ربما ظن البعض أنه برحيل نتنياهو، سيحدث انفراجة في السياسة الإسرائيلية تجاه ملايين الفلسطينيين الذي يعانون من الاضطهاد والعنصرية وتمارس ضدهم أفظع الانتهاكات من قبل السلطات الإسرائيلية، لكن ولسوء الحظ، لا يوجد ما يشير إلى حدوث مثل هذه التغييرات، فالرغبة في خلع نتنياهو لا تتعارض مع سياساته تجاه الفلسطينيين.

 

التحالف الإسرائيلي الحالي، المكون من ثمانية أحزاب، يجتمع على شيئين، خلع نتنياهو، والحفاظ على الدولة اليهودية والوصول لحل جذري لإدارة الصراع مع الفلسطينيين.

 

كان نتنياهو أكثر زعماء إسرائيل ترويجاً لفكرة تثبيت أركان الدولة اليهودية والقضاء على الصراع مع الفلسطينيين للأبد، بطريقة لا تضمن لهم أي حقوق، وقد رسخ هذه الفكرة بسرعة كبيرة في الوعي الوطني بصورة قد تجعل منها إرثه الأكثر ديمومة.

 

وبالرغم من إدراج حزب عربي في الائتلاف، لم يُسمح لهم بالمشاركة في جدول الأعمال بصورة أساسية، بل يستخدم حزب “راعم” الإسلامي مقاعده الأربعة لانتزاع بعض المكاسب الضيقة لدائرته الانتخابية، لكنه، مثل جميع الشركاء الآخرين، وافق على عدم التورط في دعم القضية الفلسطينية برمتها من أجل تجنب الاحتكاك مع الجانب الإسرائيلي.

 

لفترة طويلة، لعب احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عقود دورًا مركزيًا في السياسة الإسرائيلية وفي الجدل الوطني حول اتجاه المشروع الصهيوني، حتى بعد فشل اتفاقيات أوسلو، ظل رؤساء الوزراء المتعاقبون مخلصين من الناحية النظرية -على الأقل- لفكرة تنفيذ حل الدولتين.

أما نتنياهو، فقد فعل شيئاً مختلفاً، لقد باع للإسرائيليين فكرة أن فرض الاحتلال على ملايين الفلسطينيين، غير الراغبين في الاعتراف بهم، يمكن التعامل معه على أنه مصدر إزعاج، ولكن ليس تهديداً وجودياً.

 

بالإضافة إلى ذلك، جاء الربيع العربي والحرب الأهلية السورية، الذين لم يحولوا الانتباه العالمي بعيداً عن إسرائيل وفلسطين فحسب، بل أعطوا وزناً لفرضية نتنياهو القائلة بأن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب حتى للنظر في إنشاء دويلة فلسطينية.

 

وبالرغم من التحذيرات القاسية من أن سياسات إسرائيل ستجعلها منبوذة من الغرب، سعى نتنياهو إلى إقامة علاقات اقتصادية ودبلوماسية أقوى مع شركاء آخرين في إفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية.

 

لفترة، مضت الأمور بشكل جيد بالنسبة لنتنياهو، وبغض النظر عن مدى شجب الليبراليين الأوروبيين لسجل إسرائيل في مجال حقوق الإنسان، استمر الاقتصاد الإسرائيلي في الارتفاع، وفازت المغنية نيتا بمسابقة الأغنية الأوروبية في عام 2018 ودخلت الدولة اليهودية ضمن الدول صاحبة برنامج لقاح فيروس كورونا الأكثر نجاحاً في العالم.

 

ما ساعد أيضاً في التأكيد على صحة استراتيجية نتنياهو كان احتضان دونالد ترامب الدافئ، وانتقال السفارة الأمريكية إلى القدس، وضم مرتفعات الجولان وسلسلة من صفقات السلام مع المملكات الخليجية.

 

وفي خضم هذا النجاح الوطني، ليس من الصعب الترويج لناخبيك – أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستعصي بشكل فريد، وبسبب العناد الفلسطيني الأبدي، يجب إدارة المشكلة أو تقليصها في أفضل الأحوال بدلاً من حلها.

 

لا يختلف هذا كثيرًا عن وجهة نظر يائير لبيد، زعيم الكتلة الأكبر والمقرر أن يصبح رئيسًا للوزراء في عام 2023 إذا استمر التحالف بمعجزة ما حتى ذلك الحين. إنه يمثل شريحة ضخمة ومهمة من الوسطيين والعلمانيين، الذين يريدون الزواج المدني ورعاية الأطفال المدعومة والحافلات التي تعمل في الأعياد اليهودية أكثر مما يركزون على الصراع مع الفلسطينيين وآلية إدارته.

 

أما بالنسبة إلى نفتالي بينيت، رئيس الوزراء المقبل المحتمل، فقد فعل أكثر من أي شخص آخر لإعادة صياغة الصورة الكاملة للمشروع الاستيطاني داخل إسرائيل.

لقد حول الحزب القوي للصهيونية الدينية من مجموعة من المتعصبين على قمة التل إلى شخص يدعي أنه يوفر موطنًا لجميع اليهود، بغض النظر أين، محاولاً الترويج للحجة القائلة بأن الدافع المهيمن للسيطرة على الأراضي الفلسطينية لم يكن بسبب التعصب الديني، ولكن بسبب الحفاظ على الأمن، وهي الحجة التي لاقت قبولاً لدى الجمهور الإسرائيلي الأوسع.

 

إن وجود اليسار الصهيوني في الائتلاف، والقفز على فرصة لاستعادة نوع من الأهمية السياسية في نهاية المطاف، لن يعيد إحياء القضية الفلسطينية، فحزب العمل وميرتس ليس لديهم أي جديد يقدمونه، حيث يتمسكان بفكرة حل الدولتين كنوع من التفكير السحري لتخليد حلمهما بأن إسرائيل يمكن أن تكون يهودية وديمقراطية في نفس الوقت.

 

من خلال ما سبق يتضح أن القوى السياسية التي اجتمعت لإسقاط نتنياهو، مع اختلاف أيدولوجياتها ورغباتها، لا تظهر أي علامة على الرغبة أو النية في الابتعاد عن الانحدار الديموقراطي الذي شهدته حقبة نتنياهو.

 

سنوات نتنياهو أكدت على أن الجمع بين دولة يهودية وديموقراطية في نفس الوقت ما هو إلا وهم، في ظل حكمه، الطبيعة اليهودية للدولة كانت تطغى على أي شيء آخر، مع اعتداءات متزايدة على القضاء والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا