المنصة السحابية الأكثر استخداما في العالم باتت اليوم عرضة لتتحول إلى سجن رقمي كبير بعدما خاطرت شركة ألفابيت المالكة لمحرك البحث العالمي الأشهر، غوغل، بتوقيع اتفاقية مع شركة أرامكو السعودية لإنشاء منطقة سحابة إلكترونية في المملكة العربية السعودية وتحت سيطرة مباشرة من حكومتها، بما يتيح للقصر الملكي السعودي النفاذ لكافة البيانات المباشرة على الخدمات السحابية والبحث داخلها عبر كلمات دلالية ومعرفة أصحابها.

 

هذه المخاطرة الكبيرة من قِبل عملاقة البحث العالمية دعت منظمات دولية لإطلاق تحذير للشركة من أجل وقف مخطط تسهيل القمع الذي يقوده ابن سلمان، وذلك بسبب انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان والتداعيات السلبية التي قد تطرأ عقب إنشاء المنطقة المزعومة والتي ستسضيفها عاصمة القمع الإلكتروني المنتظر في العالم، مدينة نيوم على ساحل البحر الأحمر بالسعودية، حيث أعلنت منظمة العفو الدولية انضمامها إلى 38 مجموعة وهيئة دولية أخرى تُعنى بحقوق الإنسان لمطالبة شركة “غوغل” العالمية بوقف مخطط إنشاء منطقة “سحابة إلكترونية” تعرف باسم “Google Cloud” في المملكة العربية السعودية.

 

مملكة من العصور الوسطى

وقال بيان المنظمات الحقوقية الدولية إن السعودية ما تزال “مملكة من القرون الوسطى؛ حيث ما تزال المرأة تكافح من أجل الحصول على الحقوق الأساسية، وتُقطَع رؤوس المحكومين بالإعدام بالسيف على الملأ على نحو روتيني، والغريب أن مملكة بدائية الأخلاق كهذه، تبشر العالم بمدينة عصرية غير مسبوقة ترسم طريقة جديدة للحياة، وهي نيوم، التي وصفها الكاتب الصحافي روبرت ف. ورث، المدير السابق لمكتب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في بيروت بأنها “التوظيف الأمثل للتطور التقني التكنولوجي في صناعة القمع المثالي غير القابل للاختراق”.

 

وبحسب روبرت ف. ورث، فإنه فيما يسعى العالم لتوظيف التطور التقني والتكنولوجي الهائل في تنمية حياة الشعوب ورفع رفاهيتهم، فإن قصر الحكم في السعودية أخذ الأمر في منحى مغاير تماما، إذ تعد المملكة من أعلى دول المنطقة العربية إنفاقا على المشاريع الرقمية، لكن لخدمة أخرى، وهي توظيفها في السيطرة على البلاد بقبضة رقمية حديدية غير قابلة للاختراق. وإذ تمثل مشاريع بن سلمان للذباب الإلكتروني، والسيطرة على منصات التواصل، وحجب المواقع المعارضة، واعتقال الناشطين، وغيرها من وسائل السيطرة الرقمية على البلاد، فإن مشروع نيوم يمكن اعتباره بلا شك الثمرة النهائية لهذه الخطوات، فيما يمكن أن نصفها بمدينة القمع الرقمي.

 

إدانات دولية

منظمة العفو الدولية قالت في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني الرسمي إن “الدعوة سارية المفعول حتى تتمكن غوغل من إظهار كيفية تخفيف مشاريعها من مخاطر الآثار السلبية التي يمكن أن تشكلها السعودية على حقوق الإنسان، وتبرير ذلك”، مشيرة على لسان رشا عبد الرحيم، مديرة التكنولوجيا في منظمة العفو إن “المملكة السعودية تتمتع بسجل كئيب في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الرقابة الرقمية على المعارضين”، ولفتت إلى أن “السعودية دولة غير آمنة لاستضافة Google Cloud Platform”.

 

وأوضحت رشا عبد الرحيم أن “في بلد يُعتقَل به المعارضون ويسجنون لتعبيرهم عن آرائهم ويعذبون بسبب عملهم، يمكن لخطة Google أن تمنح السلطات السعودية صلاحيات أكبر لاختراق الشبكات والوصول إلى بيانات عن النشطاء السلميين وأي فرد يعبِّر عن رأي مخالف في المملكة”، داعية شبكة جوجل لأن “تقف فوراً أي خطط لإنشاء منطقة سحابية في المملكة العربية السعودية حتى تتمكن الشركة من إظهار كيفية منع إساءة استخدام نظامها هناك”.

 

خاشقجي حاضرا

واستشهدت الجماعات الحقوقية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بالمخاوف جادة بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، كما تتهم تلك المنظمات، السلطات السعودية، باستخدام أدوات إلكترونية للتجسس على المعارضين، وأعربت المنظمات الحقوقية عن مخاوفها بشأن ما وصفته بـ “السجل المكثف للسعودية في السعي للتجسس على مواطنيها”، واتهامات المدعين العامين الأميركيين عام 2019 بأن اثنين من موظفي تويتر السابقين استخدموا وصولهم إلى عملاق وسائل التواصل الاجتماعي لجمع معلومات حساسة عن المعارضين السعوديين لصالح سلطات الرياض.

 

وقالت المنظمات في البيان المشترك، إن “هناك العديد من المخاطر الحقوقية المحتملة لإنشاء منطقة غوغل كلاود في السعودية والتي تشمل انتهاكات حقوق الخصوصية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات وعدم التمييز والإجراءات القانونية الواجبة”. وجاء في البيان أيضا: “أظهرت الحكومة السعودية مرارا وتكرارا تجاهلا صارخا لحقوق الإنسان، سواء من خلال إجراءاتها المباشرة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان أو تجسسها على المنصات الرقمية للشركات لفعل الشيء نفسه”، متابعا: “نخشى أن تتواطأ غوغل في شراكة مع الحكومة السعودية في انتهاكات حقوق الإنسان المستقبلية التي تؤثر على الناس في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط”.

 

يشار إلى أن Google Cloud Platform تعد من أكبر خدمات تخزين البيانات والحوسبة السحابية في العالم، لكن في ديسمبر/كانون الأول 2020 أعلنت شركة غوغل عن اتفاقية مع شركة النفط والغاز الوطنية السعودية أرامكو لإنشاء منطقة Google Cloud في المملكة العربية السعودية وتقديم خدمات Enterprise Cloud هناك “مع التركيز بشكل خاص على الشركات في المملكة”، لتجد منظمات غير حكومية نفسها مضطرة لرسالة مفتوحة تطلب فيها مزيداً من المعلومات حول العناية الواجبة بحقوق الإنسان التي نفذتها جوجل.