في ظل أزمة سياسية أتبعها أزمة اقتصادية خانقة، وحاجتها إلى تمويل بما لا يقل عن 6 مليارات دولار لإنعاش موازنتها، وكذلك في ظل الشروط الصعبة لصندوق النقد الدولي، لم تجد الحكومة التونسية سوى ليبيا المنهكة لمعالجة وضعها المتأزم.
حيث شهدت العاصمة الليبية، طرابلس، خلال هذا الأسبوع، زيارة وفد حكومي واقتصادي تونسي، برئاسة هشام المشيشي، رئيس الحكومة، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، و1200 من رجال الأعمال.
وقد بدأت تستعيد عافيتها الاقتصادية بشكل سريع، لا سيما بعد عودة قطاع النفط للإنتاج بمستويات تجاوزت مليون برميل يوميا، رغم الأزمة السياسية والأمنية التي ترزح فيها البلاد.
وتطمح الحكومة الليبية إلى مضاعفة هذا الإنتاج مستقبلًا، تزامنًا مع تحسن الأسعار في الأسواق الدولية، وبروز عدد من المؤشرات تشير إلى اتجاهها نحو تحقيقها استقرارا سياسيا وعسكريا، بعد تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار.
ماذا تريد الحكومة التونسية؟
ما يهم الحكومة التونسية في الوقت الحالي هو أن يكون لها حصة كبيرة في مشاريع إعادة إعمار ليبيا، والتي من المتوقع أن تصل إلى 120 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، حسب تصريحات وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الليبية، سلامة الغويل.
وهذا ما يفسر مرافقة 1200 رجل أعمال تونسي للمشيشي إلى طرابلس، وافتتاحه رفقة نظيره الليبي عبد الحميد الدبيبة، فعاليات المنتدى والمعرض الاقتصادي الليبي ـ التونسي، الذي شاركت فيه أكثر من 150 شركة تونسية تنشط في مجالات البناء والسياحة والصناعات الغذائية.
مرد هذا الشغف والإقبال التونسي تجاه ليبيا، هو تعويض ما خسرته تونس خلال السنوات الماضية، من إيرادات التجارة والسياحة والاستثمار، إضافة إلى رغبتها في ضخ نقد أجنبي للسوق المحلية عبر أرباح وعائدات الاستثمارات التونسية في إعادة إعمار ليبيا.
المميزات الجغرافية..
من الميزات التي تملكها تونس بالنسبة لليبيا هي أن حدودها البرية هي الأقرب للعاصمة الليبية، طرابلس، ويقطنها أكثر من ثلث سكان ليبيا، مقارنة بغيرها من الدول المجاورة، وهو ما يسهل عملية التبادل التجاري بين البلدين.
وعليه، فلا ريب أن أهم اتفاق وقعه المشيشي مع الدبيبة، هو ما كان متعلقًا بمجالات النقل البحري والجوي والبري، وتسهيل التبادل التجاري بين البلدين. حيث ترتبط العاصمة الليبية بشبكة الطرق التونسية عبر طريق ساحلي حيوية لاقتصاد البلدين، يبلغ طوله 170 كلم، إضافة إلى معبرين حدوديين؛ رأس جدير، والذهيبة/ وازن، يشهدان حركة مسافرين وشاحنات بضائع نشطة يوميا ومن الجانبين. كما تم طرح فكرة زيادة عدد المعابر البرية بين البلدين لتخفيف الضغط على المعبرين الحاليين.
وفيما يتعلق بالنقل الجوي، استأنفت الخطوط التونسية تسيير رحلات يومية إلى مطار معيتيقة في طرابلس، وأيضا إلى مطار بنينة في مدينة بنغازي، منذ 17 مايو/ أيار الجاري، بعد 7 سنوات من الانقطاع.
تمثل عودة خط تونس-ليبيا للنشاط، فرصة للخطوط الجوية التونسية لاستعادة أكثر خطوطها ربحية، حيث كانت تُسيّر 7 رحلات يومية نحو مطارات معيتيقة وبنينة ومصراتة وسبها، ما يمثل 20 بالمئة من مجموع أعمالها.
ومن شأن استعادة الخطوط التونسية نشاطها مع ليبيا تقليص خسائرها وتحقيق توازنها المالي، الذي تضرر كثيرا بسبب جائحة كورونا، والتي كبدتها نحو 70 مليون دولار.
