منذ أن تدخلت الإمارات على الساحة اليمنية، ظهر أنها تعمل لمصالحها الخاصة بعيدًا عن الهدف الأساسي التي أعلنت دخولها من أجله، وهو محاربة جماعة الحوثي التي انقلبت على الشرعية في اليمن. فقد اكتسب التدخل الإماراتي في اليمن شرعيته في الأساس من تلك النقطة. وهي إعادة الشرعية اليمنية ودحر الانقلاب الحوثي. 

لكن كعادة الإمارات في الانقلابات، انقلبت على هذا الهدف الرئيسي الذي هو مسوغ وجودها في الأراضي اليمنية، وبدأت في مشروع تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب، عبر دعمها لميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي. وبذلك قامت الإمارات بتشتيت جهود مناهضي الحوثيين، ما أفاد الجماعة الانقلابية ومكنها من استمرار سيطرتها على مناطق عدة في اليمن، أهمها العاصمة صنعاء.

لكن من الواضح أن طموح الإمارات لا يتضمن فقط الانفصال بجنوب اليمن، بل ترغب كذلك في السيطرة على بعض الجزر اليمنية لأسباب مختلفة. حيث إن النظام الإماراتي مهتم للغاية بإنشاء قاعدة تجسس في جزيرة سقطرى اليمنية التي تقع بالقرب من خليج عدن في بحر العرب، بالتنسيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. هذا بجانب تركيزه على زيادة نفوذه على مضيق باب المندب لعقود.

 

السيطرة على جزيرة ميون

وكانت وكالة “أسوشيتد برس” قد نشرت تقريرًا مؤخرًا يفيد ضمنًا بأن جزيرة ميون، التي هي على بعد حوالي 3.5 كيلومتر (2 ميل) من الحافة الجنوبية الغربية لليمن، تقع تحت الاحتلال الإماراتي. حيث قالت الوكالة إن هناك عملًا جاريًا في الجزيرة منذ فبراير/ شباط الماضي، ودللت “أسوشيتد برس” على ذلك بإرفاقها صورًا التقطتها الأقمار الصناعية مؤخرًا، والتي أظهرت بناء مدرج جديد بطول 1.85 كيلومتر، سيكون كافيًا لتنفيذد هجمات ولأغراض المراقبة ولخدمة طائرات النقل.

لم تصرح الوكالة بالوجود الإماراتي رغم أن مثل هذه الأفعال في الوقت الحالي لا تصدر إلا عن الإمارات. لكن ما أكد أن للإمارات يدًا في التطورات على جزيرة ميون هو تصريح أدلى به “طارق صالح”، ابن شقيق الرئيس اليمني المخلوع، قال فيه إن مقاتليه المدعومين من الإمارات كانوا متمركزين في جزيرة في منطقة بحرية مهمة. هذا بالتزامن مع رصد سفينتين إماراتيتين على الأقل في طريقهما إلى جزيرة ميون.

 

لماذا جزيرة ميون بالذات؟

وبالطبع، فإن الجزيرة لها ما يميزها عن باقي الأراضي اليمنية، لذا ركزت الإمارات على احتلالها في الفترة الأخيرة، حيث إنها تطل على مضيق باب المندب، أحد أكثر الطرق البحرية ازدحامًا في العالم، وهو ضروري لحركة التجارة والطاقة. وقد استغلت القوى العظمى موقع الجزيرة الاستراتيجي على مدار قرون، خاصة بعد افتتاح قناة السويس.

كذلك تعد الجزيرة اليمنية نائية جغرافيًا ومعزولة عن الصراع الرئيسي في اليمن، وعدد سكانها ضئيل للغاية، وتقع مباشرة على باب المندب، الأمر الذي سيسمح للإمارات بمراقبة باب المندب ونشاط التهريب البحري الإيراني حول اليمن والقرن الأفريقي دون الانجرار مرة أخرى إلى الصراع.

 

غضب يمني واسع من الإمارات

هذا الاستغلال الواضح لجزيرة يمنية من قِبل الإمارات أثار غضب اليمنيين على مستوى الحكومة والشعب، حيث قال رئيس الحكومة معين عبد الملك، إنه وجه الجهات ذات الصلة بالتحقق من قضية إنشاء القاعدة ورفع تقرير تفصيلي، على أن تتم موافاة مجلس النواب به. ومن جانبه، غرد نائب رئيس البرلمان عبد العزيز جباري، قائلًا إن “السكوت عما يجري في جزيرة ميون من قبل الإمارات تفريط بسيادة اليمن”، وأضاف مخاطبًا الحكومة: “من فرط في سيادة بلده سقطت شرعيته”.

كما شن وكيل وزارة الإعلام اليمنية، محمد قيزان، هجومًا على الإمارات، قائلًا إن “التقارير المحلية للجهات المختصة تؤكد وجود أنشطة مريبة للإمارات في جزيرة ميون”، وأضاف أن “هذه الأعمال تمس السيادة اليمنية وتخالف ادعاءات الإمارات بأنها انسحبت رسميا من اليمن”، مؤكدًا أنه “مهما كانت المبررات بوجود أعمال إنشائية أو استحداثات فنية أو هندسية أو عسكرية في جزيرتي ‎سقطرى أو ‎ميون لمواجهة العدو الحوثي، فذلك غير مقبول، فهي تمس السيادة اليمنية، ولن يقبل بها أي يمني”.

حتى إن جماعة الحوثي هاجمت احتلال الجزيرة، قائلة إن “قوات الاحتلال الإماراتية تقوم بممارسات غير قانونية ومحاولات يائسة لفرض أمر واقع في عدد من الجزر والأراضي اليمنية”، مشددة على أن “ما تقوم به سلطات الإمارات حاليًا في أرخبيل سقطرى وفي جزيرة ميون أمر لا يمكن السكوت عنه، ومخالف للقانون الدولي”.

 

تجاهل إماراتي للمطالب اليمنية

ورغم هذا الإجماع اليمني على أن ما تقوم به الإمارات هو احتلال وسرقة للأراضي اليمنية في وضح النهار، لم تصرح الإمارات بأي شيء حول هذه الاتهامات. حتى أنها لم تنف التهمة عن نفسها، ولا حاولت إثبات خطأ التقارير التي تتهمها بالاستيلاء على جزيرة ميون. لكن هناك تصريحًا واحدًا على لسان مصدر مسؤول في التحالف العربي، نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، قاله فيه المصدر: “لا صحة للأنباء عن وجود قوات لدولة الإمارات في جزيرتي سقطرى وميون”.

وأضاف أن “ما يوجد من تجهيزات في ميون هي تحت سيطرة قيادة التحالف، وتخدم تمكين قوات الحكومة اليمنية، وتأمين الملاحة البحرية، وإسناد قوات الساحل الغربي”. كما أكد المصدر أن “الجهد الإماراتي الحالي يتركز مع قوات التحالف في التصدي جوًا للمليشيات الحوثية في الدفاع عن مأرب”.

لكن الغريب هو أن الإمارات لم تعد جزءًا من التحالف العربي لدعم الشرعية، منذ إعلانها الانسحاب منه، عقب وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. ما يعني أن التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء السعودية غير صحيحة.

وتحت كل الظروف فإنه من الواضح أن الإمارات تستغل ضعف الدولة اليمنية حاليًا لتغير في جغرافيا المنطقة لصالحها، بسيطرتها على مواقع جوهرية على التراب اليمني.