كنتيجة لسوء إدارة ملف سد النهضة مِن قِبل نظام قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، بدأت إثيوبيا رسميًا الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي. حيث ذكر وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي أنه تلقى خطابًا رسميًا من نظيره الإثيوبي يفيد بأن إثيوبيا بدأت الملء الثاني لخزان سد النهضة.
وبعدها قام النظام المصري برد روتيني، حيث أبلغ نظيره الإثيوبي في خطاب رسمي “برفض مصر القاطع لهذا الإجراء الأحادي الذي يعد خرقًا صريحًا وخطيرًا لاتفاق إعلان المبادئ وسيؤدي إلى وضع خطير يهدد الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
كما أصدرت وزارة الخارجية بيانًا جاء فيه أن مضي أديس أبابا في خططها يعد “تطورًا خطيرًا ويكشف مجددًا عن سوء نية إثيوبيا وإصرارها على اتخاذ إجراءات أحادية لفرض الأمر الواقع”. كما أوضح البيان أن وزير الخارجية المصري سامح شكري التقى بنظيرته السودانية مريم الصادق المهدي في نيويورك حيث اتفقا “على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم قانونًا حول ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوق دولتي المصب من أضرار هذا المشروع على مصر والسودان”.
كذلك من المفترض أن يعقد مجلس الأمن الدولي الخميس جلسة حول السدّ، وبالطبع فإن مصر هي الطرف الساعي لعقد هذه الجلسة، بسبب التعنت الإثيوبي المستمر، وامتناعها عن التوقيع على اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة. لكن السؤال هنا، هل ما تقوم به مصر كافٍ؟ وهل تنسحب مصر من اتفاق مبادئ سد النهضة الموقع عام 2015، والذي تعتمد عليه إثيوبيا كمرجع قانوني يمكّنها من بناء السد؟
كوارث قانونية في اتفاق المبادئ
يعد مطلب الانسحاب من اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي مع كل من السودان وإثيوبيا مطلبًا أساسيًا لدى خبراء عديدين من مصر والسودان. فقد حذر هؤلاء الخبراء منذ البداية من المبدأ الخامس من الاتفاق، والذي يتحدث عن التعاون في الملء الأول وإدارة السد، حيث يكتفي بالنص على التشارك في وضع “الخطوط الإرشادية والقواعد” دون تفاصيل التشغيل، ويجيز لإثيوبيا إعادة ضبط سياسة التشغيل من وقت لآخر، بشرط “إخطار” وليس أخذ رأي أو استئذان مصر والسودان.
وبالفعل، استغلت أديس أبابا هذا البند واستندت عليه في شرعنة بنائها للسد، لتبرر لنفسها وللعالم أن القواعد التي يجب الاتفاق عليها لا يمكن اعتبارها ملزمة قانونيًا بأي حال من الأحوال، لأنها موصوفة في الاتفاق بأنها “استرشادية”، هذا فضلًا عن كونها غير مقتصرة على خطة واحدة يجب اتباعها، لأن نص الاتفاق يقول: “ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد”.
كذلك، فإن البند نفسه فيه نص آخر يمكّن إثيوبيا من التهرب من الاتفاق، فهو يتحدث عن “الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة، والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد”، الأمر الذي اعتبرته إثيوبيا سندًا قانونيًا لتقوم بالملء الأول والثاني بالفعل بالتوازي مع المناقشات، طالما أن السد لم يكتمل بناؤه، وأخطرت بذلك مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي. ولذلك صرح وزير الطاقة والمياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي أن بلاده تنفذ المبدأ الخامس من الاتفاق “بالحرف الواحد”.
هل تنسحب مصر من الاتفاق؟
بعد أن أعلنت إثيوبيا البدء في الملء الثاني لسد النهضة بشكل رسمي، عاد الحديث عن وجوب الانسحاب من اتفاق المبادئ، حتى تسحب مصر والسودان الذريعة القانونية التي تستغلها إثيوبيا. لكن الحديث حول هذا الانسحاب ما زال في دائرة الخبراء والمتابعين فقط. ولم تبدِ القاهرة أي إشارة حتى الآن على نيتها الانسحاب من الاتفاق.
إلا إشارة وحيدة وغير رسمية تناقلتها بعض المواقع حول أن الانسحاب من اتفاق المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، ربما سيكون التحرك المصري الأول، في حال فشَل جلسة مجلس الأمن المقررة يوم الخميس. حيث نُقل عن مصادر دبلوماسية مصرية أن مصر والسودان عادتا للتباحث خلال الساعات الماضية حول الانسحاب الفردي، أو الثنائي، من اتفاق المبادئ.
وأضافت المصادر أن مسؤولين الدبلوماسيين والاستخباراتيين في القاهرة والخرطوم ناقشوا مقترح الانسحاب، بحيث يكون في صورة إعلان ثنائي منهما، أو أن تسبق دولة الأخرى إلى ذلك كنوع من التنسيق التكتيكي بينهما، موضحة أنه “في حالة انقضاء اتفاق المبادئ، والذي لم يتحول إلى التزام قانوني في أي من الدول الثلاث، نظرًا لعدم تصديق المجالس التشريعية بها عليه، فلن يتبقى أمام الأمم المتحدة في مجال مراقبة العلاقة المتردية بين إثيوبيا ودولتي المصب، إلا نصوص واضحة في المعاهدات الثنائية المنظمة لعلاقاتها بهما، تحظر بوضوح التصرفات الإثيوبية الحالية”.
العودة لاتفاق 1993
وفي حال انسحبت مصر من اتفاق المبادئ، فإن الوضع القانوني سيعود ليُبنى على اتفاق التعاون العام بين مصر وإثيوبيا المبرم في يوليو/تموز 1993 بين الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك ورئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي. ويعد هذا الاتفاق في الصالح المصري، حيث ينص بصورة واضحة على “الامتناع عن الإقدام على أي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يؤدي إلى إحداث ضرر ملموس بمصالح الطرف الآخر”، ويلتزم البَلدان بموجبه بأن ينشئا آلية دورية للتشاور والتعاون.
وقد يلجأ نظام السيسي بالفعل إلى الانسحاب من اتفاق المبادئ، رغم أنه لا يرغب في ذلك. وقد صرح في السابق وزير الخارجية بأن مصر لا تنسحب من اتفاقيات أبرمتها بإرادتها الحرة ولا تدخل في اتفاقيات إلا إذا كانت في صالحها وهو أمر مفروغ منه. وذلك لأن التعنت الإثيوبي يهدد وجود مصر كدولة مستقرة، ويهدد النظام المصري بالتأكيد.
ورغم أن الانسحاب الفوري من اتفاق المبادئ هو الخطوة الأولى الصحيحة التي يجب اتخاذها، إلا أنه من الصعب القول إن هذه الخطوة كافية لحل مسألة السد بشكل مستدام.
اضف تعليقا