حين أقام رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، أحد أذرع محمد بن سلمان وأبرز رجالاته، مباراة ألعاب فيديو (بلاي ستيشن) في قصره بالرياض، كان لافتا ظهور حزمة غير مسبوقة من الفنانيين العرب ورموز الوسط الفني، ومن بينهم أسماء كبرى لطالما احتفظت لنفسها بموقع من التخفي عن وسائل الإعلام، كالنجم المصري عمرو دياب وغيره من الممثلين المصريين الذين حضروا تلك الأمسية دون سبب واضح لوجود فنانيين في سهرة ألعاب فيديو بمنزل آل الشيخ!

 

بدا واضحا إذن أن الدور المنوط من قِبل النظام السعودي بتركي آل الشيخ أكبر بكثير من مجرد رئاسية هيئة الترفيه أو قيادة حملة تغريب المجتمع السعودي ونشر المجون فيه بكل وسيلة ممكنة، إذ امتد دور تركي ليشمل الوسط الفني في البلدان العربية أيضا، ربما لاعتبارات الضرورة، حيث يشكل الفنانون وأبناء الوسط الفني عادة القوة الضاربة في نشر ثقافة الخروج على المحافظة الدينية التي لطالما صدرتها المملكة العربية السعودية عن نفسها باعتبارها حاضنة بيت الله الحرام وقبلة المسلمين.

 

ومع التحول العنيف في مزاجية النظام السعودي الذي قرر فجأة الانقلاب على ثوابت ماضيه، وإعادة تقديم نفسه للعالم الغربي كنظام تحرري منزوع الانتماء الإسلامي، وبهوية أوروبية علمانية معادية لرجال الدين، وكأنه موجود بالخطأ في المنطقة العربية، أو أنه الاستنساخ الأقرب للغريب الآخر في الشرق الأوسط، سارقة الأرض والتاريخ، وصاحبة العلاقات الوطيدة مع آل سعود، إسرائيل.

 

كان من البديهي إذن أن يحتاج نظام آل سعود للوسط الفني بوصفه العصا الضاربة في خطة التحول، وهو الدور الذي تم تكليف تركي به تحت لافتة رئاسة هيئة الترفيه، ذلك المجهول الذي ظهر فجأة على الساحة السياسية والثقافية السعودية ثم العربية، والمتوغل بشكل لافت كالأخطبوط في عدة مسارات رياضية وفنية وسياسية تشترك كلها في كونها بحاجة إلى شخص متجرد من المعايير الأخلاقية، وقادر فقط على تحقيق السيطرة على النخب بأي صورة ممكنة، وهو الدور الذي اضطلع به تركي بشكل احترافي على ما يبدو.

 

خلفيات تركي المجهولة، وغياب أي تاريخ له في عالم السياسية والفن والرياضة وحتى الأعمال، جعل ظهوره على الساحة السعودية مقترنا مع صعود محمد بن سلمان، ابن الملك ووارث عرشه، في حركة وُصفت بالانقلاب الأسري في القصر السعودي على الأمير محمد بن نايف، محط لفت الأنظار وإثارة للجدل. 

 

صعود تركي جاء مقترنا مع صعود شخصيات أخرى لا تقل مجهولية عنه، في مقدمتهم سعود القحطاني، مستشار بن سلمان وقائد ما يُعرف بالذباب الإلكتروني الرقمي الذي يسيطر من خلاله بن سلمان على منصات التواصل الاجتماعي، ويحكم عليها رقابته، ويتصيد خصومه ومعارضيه فيما يمكن وصفه بمحاكم التفتيش الرقمية، والتي كان ضحيتها مئات المعارضين في الداخل والخارج، فضلا عن دور تلك المجموعة من الذباب الإلكتروني في فرض “تريندات” مماشية لرغبات القصر السعودي وأجنداتهم السياسية والثقافية.

 

وإذا كان سعود القحطاني هو الذراع الأيمن لابن سلمان، فإن تركي آل الشيخ هو الذراع اليسرى الضاربة في باب السيطرة على النخب العربية، بالترهيب تارة، وبالتغريب أخرى. ترغيب بالمال السخي غير معلوم المصدر، وترهيب بالفضائح الجنسية وقطع التواصلات وحتى الاعتقال والتغييب خلف الشمس.

 

يعتمد تركي آل الشيخ في تنفيذ مهمته الأخطبوطية على سلسلة واسعة من العلاقات والتسهيلات التي منحها له النظام السعودي، وينصب عمله بشكل رئيس على المملكة العربية السعودية والجارة المصرية صاحبة الحضور الإعلامي الواسع، والتي يمكن القول إن السيطرة عليها يمهد للسيطرة على الوسط الإعلامي والفني العربي كله، وهو ما اعتمد ابن سلمان في تحقيقه على تركي آل الشيخ.

 

وأمام هذا “التكليف”، التقى تركي آل الشيخ، مؤخرًا بعدد من الفنانين والنجوم في الوطن العربي، منهم أنغام ووائل كفوري وغادة عادل، وعمرو دياب وأصالة وكريم عبد العزيز والمخرج مروان حامد والشاعر مدحت العدل والمنتج جمال العدل، دون الكشف نهائيا عن محتوى هذه المقابلات أو نتائجها.

 

لكن الأكثر إثارة للاستغراب، هو امتناع كثير من الفنانيين الذين التقوا بتركي آل الشيخ عن التعليق على محتوى هذه اللقاءات، فبل أيام، نشر آل الشيخ، صورًا عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “انستغرام”، مع عدد كبير من نجوم الفن والإعلام، منهم عمرو دياب، ويسرا، ونيللي كريم، وعمرو أديب، وغيرهم، لكن تعليقه لم يكشف عن كواليس أي من تلك الصور، كما أن الفنانيين أنفسهم لم يعلقوا على تلك المقابلة، مما يشي بأنه ربما لم يكن “محتواها” سعيدا بالنسبة لهم.

 

وسبق هذا اللقاء، لقاء تركي آل الشيخ بعدد من صناع الموسيقى في العالم العربي وهم: إيهاب عبدالواحد، وحسن الشافعي، وأحمد إبراهيم، ووليد شراقي، ومحمود خيامي، وأحمد زعيم، وشريف مكاوي، ووسام عبدالمنعم، وبلال سرور، ومحمد النادي، ورامي سمير، وأحمد علي موسى، وأحمد عبدالسلام في سلسلة جلسات عقدها أل الشيخ، في الأيام الماضية مع مجموعة كبيرة من صناع الموسيقى والفن، بهدف “وضع اللمسات على أعمال ومشاريع فنية ستبصر النور في الفترة المقبلة في مبادرة لدعم قطاع الإنتاج الدرامي العربي، لمناقشة سبل تسهيل المعوقات وتطوير الصناعة وتقديم كافة التسهيلات ودعم الإنتاج”.

 

وبشكل عام، فإنه من الواضح أن “مشغلي” تركي آل الشيخ قد اقتنعوا بفشله -وربما نجاحه- في السيطرة على الساحة الرياضية المصرية في مغامرته المثيرة للجدل في مصر مع أندية القمة فضلا عن نادي الأسيوطي الذي غيّر تركي اسمه إلى بيراميدز، ليتم إيكال مهمة السيطرة على النخب الفنية إليه، في انتظار أن تسفر تحركاته عن نتائج أكثر سلطوية لصالح النظام السعودي وحاكم قصره العتيد.