مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في الجزائر المقررة يوم 12 يونيو/ حزيران الجاري، تسعى السلطات، من خلال القمع، إلى إسكات أي معارضة.
تحت هذه الكلمات قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية: إن تشديد السلطات الجزائرية القمع تجاه “منظمة الشباب الوطني” المعروفة اختصارًا بحركة (راج) تعكس الرغبة في مصادرة مستقبل البلاد.
وأوضحت أنه في وسط العاصمة، بالقرب من تمثال الأمير عبد القادر، أحد رموز المقاومة الجزائرية، لم تعد مكاتب منظمة (راج) تستقبل الكثير من الناس.
والسبب في ذلك، تبين “لوموند”، نقلا عن فؤاد أوشير الأمين العام للمنظمة: “نتجنب الذهاب إلى هناك كثيرًا لأننا مراقبون، فدائما عند مدخل المبنى يوجد رجال شرطة في ثياب مدنية يهددون النشطاء”.
وأشارت إلى أن أوشير نفسه يخضع للمحاكمة، حيث اعتقل في نوفمبر/ تشرين ثاني 2019 في ختام مظاهرة، واتُهم بـ “المساس بوحدة الوطن”، ثم احتُجز لعدة أسابيع قبل إطلاق سراحه في يناير/ كانون ثاني 2020.
وعلى شاكلة فؤاد، دفع العديد من نشطاء (راج) ثمناً باهظاً لمشاركتهم في حركة الاحتجاج المناهضة للنظام، والتي هزت الجزائر منذ فبراير/ شباط 2019، إذ يخضع 11 ناشطًا لمحاكمة وهناك 9 مسجونين والعديد من النشطاء تحت الرقابة القضائية.
كما أنه في 26 مايو/ أيار الماضي، تلقت المنظمة أمر استدعاء للمثول أمام محكمة إدارية في الجزائر العاصمة بعد إجراء حل من قبل وزارة الداخلية، التي تتهمها على وجه الخصوص بتنفيذ أنشطة “تتعارض مع الأهداف المذكورة في النظام الأساسي”.
ويقول عبد الوهاب فرساوي، رئيس المنظمة منذ عام 2010: “ترتكز أعمالنا على الحراك “، وهي الحركة الاحتجاجية المناهضة للسلطة، حيث لعب أعضاء راج دورًا مهمًا في الجمع بين القوى المختلفة المنضوية تحت مظلة “ميثاق البديل الديمقراطي” منذ يونيو/ حزيران 2019.
“حملة ترهيب”
وخلال الأشهر الأولى من الحراك، استضافت المنظمة العديد من الاجتماعات والمؤتمرات داخل مقرها ونظمت مناظرات في الأماكن العامة في الجزائر العاصمة، ولا سيما على درجات غراند بوست، مكتب البريد الرئيسي، وهو مبنى رمزي وسط العاصمة أصبح من الصعب الوصول إليه الآن بسبب وضع ألواح معدنية كبيرة.
ودعا رئيس (راج) في فبراير/ شباط إلى تنظيم لقاء تشاوري “لأن هناك حاجة ملحة لإعطاء امتداد سياسي للحركة”، بهدف ترجمة الإجماع الشعبي إلى إجماع سياسي يحتوي على أسس وآليات التغيير الديمقراطي، موضحا أنه لا “يمكن القيام بذلك إلا إذا اجتمعت قوات الحراك وتبادلت للعثور على نقاط اتصال حول خارطة طريق توافقية”.
وتقول “لوموند” إن هذه الأمور وضعت “راج” في مرمى نظر العدالة، خاصة وأنها واحدة من القلائل التي “تحافظ على استقلالية معينة، دون أن تتسلل إليها السلطات”، كما يعتقد فؤاد أوشير.
وينوه أوشير بما حدث مع “sos باب الواد”، وهي منظمة ثقافية تأسست أيضًا في التسعينيات وناشطة جدًا في هذه المنطقة الشعبية غرب الجزائر العاصمة، أودع رئيسها ناصر مغنين، الذي لم يخف تورطه في الحراك، رهن الاعتقال في 20 أبريل / نيسان المنصرم بعد اتهام منظمته بتلقي تمويل من الخارج.
في المقابل يتعرض رئيس (راج) أيضًا للتهديد بالمقاضاة بتهمة “النيل من وحدة التراب الوطني”، إذ اعتقل بالفعل بين أكتوبر/ تشرين أول 2019 ومايو/ أيار 2020.
ويوم الأربعاء 26 مايو/ أيار، تلقى عبد الوهاب فرساوي مرة أخرى استدعاء من شرطة بجاية (في شرق البلاد)، وهو نفس اليوم الذي بدأت فيه إجراءات الحل ضد منظمته، وتم استجوابه من قبل السلطات عن رحلاته للخارج ومشاركته في لقاءات إقليمية خاصة بالبلدان المغاربية.
ووفقا له، فإن هذا الاستدعاء الجديد “جزء من حملة ترهيب تهدف إلى تخويف النشطاء الذين ما زالوا ناشطين على الأرض”، مؤكدا أنه ينوي خوض معركة قانونية حتى تظل (راج) منظمة قانونية لأن “الحكومة تريد إسكات كل ما لا تسيطر عليه لتمرير أجندتها”.
زيادة القمع
وتقول الصحيفة الفرنسية إن منظمات المجتمع المدني ليست هي الوحيدة التي تعاني وتندد بـ “الضغط القضائي” الذي أطلقه النظام.
كما أن القمع بات يستهدف الأحزاب المعترف بها، ما يعيد النظر بالتعددية الحزبية العائدة لعام 1988، فعلى سبيل المثال حزبي الاتحاد من أجل التغيير والتقدم والعمال الاشتراكي، وهما الكيانان اللذان أعلنا مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، مهددان بالحل من قبل وزارة الداخلية.
وتشدد “لوموند” على أن النظام الجزائري توصل، في جو مثقل بالرعب، إلى وضع حد بالقوة، للتظاهرات الأسبوعية، التي كانت تتحداه، إذ تجاوزت الاعتقالات الألفين خلال أسبوعين فقط، مع اقتراب الانتخابات التشريعية المتنازع عليها، وهي الأولى منذ سقوط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ويقول سعيد الصالحي، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إنه يوجد ” مستوى غير مسبوق من القمع منذ بدء التظاهرات في عام 2019، حيث تم إطلاق قطار أمني في جميع أنحاء البلاد منذ بداية مايو/ أيار لوقف المسيرات في المدن الكبرى”.
وبحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، فإن 214 شخصاً على الأقل كانوا رهن الاحتجاز؛ بسبب إبداء رأيهم أو المشاركة في احتجاجات يوم 4 يونيو/ حزيران، فوزارة الداخلية تُظهر الآن علانية رغبتها في حظر جميع الاحتجاجات بجميع أنحاء البلاد.
ويؤكد صالحي أن الغالبية العظمى كان يتم اعتقالهم خلال الاحتجاجات واليوم يتم استهداف نشطاء الحراك على وجه التحديد من منازلهم، مشيرا بقلق إلى تصعيد الاتهامات ضد المعارضين الذين اعتقلوا مع توجيه تهم “الإرهاب” أو “التجمع المسلح” لبعضهم؛ الأمر الذي قد يعرضهم لأحكام قاسية في المحكمة.
وبالنسبة لنائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن اقتراب الموعد النهائي للانتخابات لا يفسر في حد ذاته قمع السلطات، مؤكدا أن إجراء هذه الانتخابات بهدوء هو ذريعة للسلطة التي تسعى في الواقع إلى التخلص من الحراك إلى الأبد.
للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا