بدا مستقبل حلف التطبيع العربي مع الاحتلال الصهيوني، الذي تقوده الإمارات وأخواتها، مهددا بعد العدوان الصهيوني الأخير الذي طال كافة مناطق الشعب الفلسطيني سواء في الداخل المحتل ومدينة القدس المحتلة أو الضفة الغربية، بل وذروته التي بدت واضحة المعالم في الهجوم العنيف (والأكثر انتقامية منذ تأسيس دولة الكيان) على قطاع غزة المحاصر والذي أسفر عن 290 شهيدا، بينهم 69 طفلا و40 سيدة و17 مسنا، وأكثر من 8900 مصاب.

لكن هذا الأمر قد ينطبق على كل مكان به ذرة من إنسانية وانتماء، وهو بالطبع ما لم يكن حاضرا البتة في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم يزيد هذا العدوان الصهيوني قطار تطبيعها مع الاحتلال إلا سرعة وانطلاقا إلى منافذ أخرى غير مسبوقة ولا متوقعة من ميادين التطبيع منزوع الكرامة مع الاحتلال الذي يبدو رزينا هادئا وواثقا أمام خطوات الإمارات المتسارعة في الهرولة نحو استرضائه وكسب ثقته.

فمع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة وشن الاحتلال حربا على قطاع غزة استمرت 11 يوما واصل قطار التطبيع الإماراتي مع إسرائيل خطواته المتسارعة ولم يتوقف، حيث تنوعت أنشطة التطبيع بين اجتماعات سياسية وأخرى اقتصادية وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتبادل البعثات الطلابية في الفترة بين 13 أبريل/نيسان الماضي والأول من يونيو/حزيران الجاري.

وهكذا لم تترك الإمارات شاردة ولا واردة لخدمة الاحتلال الصهيوني إلا وسعت بجدية وجهد مشهود لتفعيلها، وهذه المرة في ملاعب كرة القدم، تلك اللعبة التي لا تتفوق فيها لا ما يسمى بإسرائيل ولا الإمارات، ولكن الأخيرة وجدت فيها فرصة للتفوق في مجال آخر، التطبيع، الذي كان آخر بوادره ما تداوله إعلاميون صهاينة من صور لسفير دولة الإمارات لدى الاحتلال خلال حضوره لمباراة نهائي ما يسمى بـ”كأس إسرائيل لكرة القدم” التي أقيمت مساء الأربعاء الماضي إلى جانب الرئيس الصهيوني نفسه.

وحضر السفير الإماراتي محمد محمود آل خاجة، رفقة الرئيس الصهيوني رؤوفين ريفلين، ووزير الرياضة الصهيوني خيلي تروبر، نهائي الكأس المحلية التي توج بها مكابي تل أبيب بعد فوزه 2-1 على هابويل تل أبيب. وأهدى رئيس الاحتلال لآل خاجة قميص المنتخب الصهيوني مكتوب عليه اسمه واسم عائلته.

وأحسنت الإمارات (وربما إسرائيل) اختيار ممثلها في عملية التطبيع، السفير الإماراتي في دولة الكيان الصهيوني، محمد آل خاجة، الذي أعجز من بعده من المُطبعين في نشر وتثبيت أركان التطبيع الإماراتي الصهيوني، بعدما بدا الرجل حاضرا على الدوام -حتى دون أن يُطلب منه أو يتوقع منه ذلك- في كل مشاهد التطبيع، تاركا تصريحات تضيف لسواد صفحة الإمارات قتامة أكبر وخيانة أعظم. وللأمانة، فقد فعلها الرجل بأكبر اجتهاد ممكن، ولم يترك مشهدا للخيانة والتطبيع إلا وتصدر فيه دون منازع.

هذا النشاط المحموم من آل خاجة، زاد من طموح الصهاينة للحد الذي جعل مؤسسة جبل الهيكل الصهيونية المتطرفة توجّه دعوة رسمية للسفير الإماراتي في تل أبيب للمشاركة في اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى! وهي المرة الأولى -وربما لا تكون الأخيرة- التي توجه مثل هذه الدعوة الفجة إلى شخص “عربي”، والعجيب أنه حتى اللحظة لم يصدر أي تعقيب أو استنكار من “سفارة الإمارات” في الكيان ردا على هذه الدعوة، بل إن المتوقع هنا أن نجد السفير بالفعل بينهم يوم الاقتحام المزعوم! 

هذا الطموح الصهيوني من نشاط آل خاجة، قابلته صدمة قاهرة عن الصف العربي الذي -وبرغم أنه لم يعد يتفاجئ من خيانات الإمارات، إلا أن لم يتوقع أن تصل إلى هذه الدرجة من الخيانة أبدا- والتي وصلت إلى حد زيارة آل خاجة للزعيم الروحي لحركة (شاس) الدينية المتطرفة الحاخام شالوم كوهين في منزله بالقدس، وخلال الزيارة، هاجم السفير الإماراتي قناة الجزيرة واتهمها بـ”تأجيج الجنون” في المنطقة، كما هاجم جماعة الإخوان المسلمين وأدوارها في دعم المقاومة شعبيًا.

