يقول محللون سياسيون وأمنيون إن مصر تتحدث مع حماس أكثر من أي وقت مضى، لكن بعضهم يقول إن الأموال المخصصة لإعادة إعمار قطاع غزة قد تصبح قريباً قضية خلافية جديدة بين الجانبين.

 

وحسب محللين وباحثين سياسيين، فإن”أموال إعادة الإعمار ستصبح بؤرة للصراعات بين الجانبين في المستقبل”، إضافة إلى أن هناك اعتقادًا في القاهرة أن حماس ستستخدم الأموال في أغراض أخرى غير إعادة الإعمار إذا وضعت يدها عليها.

 

من المعلوم أن مناطق شاسعة من غزة تعرضت للدمار خلال حربها التي استمرت 11 يومًا مع دولة الاحتلال الصهيوني في مايو/ آيار الماضي، نتيجة اشتباكات بين اليهود الصهاينة والعرب في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية وهجمات الشرطة الصهيونية على المسلمين الفلسطينيين الذين يؤدون الصلاة في المسجد الأقصى.

 

مبادرة مصرية..

تعهدت مصر، التي لعبت دورًا حيويًا في التوسط لوقف إطلاق النار في 20 مايو/ آيار، بتقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وكانت بذلك أول دولة تعلن عن تقديم دعم للفلسطينيين، وكان ذلك قبل انتهاء الحرب بيومين كاملين.  وتصر القاهرة على أن تتم أعمال إعادة الإعمار من خلال شركات البناء الخاصة بها، مما يعني أنها لن تضع فلسا واحدا في أيدي قادة حماس. ومع ذلك، تصر الحركة على إدارة إعادة الإعمار والأموال المخصصة لها.

ويقول محللون إن مصر، التي تقدم مواد غذائية وإمدادات طبية إلى غزة منذ بداية الحرب مع إسرائيل في 10 مايو / أيار، لا تريد أن تتدهور الظروف المعيشية أكثر في الأراضي الفلسطينية التي تشترك في الحدود مع سيناء المصرية، حيث سيكون للأزمة تداعيات أمنية خطيرة على سيناء.  ومع ذلك ، لا تريد مصر أيضًا رؤية حماس تزداد قوة على طول حدودها.

 

 عداء النظام لحماس..

انتقلت علاقات القاهرة مع حماس من حالة سيئة نسبيًا قبل ثورة يناير عام 2011 في مصر إلى علاقات أسوأ، مع اتهامات من قبل سلطات ما بعد انقلاب عام 2013 بأن حماس متورطة في عمليات الهروب من السجن خلال الانتفاضة، واتهامات أخرى متعلقة بتهديد الأمن القومي المصري، ونعتهم بالإرهاب والعمالة والخيانة وغير ذلك. واتهمت السلطات الانقلابية حماس بأنها دربت عناصر مصرية على استخدام السلاح ضد النظام بعد الانقلاب. فضلًا عن قيام السلطات الانقلابية بإغراق وإغلاق الأنفاق التي كان تعتبر المتنفس الوحيد لقطاع غزة المحاصر الذي تحكمه حماس.

وبهذه الهجمة الشرسة من السلطات الانقلابية والإعلام الموالي لها على حماس، استمرت العلاقات بين الجانبين في التدهور.

 

تحسن نسبي رغم المخاوف..

تحسنت العلاقات بعض الشيء بعد عام 2017 ، عندما صاغت حماس ميثاقًا جديدًا لم يذكر فيه جماعة الإخوان المسلمين ، المنظمة الأم. ومع ذلك، لا يزال صناع القرار في القاهرة ينظرون إلى حماس على أنها فرع أيديولوجي من جماعة الإخوان المسلمين، وبالفعل هي كذلك، ولا يخفي قادة حماس ذلك بأي حال من الأحوال.

وحسب بعض المقربين من سلطات الانقلاب، فإن الروابط بين حماس والإخوان تقلق مصر لأن هدف الإخوان لا يزال يتمثل في إسقاط النظام الانقلابي المصري.

 

 السياسة التي تمارسها مصر مؤخرًا تجاه حماس تغذيها مخاوف من أن تلعب حماس دورًا في زعزعة استقرار سيناء في المستقبل، حيث لا يزال فرع من تنظيم الدولة الإسلامية نشطًا في الأراضي المصرية.  ولا تزال القاهرة قلقة بشأن العلاقات بين حماس وإيران وقطر وتركيا، الخصوم الإقليميين الثلاثة لمصر، رغم وجود مؤشرات على تحسن العلاقات بين القاهرة والدولتين الأخيرين.

 يقول خالد عكاشة، رئيس المركز المصري للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث محلي: “كانت مصر دائمًا قلقة بشأن العلاقات بين حماس وهذه الدول الثلاث”.  “كان هناك اعتقاد في مصر بأن حماس تنسق بين الجماعات الإرهابية في سيناء وهذه الدول، التي قدمت الدعم اللوجستي لهذه الجماعات”.

لكن من المعلوم بعد ذلك أن هذه الادعاءات لم تكن صحيحة بالمرة، وأن حماس نسقت بالفعل مع الجانب المصري لضبط الحدود وأمنها.

 

تريد مصر أيضًا خلق فرص لشركات المقاولات ومصانع مواد البناء في البلدان الأخرى.  بعد سنوات من الركود الاقتصادي، تعيد مصر وضع نفسها كشريك في المشروع ومصدر رئيسي للمساعدة في التنمية الاقتصادية والتجارة في أفريقيا والمنطقة العربية.  فهي تبني سدًا عملاقًا في تنزانيا، وتبحث عن فرص بناء في ليبيا وتتطلع إلى جزء كبير من إعادة إعمار المدن العراقية التي دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ويقول بعض المحللين الاقتصاديين أن مصر تحاول في هذه الآونة استخدام قدراتها الاقتصادية في ممارسة الأعمال التجارية وكذلك مساعدة الدول العربية والأفريقية الشقيقة.

جدير بالذكر أن قيمة صادرات مصر من مواد البناء بلغت 3.9 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، وفقًا لمجلس مواد البناء. وتقوم العشرات من شركات المقاولات المصرية بتنفيذ مئات المشاريع الإنشائية في البلاد والتي تعمل على استمرار انشغال القوى العاملة الوطنية ومصانع مواد البناء.

 

ومع ذلك، لا يزال يتعين على مصر الحفاظ على نفوذها وتأثيرها على الطيف الفلسطيني العام، ولا سيما حركة حماس، حيث إن مصر ونظامها يستمدان بعض الثقل الإقليمي والدولي من القدرة على التواصل مع الحركة والتأثير عليها.

 

كما تجعل إسرائيل إعادة إعمار غزة مشروطة بإحراز تقدم نحو صفقة تبادل الرهائن مع حماس.  من المتوقع أن يزور رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، القاهرة قريباً للمشاركة في مفاوضات ترعاها مصر حول هدنة طويلة الأمد مع دولة الاحتلال الصهيوني وتبادل الأسرى بين الجانبين.

 

ختامًا، النظام الانقلابي المصري حريص على إبقاء قنوات الاتصال مع حماس مفتوحة رغم الخلافات الأيديولوجية والسياسية والحركية مع الحركة الفلسطينية، وهو يسعى من خلال ذلك إلى الحفاظ على جزء من ثقله الإقليمي والدولي. لكن النظام، من ناحية أخرى، يخشى من أن تقوى شوكة حماس أكثر، وهو في ذات الوقت يخشى من أن تتحالف حماس أكثر مع القوى الإقليمية المنافسة لمصر حال تخلت مصر عن تواصلاتها مها.