لم يكن صعود اليميني المتطرف دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية سوى صافرة إنذار لجولة تصدر شرس لليمين المتطرف في المجتمعات الغربية، والتي انعكست على بلدان مثل البرازيل التي يحكمها أقصى اليمين المتطرف، بل وحتى البلدان الشرقية كالهند التي تسيطر عليها حكومة يمينية بوذية متطرفة.

 

ومساء الأحد الماضي، كان العالم على موعد مع جريمة مروعة جديدة من جرائم اليمين المتطرف، حين قتل 4 أفراد من عائلة مسلمة وأصيب طفل في دهس متعمد نفذه يميني متطرف يقود شاحنة صغيرة في مدينة بجنوب مقاطعة أونتاريو الكندية، في جريمة كراهية معادية للإسلام.

 

ضحايا الهجوم من أصل باكستاني، وهم زوجان وابنتهما المراهقة وجدّتها، وقد قتلوا عندما صعدت شاحنة يقودها الإرهابي على رصيف ودهستهم، في مدينة لندن بمقاطعة أونتاريو وسط كندا، بينما ابن الزوجين اللذين قضيا في الهجوم المتعمد، يبلغ من العمر 9 أعوام، وقد كان معهم، وهو الآن يتلقى العلاج في المستشفى من جروح خطيرة.

 

وتجمّع الآلاف قرب مسجد أوكسفورد وسط مدينة لندن أونتاريو، حدادا على أرواح العائلة التي قضت في الهجوم الإرهابي، وحضر التجمع رئيسُ الوزراء الكندي، وعدد من المسؤولين بينهم وزير النقل الكندي عمر الغبرا.

 

توقيف المجرم

المجرم، ناثانيل فيلتمان، وهو شاب في العشرين من عمره، أوقف بُعيد الهجوم في مركز تسوق على بعد 7 كيلومترات من موقع الهجوم الذي حدث في مدينة لندن الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر جنوبي غربي تورونتو، ليعلن بعدها المحقق في شرطة المدينة بول ويت إن “ثمة أدلة على أنه فعل متعمد ومخطط له، سببه الكراهية، حيث أنه تم استهداف الضحايا لأنهم مسلمون”.

 

وبحسب بيان للشرطة، فقد وجهت إلى المهاجم تهمة ارتكاب 4 جرائم متعمدة ومحاولة قتل، فيما تنسق الشرطة مع فرق الخيالة الكندية الملكية بشأن احتمال توجيه اتهامات بالإرهاب له، لكن من دون حسم هذا الاتهام بعد رغم الأدلة الصارمة والواضحة عليه!

 

عائلة مسالمة

أسرة الضحايا أصدرت بيانا حددت فيه أسماء أبنائها القتلى، وهم: سلمان أفضل (46 عاما)، وزوجته مديحة (44 عاما)، وابنتهما يمنى (15 عاما)، والجدة (74 عاما) التي تم حجب اسمها، مضيفة أن الفتى “فايز” إصابته بالغة وتم نقله إلى المستشفى.

 

وقال البيان “كل من يعرف سلمان وبقية أفراد عائلة أفضل، يعرفون الأسرة النموذجية التي كانوا عليها كمسلمين وكنديين وباكستانيين”، لقد عملوا بجد في مجالاتهم وتفوقوا. كان أطفالهم من الطلاب الأوائل في مدرستهم، وكانوا مرتبطين بقوة بهويتهم الروحية (الدينية)”.

 

الأب “كان معالجا طبيعيا ومحبا للكريكت، وأن زوجته كانت تحضر درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية بجامعة ويسترن بلندن، وأن ابنتهما كانت تنهي الصف التاسع، وكانت الجدة ركيزة من أركان الأسرة”.

 

ودعت الأسرة -في بيانها- الجميع إلى الوقوف ضد الكراهية و”الإسلاموفوبيا”، مضيفة “هذا الشاب الذي ارتكب هذا العمل الإرهابي تأثر بجماعة يرتبط بها، ويجب على بقية المجتمع اتخاذ موقف قوي ضد هذا، من أعلى المستويات في حكومتنا إلى كل فرد من أفراد المجتمع”.

 

تنديد حكومي

بدوره، ندد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بهذا “الهجوم الإرهابي”، وقال في خطاب أمام مجلس العموم إن “هذه المجزرة لم تكن حادثا، إنها هجوم إرهابي دافعه الكراهية في قلب أحد مجتمعاتنا”.

 

وأضاف رئيس الوزراء الكندي “نأمل جميعا أن يتعافى الطفل من جروحه سريعا، رغم علمنا بأنه سيعيش وقتا طويلا مع الحزن وعدم الفهم والغضب الذي تسبب به هذا الهجوم الجبان المعادي للمسلمين، لقد استُهدفوا جميعا بسبب معتقدهم المسلم. هذا يحصل هنا، في كندا، وهذا يجب أن يتوقف”.

 

تيار مستعر

وبشكل عام، ينمو اليمين المتطرف في كندا بشكل شرس، حيث شهدت كندا في السنوات القليلة الماضية عددا من الجرائم بدافع الكراهية وعلى أساس عرقي، بدءا بالهجوم المسلّح الذي استهدف في مطلع 2017 مصلّين في مسجد في كيبيك، وأدى إلى مقتل 6 أشخاص.

 

وقالت اللجنة الكندية العربية لمحاربة التمييز إن العرب والمسلمين في حالة صدمة ويحسون بالترهيب، وأوضحت أن هذا ليس عملا منعزلا، ولكنه يعكس وباء يجتاح كندا في الفترة الأخيرة، وهو معاداة المسلين والعرب وذوي الأصول الأفريقية والسامية والسكان الأصليين، مضيفة أن هذا الهجوم نتيجة للتحريض الذي يغذيه الإسلاموفوبيا وأعداء التسامح والتعدد والتعايش، داعية القادة السياسيين لإدانة هذه الجرائم دون لبس ووضع برامج للقضاء على الكراهية.

 

أما المجلس الوطني لمسلمي كندا فقال إنه يشعر بالأسى العميق بعد دهس عائلة مسلمة كانت في نزهة بمدينة أونتاريو الكندية، ودعا المجلس -في تغريدة على تويتر- إلى تحقيق العدالة في هذا الحادث، الذي قال إن دافعه الكراهية.

 

وعلق المجلس الوطني للمسلمين الكنديين أيضا على الواقعة داعيا إلى التعجيل بالقضاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا، عقب الجريمة التي اعتبرتها السلطات المحلية “عملا متجذرا من أعمال القتل الجماعي ضد المسلمين”، حيث قال رئيس المجلس مصطفى فاروق إن “هذا هجوم إرهابي على الأراضي الكندية، ويجب التعامل معه على هذا الأساس”.

 

أما مسؤول الجالية المسلمة بكندا، المحامي نواز طاهر، فقال إنه “يجب أن نواجه ونقضي على الإسلاموفوبيا، اليوم لا غدا، من أجل أطفالنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا”، كما وصف رئيس البلدية إد هولدر الحادث بأنه عمل من أعمال القتل الجماعي التي ارتكبت ضد المسلمين، “لقد كان متجذرا في كراهية لا توصف”.

 

مسلمو كندا الذين يمثلون 3% من عدد السكان، يتزايد شعورهم بأنهم معرضون للخطر، وطالب العديد من المنظمات المسلمة بالتحرك في مواجهة المجموعات اليمينية المتطرفة، مما دفع رئيس الوزراء الكندي في خطابه الأخير، للتعهد باتخاذ مزيد من الإجراءات لتفكيك الجماعات اليمينية المتطرفة.