الصف العربي الذي بدا مصدوما كليا من هذه “البجاحة” الإماراتية في تصدير التطبيع، لحد أنه خرجت تصريحات مناوئة لهذا التحرك الإماراتي من أكثر بقاع المنطقة قهرا وتنكيلا بالمناهضين للتطبيع، السعودية. إذ هاجم الصحفي السعودي طلال بن ثنيان، السفير الإماراتي في إسرائيل، محمد آل خاجة، وذلك بعد زيارة الأخير لحاخام متطرف في منزله بمدينة القدس المحتلة وطلبه البركة منه، إذ بثت وسائل إعلام إسرائيلية مقاطع مصورة للسفير الإماراتي يقول فيها لرئيس مجلس حكماء التوراة وزعيم شاس “حينما وصلت إلى هنا، كنت مصدوما لرؤية الناس.. أناس دافئون بقلوب طيبة.. لم أتوقع أن أرى مسجدا في قلب تل أبيب”، وأضاف آل خاجة: “للأسف قنوات تلفزيونية مثل الجزيرة أو الإخوان المسلمين، يحاولون أن يُظهروا للناس أشياء أخرى فى منطقتنا”.

وقال بن ثنيان في مقطع فيديو نشره على موقع يوتيوب موجها حديثه للسفير الإماراتي في إسرائيل “هل تعتقد أنك الآن شوهت قناة الجزيرة وجماعة الإخوان؟”. وأضاف “كل عربي أو مسلم يشوف المقطع هذا سوف يتعاطف مع الإخوان والجزيرة، ليش تنقل لهم التعاطف هذا.. هل تعمل لصالح الإخوان والجزيرة؟”. وتابع “أنت بذلك تروج للإخوان والجزيرة.. غير خطأك الديني، يدل على شخص ما تعلم شيء بالدين”.

وتساءل الصحفي السعودي، موجها حديثه لآل خاجة: “تأخذ بركات من حاخام. ما أدري مين درسك هذا الكلام بالسياسة. ما مطلوب منك إنك تهدم عقيدتك وتطلع بالذل والمسكنة، دولتك ليست بحاجة لشيء يخليك ذليل هكذا”. واستطرد الإعلامي السعودي موجها حديثه لآل خاجة “ما تعرف تتعامل معهم عندك السفير المصري روح اسأله عندهم خبرة أكثر في التعامل مع هذه الأشكال”.

وغير بعيد، وقع مالك فريق بيتار القدس لكرة القدم موشيه حوغيغ في دبي اتفاقية مع شركة دولية لتمثل النادي في الصفقة المتوقعة لبيع أسهم لممثلين عن العائلة الحاكمة في الإمارات. وذكرت مواقع إسرائيلية أن جوغيغ يسعى لبيع 49% من أسهم نادي بيتار القدس، ونقلت عن المعني قوله إنه يأمل أن تساهم هذه الصفقة في منح دفعة للفريق، وأكدت أن العملية قد تتم في الأيام القليلة المقبلة وبمقابل مالي ضخم.

ويعرف مشجعو نادي بيتار بأنهم الأكثر عنصرية في إسرائيل، وسبق لهم رفع شعارات معادية للفلسطينيين والعرب خلال المباريات بينها “الموت للعرب”. ونشر هؤلاء المشجعون مؤخرا أغاني تضم عبارات مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بالتزامن مع أزمة الرسوم المسيئة التي عادت إلى الواجهة من فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة.

وذكرت مواقع إسرائيلية أن الاهتمام الإماراتي بكرة القدم في إسرائيل لن يقتصر على نادي بيتار القدس، ويمتد إلى سعي للاستثمار في صفقات رعاية أو استحواذ تضم عددا من الفرق مثل مكابي حيفا وهيوعيل تل أبيب، حيث وقعت رابطة المحترفين الإماراتية لكرة القدم ونظيرتها الإسرائيلية مؤخرا مذكرة تفاهم هي الأولى من نوعها، في أحدث صور التطبيع بين البلدين، عقب إبرام اتفاقات مشابهة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

ووسط رفض عربي واسع، عبّرت إسرائيل عن سعادتها بأول مشاركة رسمية للاعب منتخبها، ضياء سبع، مع نادي النصر الإماراتي، أول لاعب إسرائيلي يحترف بدوري الخليج العربي الإماراتي لكرة القدم. واحتفى الحساب الرسمي للخارجية الإسرائيلية على تويتر “إسرائيل بالعربية”، بمشاركة سبع الرسمية مع النصر، واصفا إياها بـ”اللحظة التاريخية”.

كما تداولت صفحات إسرائيلية رسمية على تويتر، فيديو للحظة دخول سبع، وهو من أصل عربي، بديلا في مباراة النصر ضد الجزيرة، أول مباراة رسمية له مع النادي الإماراتي. ولقي هذا التعاقد هجوما واسعا من الناشطين على مواقع التواصل، الذين وصموه بالتطبيع الرياضي الرسمي وبيع القضية الفلسطينية.