وبخصوص النقل البحري، فمن المرتقب أن يتم افتتاح خط بحري بين ميناء مصراتة وميناءي جرجيس وحلق الوادي (جنوب شرق تونس)، لنقل المسافرين والبضائع.
حيث أعلن المدير التنفيذي لمجلس التعاون الاقتصادي الليبي التونسي، صابر بوقرة، أنهم تلقوا تعهدات بموافقة مبدئية من وزير النقل التونسي، معز شقشوق، لمنحهم التراخيص لإطلاق الخط البحري السياحي والتجاري “مصراتة ـ تونس”، والذي سيكون رابطا بين ليبيا وحلق الوادي وجرجيس.
وبحسب المسؤول الليبي، فإن “هناك مساعي لإطلاق خط بحري لفائدة الجالية الليبية يربط بين دول أوروبا ومدينة جرجيس بتونس، ليستهدف نحو 4 آلاف مسافر شهريا، ونحو 1800 سيارة، وقرابة 12 ألف طن من البضائع”.
ولطالما كانت تونس متنفسًا لليبيا نحو العالم الخارجي، سواء في الحصار الذي فُرض عليها أثناء عهد معمر القذافي، أو خلال الأزمة الأمنية التي عصفت بها بين 2014 و2020.
السعي للاقتراض..
لكن ليس التعاون التجاري والاستثماري فقط ما يشغل بال المشيشي خلال زيارة ليبيا، لكنه يسعى كذلك إلى الحصول على قرض أو وديعة بشكل مستعجل.
فالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي تبدو متعثرة، بحسب تصريحات أحمد معيتيق، النائب السابق لرئيس المجلس الرئاسي الليبي.
ومرد هذا التعثر غالبًا إلى الشروط الصارمة التي عادة ما يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول الساعية للاقتراض منه، وعلى رأس هذه الشروط تقليص الدعم لأسعار الوقود والمواد الأساسية كالخبز والحليب والسكر. وهو ما تتحفظ عليه أطراف سياسية، حيث إن هذه الشروط تعني زيادة الأسعار وارتفاع التضخم، وقد يتسبب ذلك في انفلات الأوضاع الاجتماعية والأمنية، لذلك تتحفظ أطراف سياسية على هذا الخيار.
بينما قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، الجمعة، في خطاب أمام البرلمان، إنه “لا يوجد حلّ إلا التفاوض مع صندوق النقد الدولي لإيجاد تمويلات لموازنة البلاد”.
لا شك أن استمرار الأزمة السياسية بين الرئيس التونسي ورئيس الحكومة والبرلمان يؤثر بالسلب على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط توفير المناخ السياسي لتحسين الوضع الاقتصادي، وتسريع عملية التلقيح ضد كورونا.
وأمام صعوبة تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، خاصة تلك المتعلقة بالجانب الاجتماعي، سواء تقليص الدعم على المواد الأساسية أو تخفيض كتلة الأجور ما سيتسبب في تسريح نسبة من العمال والموظفين، لجأت حكومة المشيشي إلى الخيار الليبي.
ورغم أن الدبيبة تعهد للمشيشي بمساعدة بلاده لحل أزمتها، لكن لم يتضح بعد طبيعة هذه المساعدة المالية وحجمها. غير أن الدبيبة وعد بتوفير كمية هامة من اللقاحات ستوجه إلى تونس فور الحصول عليها. كما تعهد كذلك بفتح رسالة لدى البنك المركزي الليبي لتلبية احتياجات بلاده من تونس، وتجديد الإقامات وعقود العمل للتونسيين في ليبيا، ورفع القيود الإدارية عن دخول البضائع التونسية إلى بلاده.
لكن كل هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لإنقاذ الاقتصاد التونسي من أزمته المعقدة.
فليبيا ما زال وضعها المالي والسياسي والأمني هشا، ولا يمكنها سد الثغرة المالية الضخمة التي تحتاجها تونس لموازنتها في 2021، لكن بإمكانها إنقاذ مئات الشركات التونسية من الإفلاس، وانتشال مئات آلاف العمال من وحل البطالة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
اقرأ أيضاً: لوموند: في ليبيا.. فرنسا تخسر الرهان على حفتر
اضف تعليقا