صوب الجنرال الليبي الانقلابي، خليفة حفتر، تحرك الميلشيات التابعة له إلى الجنوب الليبي، حيث ينتشر هناك مرتزقة ميليشيات متمردة تنشط في منطقة الساحل الإفريقي كانت تقاتل في صفوفه، وفيما يبدو أنه يحاول التخلص منها، بالتزامن مع قمة برلين الثانية المقرر عقدها الأربعاء القادم، حيث تمثل قضية إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا في قائمة اهتمامات المشاركين في القمة المرتقبة.

وأمس السبت، أعلنت قيادة ميليشيا حفتر عن شن سلاحها الجوي سلسلة ضربات وغارات على وديان وكهوف بمنطقة جبال الهروج، جنوبي ليبيا، وعللت ذلك بأن هذه المناطق يتمركز فيها عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وذلك على خلفية العملية العسكرية التي أعلنت الميليشيات، ليلة الخميس الماضي، عن إطلاقها، بهدف “تعقّب المتطرفين وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة”، بحسب ما أعلنت قيادة الميليشيات الانقلابية.

وسبق أن أعلنت قيادة حفتر عن إطلاقها عدة عمليات تستهدف “فرض القانون والأمن ومكافحة داعش والمجموعات الإرهابية” في الجنوب الليبي خلال السنوات الماضية. بل إنها أعلنت كذلك، مطلع مارس/آذار 2019، سيطرتها على منافذ الحدود الجنوبية.

 

 

تشكيك حول الأهداف..

 

وفي ذات السياق، وفي تشكيك حول أهداف حفتر الحقيقية من هذه العملية العسكرية، رجحت مصادر أمنية ليبية مطلعة أن العملية الحالية تستهدف الذين خرجوا عن سيطرته من القوات التابعة له، كما كشفت الحملة عن مناطق انتشار وتمركز المسلحين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء المتحالفين مع حفتر.

وحسب عدد من المصادر الصحفية، المرتزقة المستهدفون من قبل حفتر هم مزيج من المسلحين من دول الجنوب الليبي، وكذلك المرتزقة السودانيين والأفارقة، وهم جميعًا موزعون في عدد من المواقع، لكن أكثرها أهمية هي تلك القريبة من المنشآت النفطية في الجنوب، حيث تتواجد أهم مصادر النفط، وكذلك في وسط الشمال، حيث يوجد أهم موانئ تصدير النفط، إضافة إلى منطقتي الجفرة وسرت.

وحسب ذات المصادر، فإن المرتزقة المتواجدين بالقرب من المنشآت النفطية الهامة هم مرتزقة الجنجويد وفصائل حركة تحرير السودان، موزعين على عدد من المواقع؛ أهمها محيط حقل الشرارة وحوض تازربو والسرير، في الجنوب، وأيضا حوض زلة المحاذي جنوبا لموانئ النفط في الهلال النفطي، وسط شمال ليبيا.

يمتلك هؤلاء المرتزقة نفوذًا عسكريًا قويًا، ويضمنون لحفتر الوجود قريبًا من مواقع النفط ومن مواقع مهمة في الجفرة وسرت.

جدير بالذكر هنا أن فصائل الجنجويد على تنسيق مستمر متواصل مع مرتزقة شركة “فاغنر” للخدمات الأمنية الروسية. المرتزقة الروس يتخذون من قاعدة الجفرة الجوية منطلقًا رئيسًا لهم، لكنهم -في ذات الوقت- يتنقلون بين أكثر من موقع في الجنوب الليبي، كما أنهم يطلقون عمليات استطلاع أمنية بين الحين والآخر. 

 

خلاف مع حفتر..

 

العديد من المصادر كشفت أن عددًا من الفصائل المسلحة المرتزقة من جنوب الصحراء باتوا على خلاف مع حفتر إثر انقطاع التمويل عنهم، أو بسبب خلافات بينهم حول الأموال التي يتلقونها، ورجحت هذه المصادر بأن عدد المرتزقة لا يزيد عن 700 مسلح من السودانيين والتشاديين.

أهم هذه الفصائل هم بقايا تجمع “قوى تحرير السودان” الموجودة بالقرب من مرزق (أقصى جنوب ليبيا) ومحيط سبها (جنوب شرق ليبيا)، وكذلك فصائل من “جبهة الوفاق من أجل التغيير” التشادية المتمركزة في مناطق الجنوب الغربي بأم الأرانب وقريبا من جبال الهروج. 

الخبير الأمني الليبي، الصيد عبد الحفيظ، يرى أن “وضع حفتر المرتزقة والعناصر المتطرفة الإرهابية في سلة واحدة في عمليته العسكرية الحالية، يهدف إلى تورية الهدف الرئيسي منها، وهو التخلص من المرتزقة الخارجين عن سيطرته”. كما أوضح أن “الخطط الدولية الرامية إلى إنهاء الوجود الأجنبي في ليبيا ستبدأ بمقاتلي حركات التمرد الفارة من بلدانها، لأنها الحلقة الأضعف، قبل المضي إلى مرحلة ثانية تتعلق بالقوات الأجنبية التي تتبع دولا بعينها”. 

ولفت عبد الحفيظ موضحًا: “حفتر يدرك مراحل الخطط الدولية”، مرجحًا أن “دولة مثل الإمارات هي من تدعم العملية الحالية، لا سيما أنه بات واضحا تورطها في جلب المرتزقة الأفارقة إلى ليبيا”، لكنه استبعد في ذات الوقت أن يتحقق نجاح كبير لهذه الخطوة. 

ما ذهب إليه الخبير الأمني عبد الحفيظ هو نفس ما ذهب إليه الناشط السياسي من سبها معتز الحامدي، حيث يرى أن نشاط المرتزقة الأجانب في الجنوب أكبر وأوسع من قدرة حفتر على القضاء عليه أو تقويضه.

كما أكد الحامدي أنهم باتوا يستفيدون من الاتجار في البشر وتهريبهم عبر الحدود، بالإضافة إلى الاستفادة من التنقيب عن الذهب في جبال السوداء والهروج وتبستي.

 

 

مشكلة الملجأ..

 

المشكلة الحقيقة تكمن في أن هؤلاء المرتزقة لا يجدون ملجأً لهم، فدولهم ستمنعهم من العودة إليها بطبيعة الحال، وهو ما يعني أن إعادة توطينهم أو حتى تسكينهم في بلدانهم الأصلية ستكون بحاجة إلى عمليات حوار وتشاور، ترعاها دول ذات نفوذ عالي المستوى في إفريقيا، كفرنسا على سبيل المثال.

بدوره، يرى الحامدي أن “هدف حفتر هو التنصل من مسؤوليته في جلب المرتزقة، لكن القضية باتت معقدة جدا، فالمسلحون على علاقة بتغير ديمغرافي كبير يحدث في الجنوب الليبي، حيث يرتبط هؤلاء المسلحون من المرتزقة بقبائل لها امتداد في العمق الليبي والجوار الأفريقي، وانتقل مئات من أفرادها للاستقرار في الجنوب، ما يجعل عملية إخراجهم صعبة جدا”.

ويختم الناشط السياسي بالقول “خطوة حفتر متأخر جدا، وبات تورطه في هذا الملف كبيرا، خصوصا أن هناك مجموعات أفريقية أخرى لا تزال متحالفة معه وستخرج عن سيطرته في حال توقّف تمويله لها أو تغيّر موقفه منها”.

الخلاصة، رغم التقدم السياسي والمؤسساتي الكبير الذي شهدته ليبيا منذ تشكل حكومة الوحدة الوطنية الجديد في مارس/ آذار الماضي، إلا أن الشق العسكري والأمني لا يزال عائقًا كبيرًا يقف في وجه التقدم، فلا تزال ميليشيات حفتر منفصلة عن جيش الدولة الرسمي الشرعي حتى اللحظة، ولا تزال قوات المرتزقة الأجانب يرتعون في أرض ليبيا. ومعيار نجاح قمة برلين الثانية سيعتمد بشكل كبير على مدى النجاح في هذين البندين على وجه التحديد.