نشرت صحيفة “لوفيجارو” مقالا عن صراع النفوذ الآخذ في الظهور بين فرنسا وروسيا بمنطقة الساحل، مشيرة إلى أنه في غضون بضع سنوات، أطاحت موسكو حرفيًا بباريس باعتبارها القوة الأجنبية المهيمنة بهذه المنطقة.

وفي بداية المقال تساءلت الكاتبة إيزابيل لاسير: هل روسيا على وشك طرد فرنسا من هذه المنطقة على غرار ما فعلت في ليبيا؟، موضحة أن مرتزقة شركة فاجنر شبه العسكرية القريبة من الكرملين وجهاز المخابرات العسكرية الروسية، أصبحوا إحدى القوى الرئيسية الموجودة بهذا البلد الشرق أوسطي.

 وأشارت إلى أنه بدعم من المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد، يسيطر الروس على قاعدة سرت الجوية، جنوب شرق العاصمة طرابلس، وأيضا الجفرة في وسط البلاد، كما أرسلت موسكو طائرات مقاتلة إلى ليبيا الشهر الماضي.

وفي تشاد المجاورة، تتابع الكاتبة، تلقى مؤخرا متمردو “الجبهة من أجل التناوب والوفاق” (FACT)، مساعدة من مرتزقة فاجنر في اشتباكاتهم مع الجيش التشادي.

وأكدت أن البعض، في فرنسا، لديهم بالفعل ذعر من إعلان إيمانويل ماكرون انتهاء عملية “برخان” في مالي، خوفا من أن تنتهز هذا الانسحاب القوات شبه العسكرية الروسية التي ظلت منذ عدة سنوات تنشر نفوذها مثل الأخطبوط في القارة الأفريقية.

وبينت أن فلورنس بارلي، وزيرة القوات المسلحة، نددت مؤخرا بتحركات موسكو في منطقة الساحل، وقالت روسيا “تسعى لترسيخ نفسها، والتسلل عبر الثغرات، ودائمًا لتشويه سمعتنا”.

وفي عام 2019، وقعت باماكو اتفاقية دفاع مع روسيا، فتحت الباب أمام القوات شبه العسكرية التابعة لفاجنر، وخلال أغسطس/ آب 2020، بعد الانقلاب العسكري الأول، كان السفير الروسي أول دبلوماسي أجنبي يستقبله المجلس العسكري.

وشهدت مالي انقلابين خلال تسعة أشهر، أطاح الأول في 18 أغسطس/ آب 2020 بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا المتهم بالفساد والضعف في مواجهة انعدام الأمن، بعد تظاهرات مناهضة للحكومة استمرت أشهرا.

وفي مايو/ أيار الماضي، قرر العسكريون غير الراضين عن إعادة تشكيل الحكومة بعد تصاعد الاستياء، اعتقال الرئيس باه نداو ورئيس الوزراء مختار أوان وزجهم في معسكر كاتي العسكري بالقرب من باماكو، وأعلنت المحكمة الدستورية بعد ذلك العقيد أسيمي غويتا رئيساً للدولة لقيادة المرحلة الانتقالية. 

 

“معاداة الفرنسيين”

وتبين الكاتبة أنه مع تنامي المشاعر المعادية للفرنسيين بعد ثماني سنوات من الوجود العسكري الذي فشل في استعادة الأمن، تتزايد أعداد الأعلام الروسية في البلاد.

كما أن العديد من الانقلابيين تدربوا في روسيا أو الاتحاد السوفياتي السابق، كرئيس المجلس العسكري والزعيم الحالي للبلاد العقيد غويتا المقرب من موسكو.

ونوهت إلى نوايا الكرملين ظهرت في إفريقيا في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث أطاحت روسيا فعليًا بفرنسا باعتبارها القوة الأجنبية المهيمنة، وفي غضون سنوات قليلة فقط، أصبحت البلاد رأس جسر روسيا في القارة السمراء.

ويقول مصدر دبلوماسي “في جمهورية إفريقيا الوسطى، أقام الروس وضعا يؤكد وجودهم في إفريقيا، لقد أظهروا أنهم قادرون على التعامل مع النظام الفاشل، والسماح له بالتخلص من المشاكل الأمنية دون الحاجة إلى الالتزام بحقوق الإنسان والقيم الغربية، وبالنسبة لسلطات إفريقيا الوسطى، هذا هو الاتفاق المثالي”.

وفي غضون سنوات قليلة، طردت روسيا القوة الاستعمارية الفرنسية السابقة من خلال تدريب الجيش والحرس الرئاسي وتأمين المؤسسات ومناجم الذهب والفضة مقابل حصة من الإيرادات.

وتشدد كاتبة المقال على أنه منذ ذلك الحين، ينتشر المرتزقة الروس، في معظم بلدان إفريقيا من السودان إلى أنجولا وغينيا والموزمبيق وإفريقيا الجنوبية. 

كما وقعت موسكو اتفاقيات تعاون مع حوالي عشرين دولة في القارة، حيث كانت نقطة انطلاقهم من جمهورية إفريقيا الوسطى التي منحها الكرملين حمايته.

المناورة الروسية

وبحسب إيزابيل لاسير تريد روسيا استعادة نفوذها في إفريقيا كما كان الوضع أيام الاتحاد السوفيتي، فمن خلال مرتزقة فاجنر، تتقدم مقنعة لكنها تظل تحت أعين المجتمع الدولي. 

ففي غضون سنوات قليلة، أصبحت فاجنر “سكين سويسري” للتدخل العسكري الروسي في الخارج، إنها تزود الأنظمة الأفريقية، وفقًا لاحتياجاتها، بخيارات متعددة وكتالوج مرن: الدعم الفني، والأسلحة، والقوات الخاصة، والتدريب العسكري، والدعم السياسي وغيرها من الخيارات.

ومع ذلك، يشكك الخبراء في أن تنجح روسيا في جعل منطقة الساحل كجمهورية إفريقيا الوسطى، فهذه المساحة الشاسعة تتطلب، من أجل أن تكون آمنة، وسائل لا يملكها المرتزقة.

ويوضح مصدر دبلوماسي ” بدون تغيير التسلق، ستجد روسيا صعوبة في السيطرة على المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج فاجنر إلى ثلاثة أشياء لمحاكاة نموذج جمهورية إفريقيا الوسطى: نظام في نهاية عمره السياسي، مع علاقات متداعية مع شركائه التقليديين وإمكانية الحصول على أجر فوري، وهذا المعيار الثالث غير موجود، على سبيل المثال، في مالي”.

وتنوه الكاتبة بأن المناورة الروسية، التي بدأت في أوكرانيا بـ “الرجال الخضر الصغار”، الذين كان بين صفوفهم بالفعل أعضاء من مرتزقة فاجنر، مستمرة في جمهورية إفريقيا الوسطى وبلدان أفريقية، ويمكن، مع ذلك، توجيهها إلى أهداف أخرى أسهل، مثل الكاميرون أو الجابون.

وخلصت إلى أنه في بعض البلدان تواجه روسيا مشاكل، وأن وهم الإفلات من العقاب تبخر، فإمكانية تجاهل حقوق الإنسان بفضل حماية الكرملين لم ينجح في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تمت إحالة بعض المسؤولين بهذا البلد إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا