وقعت حركتا حماس وفتح اتفاقا للمصالحة الوطنية الفلسطينية خلال الأيام القليلة الماضية في القاهرة، بعد اجتماعات استمرت بضعة أيام لوضع الخطوط النهائية لهذا الاتفاق تمهيدا لبدء التنفيذ.

هذا الاتفاق كان له أصداء ترحيب واسعة في المنطقة العربية، إذ إن إنهاء الانقسام الداخلي وعودة الحكومة الفلسطينية لقطاع غزة، يمهد لإمكانية الدخول في مفاوضات مع إسرائيل لأجل إنهاء القضية الفلسطينية على مبدأ حل الدولتين.

ولكن المصالحة لم تكن جيدة في ذاتها للدفع باتجاه إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني فقط، وإنما تحقق مصالح دولية وإقليمية أخرى ترتبط بهذا الاتفاق، حتى في حالة عدم إنجاز مسألة حل الدولتين.

السعودية على سبيل المثال كان لها أهدافها الخاصة من إنجاز ملف المصالحة، إذ أنها بذلك حققت عدة مكاسب في آن واحد، من وحي هذا الاتفاق، فما هى هذه المكاسب؟.

علاقات متقلبة

قبل الشروع في الحديث عن مكاسب السعودية، يجب أولا التطرق إلى شكل العلاقات مع حركة حماس خلال الأعوام القليلة الماضية.

ظلت العلاقة بين الطرفين في أدنى مستوياتها خلال السنوات الماضية تحت عنوان عريض “لا دعم ولا رفض”، إذ أنه من غير الوارد تقديم أي دعم للحركة في ظل علاقاتها القوية مع إيران وحزب الله، أما الرفض فلم تتمكن المملكة من اتخاذ هذا الموقف لأنه سيعود عليها بنتائج سلبية عربيا لأنها بذلك تنحاز إلى الموقف الأمريكي والإسرائيلي.

إسماعيل هنية

 

الملك سلمان

أمريكا وإسرائيل يعتبران حركة حماس “إرهابية” لأنها تحمل السلاح، ولا تصنفها باعتبارها حركة مقاومة مثلما تتعامل الدول العربية.

التوترات بين السعودية وحماس برزت بشكل كبير عقب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين “إرهابية” بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013، وكانت الحركة محسوبة على الإخوان بل ونظمت تظاهرات تأييد لمرسي في غزة.

ومع تغير نظام الحكم في السعودية وتولي الملك سلمان بن عبد العزيز، بدا أن ثمة انفتاحا أكثر على حماس منذ عام 2015، مع تأكيدات سعودية أن الحركة ليست مصنفة إرهابية في المملكة، بما دفع إلى مزيد من التقارب تزامنا مع توتر بين إيران وحماس على خلفية الخلاف بشأن الأوضاع في سوريا.

إيران بالتأكيد تدعم تماما نظام بشار الأسد ودفعت بمقاتلين إلى هناك لدعم قواته في مواجهة فصائل المعارضة المسلحة، ولكن موقف حماس كان مغايرا لذلك.

سارعت إيران إلى حماس بعد التقارب مع السعودية في إطار خلاف أوسع على الولاءات، محاولة الوصول إلى نقاط مشتركة يمكن من خلالها إبقاء العلاقة بعيدا عن الوضع في سوريا.

وفد “حماس” مع مسؤولين إيرانيين

وبدا أن حماس تريد اللعب على الطرفين، إذ أنه عقب لقاء جمع خالد مشعل مع رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لا ريجاني في مارس 2015، لبت “حماس” دعوة رسمية لزيارة السعودية في يوليو من نفس العام.

وذلك قبل أن تنقلب السعودية مجددا على حماس بسبب التقارب مع إيران مجددا، وهو ما لم يكن على أهواء المملكة، إذ تشير بعض التسريبات إلى رغبة سعودية في قطع العلاقات مع إيران تماما.

وهو ما ظهر بوضوح من خلال “حشر” حماس –بحسب وصف الحركة- في أزمة قطع دول ( السعودية والإمارات والبحرين ومصر) العلاقات مع قطر، التي تستضيف مكتبا للحركة وكان محل إقامة مشعل وعدد من قيادات “حماس”.

3 مكاسب

“أثلجت صدور العرب والمسلمين”.. بهذه العبارة هنأ الملك سلمان بن عبد العزيز، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بتوقيع اتفاق المصالحة بين “حماس وفتح”.

اهتمام سعودي خاص بتفاصيل هذه المصالحة، ولكن الغريب في بيان الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك السعودي، عدم التطرق إلى ضرورة حل القضية الفلسطينية، ولكن تم الاكتفاء فقط بالحديث عن تمكين الحكومة في تقديم الخدمة للفلسطينيين.

وتحقق المملكة 3 مكاسب رئيسية في هذه المصالحة، وهى:

أولا: ضربة لإيران:

على الرغم من عدم التطرق بشكل واضح إلى مسألة التقارب الإيراني مع حماس خلال جلسات المصالحة الوطنية، إلا أن هذه الخطوة تقوض الدور الإيراني في فلسطين، لما يترتب على هذا الأمر من تقليم أظاهر حماس التي كانت تسيطر على قطاع غزة.

وكانت إيران تتمتع بنفوذ كبير في فلسطين من خلال “حماس”، كأحد الأدوار التي تقوم بها في الشرق الأوسط.

وستكون الحركة مضطرة إلى تخفيض العلاقات مع إيران لإبعاد الاتهامات عنها وعدم إثارة مصر وأمريكا والسعودية ضدها بما يشكل تهديدا على بقائها، خاصة أن أمريكا بدأت في التصعيد ضد طهران بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استراتيجية جديدة تصعيدية ضد إيران بسبب برنامجها النووي.

تصعيد ترامب ضد إيران بدأ مع القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض مايو الماضي، واتهامها بنشر الفوضى والعنف بالمنطقة، وسط ترحيب سعودي بالخطوات التصعيدية ضد طهران، ما يعني أن اتفاق المصالحة يقطع الطريق أمام إيران لممارسة نفوذ في المنطقة من بوابة حماس.

الأمير “تميم بن حمد”

 

ثانيا: محاصرة قطر:

وتتمثل أبرز مكاسب السعودية في تحجيم النفوذ القطري بالمنطقة من خلال قطع علاقاتها مع حماس، خاصة بعد الهجوم الشديد على الحركة في أعقاب الأزمة الخليجية.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير طالب الدوحة صراحة بوقف دعم حركة حماس كأحد شروط عودة العلاقات، فما كان من الحركة إلا الرد في بيان رسمي للتعبير عن “بالغ الأسف والاستهجان” من تصريحات الجبير لأنها تحرض عليها، مشيرة إلى أنها غريبة على مواقف المملكة العربية السعودية وتمثل صدمة للشعب الفلسطيني.

وبهذه المصالحة تبعد السعودية حماس تماما عن قطر، بعد الضغط الشديد على الحركة والاختيار بين الوقوف مع قطر أو دول الحصار.

وكان أداة السعودية في هذا المسار النظام المصري، الذي استقبل وفدا من حماس خلال الأزمة الخليجية في مطلع يونيو الماضي، ومن بعدها تحسنت بشدة العلاقات بين مصر وحماس لدرجة استجابة الأخيرة لكل مطالب القاهرة.

ثالثا: التطبيع مع إسرائيل:

وأخيرا فإن أحد المكاسب الأساسية والذي يظل خفيا بعض الشيء، هو رغبة السعودية الأكيدة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكن هذا الأمر لن يكون سهلا في ظل التوترات بفلسطين.

“نتنياهو” و “بن سلمان”

وبالتالي فإن إتمام المصالحة والدخول في مفاوضات مع إسرائيل، يسهل من عمليات التقارب العلني رويدا رويدا خلال الفترة المقبلة.

وبدأ التطبيع بين السعودية وإسرائيل من خلال تنازل السيسي عن جزيرتي “تيران وصنافير” للمملكة بما يعني أنها باتت جزءا من اتفاق السلام وضرورة وجود علاقات رسمية على مستوى التنسيق بشأن الملاحق الأمنية من الاتفاقية.

كما زار اللواء السابق أنور عشقي الأراضي المحتلة والتقى مسؤولين إسرائيليين، فضلا عن زيارة سرية قام بها أمير سعودي، يعتقد أنه ولي العهد محمد بن سلمان.