالرباط مسكنًا، لأنه لم يتم افتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي في العاصمة المغربية من الأساس حتى الآن.

 

الموقف الشعبي والبرلماني حيال العدوان

وكما هو الحال بالنسبة لغالب الدول العربية، فإن المستوى الرسمي يكون في واد، والشعب وقسم من ممثليه في واد آخر. حيث ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف مسلسل التطبيع مع دولة الاحتلال وإغلاق مكتب الاتصال. فخرج الآلاف من المغاربة في وقفات احتجاجية نُظمت في أكثر من 40 مدينة. وفي العاصمة الرباط، رفضت السلطات المحلية السماح بتنظيم وقفة تضامنية؛ في ظل تدابير مكافحة وباء كورونا.

غير أن مغاربة أصروا على التجمع، ورفعوا شعارات منها: “فلسطين أمانة والتطبيع خيانة”، كما حملوا الأعلام الفلسطينية ولافتات تندد بالاحتلال الإسرائيلي وترفض التطبيع معه. إلا أن قوات الأمن المغربية فرقتهم، تحت دعوى أن هذا الاحتجاج غير مسموح به بسبب تدابير الوباء.

ثم تفاعل البرلمان المغربي مع الشارع، وطالبت الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية -قائد الائتلاف الحكومي- بالبرلمان، بإغلاق مكتب الاتصال، ردًا على عدوان الاحتلال على الفلسطينيين. ورغم أن رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، هو من وقع على اتفاق التطبيع؛ إلا أن حزبه هو الذي تقدم بهذا المقترح.

كما دعا محمد الحمداوي، عضو البرلمان عن العدالة والتنمية، في كلمة له خلال جلسة للبرلمان، إلى إغلاق مكتب الاتصال؛ ردًا على العدوان الإسرائيلي على غزة والقدس. علاوة على ذلك، طالبت مؤسسة “محمد عابد الجابري” للفكر والثقافة، غير الحكومية، بإغلاق مكتب الاتصال، وطرد رئيسه، وإلغاء كل أشكال التطبيع مع الصهاينة، وإلغاء كل الاتفاقيات المبرمة معهم.

 

مستقبل التطبيع المغربي

بناء على ما سبق من رصد للتعامل المغربي على مستوى الحكومة والبرلمان والشعب، يمكن القول إن البيان الذي أصدرته الحكومة لا يرقى لأن يعتبر معرقلًا للتطبيع حتى الآن، خصوصًا وأنه التطبيع يبدو وكأنه جاء كأمر ملكي بات، على سبيل المقايضة مع الولايات المتحدة، بحيث تعترف أمريكا بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، في مقابل تطبيع المغرب مع دولة الاحتلال. 

وبالتالي، فمن المستبعد حاليًا أن يتراجع المغرب عن اتفاق التطبيع أو إعلان تجميد العلاقات مع دولة الاحتلال، كي يحافظ على الاعتراف الأمريكي. لكن العدوان الإسرائيلي المستمر سيُحرج النخب الإعلامية والسياسية والثقافية التي تسعى إلى ترويج الأطروحة الصهيونية في المنطقة، الأمر الذي سيحد من سقف وتيرة التطبيع، وقد يعطل بعض مشاريع التعاون بين المغرب ودولة الاحتلال.

لكن الأكيد أن المستوى الشعبي سيظل رافضًا لخطوة التطبيع كمبدأ أصيل، وسيظل مطالبًا بوقف أي خطوات للتقارب أو التعاون بين المغرب والكيان الصهيوني. كما أن العدوان الإسرائيلي المستمر سيُحرج النخب الإعلامية والسياسية والثقافية التي تسعى إلى ترويج الأطروحة الصهيونية في المنطقة، وسيحرج الحكومات كذلك.

وربما تحاول الحكومة المغربية في الفترة المقبلة إصدار بعض التصريحات الداعمة للقضية الفلسطينية، وتقديم بعض الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني. إلا أنه من المستبعد أن يتخذ الملك المغربي قرارًا مشابهًا للذي اتخذه بعد انتفاضة عام 2000.