نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا عن أزمة “سد النهضة” بين السودان ومصر من جهة وإثيوبيا من الجهة الأخرى، هذا النزاع الذي يهدد بزعزعة استقرار القرن الأفريقي ومن المقرر أن يناقشه مجلس الأمن الدولي.

وفي بداية التقرير نقلت الصحيفة عن المهندس عزت صديق، المسئول عن سد الروصيرص الواقع بجنوب شرق السودان على النيل الأزرق القول: “يعتبر هذا السد أحد أعمدة اقتصادنا”.

ويضيف هذا لمهندس وهو متكئا على سور السد، الذي يبلغ ارتفاعه 78 مترًا وبُني في الستينيات ومحمي ببطاريات الدفاع الجوي ” أكثر من 20 مليون سوداني يعتمدون على الكهرباء التي يتم إنتاجها هنا وعلى المياه التي نخزنها هناك للمشاريع الزراعية أو محطات ضخ مياه الشرب حتى الخرطوم”.

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنه في اتجاه المصب، يواصل النيل الأزرق مساره شمالًا، حيث تقع أعلى المنبع بحيرة ضخمة بسعة 7 مليار متر مكعب. 

وتابعت على بُعد أكثر من مائة كيلو متر فقط، يوجد عملاق آخر للطاقة الكهرومائية، وهو سد النهضة الإثيوبي، لكن لا مقارنة بين السدين فالأخير ارتفاعه ضعف الروصيرص، وسعته التخزينية من المياه عشرة أضعاف.

 

“نحن إلى المجهول”

وتوضح “لوموند” أن خزان سد النهضة الإثيوبي يقع على بعد 15 كيلومترًا من الحدود السودانية، وسيكون ضعف حجم مدينة باريس الكبرى، ويغطي مساحة قدرها 1874 كيلومترًا مربعًا.

وقال عبد الله عبد الرحمن، مدير سد الروصيرص للصحيفة “سيكون هناك 74 مليار متر مكعب من المياه مخزنة على بعد مائة كيلومتر من هنا ولا ندري كم سيصل إلينا من المياه ولا في أي وقت”.

وأضاف “لا يُعرف مقدار الكهرباء التي يريد الإثيوبيون توليدها، ليس لدينا معلومات سوى ما نقرأه في الصحف، نحن إلى المجهول”.

 

ووفقا لـ “لوموند” منذ عام 2011، بدء بناء ما سيصبح قريبًا أقوى سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في القارة السمراء، كما أنه سبب نزاع ثلاثي يهدد بزعزعة استقرار القرن الأفريقي.

ومن خلال استثمار أكثر من 4.6 مليار دولار (ما يقرب من 4 مليارات يورو) في هذا المشروع، جعلت إثيوبيا منه حجر الزاوية في تطورها، قائلة إنه سيوفر الكهرباء لثلثي سكانها البالغ عددهم 115 مليون نسمة.

وبينما لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، تخشى مصر من هذا السد وتأثيره على المياه الواصلة إليها، إذ تعتمد البلاد بنسبة 90٪ على موارد المياه من نهر النيل، كما أن السودان، المحاصر بين هاتين القوتين الإقليميتين، قلق الآن على أمن منشآته. 

ووصلت المفاوضات بين الجهات الثلاثة إلى طريق مسدود، ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن الدولي الخميس 8 يوليو/ تموز؛ لبحث القضية بناء على طلب القاهرة والخرطوم. 

وأعلنت العاصمتان، بدعم من جامعة الدول العربية، الاثنين الماضي، تلقيهما معلومات تشير إلى بدء إثيوبيا التعبئة الثانية، وهما يرفضان أي “إجراء أحادي الجانب” في “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.

ولم تؤكد إثيوبيا المليء الثاني، لكنها ألمحت إلى أنه على الرغم من المخاوف الإقليمية، ستملأ 13.5 مليار متر مكعب إضافية من المياه بين يوليو/ تموز وأغسطس/ آب المقبل.

 

“التعاون بين الجيران أمر حيوي”

وتنوه الصحيفة الفرنسية إلى أنه أمام الأمر الواقع، اتخذ السودان إجراءات احترازية، إذ قال عبد الله عبد الرحمن “في موسم الفيضان نفتح البوابات للسماح لجميع مياه الأمطار بالمرور في اتجاه مجرى النهر، لكن هذا العام، سمحنا بمرور كميات أقل من المياه”.

وبين أنه “تم تخزين أكثر من مليار متر مكعب من المياه الإضافية في الروصيرص للتعامل مع أي احتمال”، مشيرا إلى وجود عجز في إنتاج الطاقة الكهرومائية في البلاد، حيث يواجه السودانيون انقطاعًا مستمرًا في التيار الكهربائي.

ويوضح أيضا أن السودان في حاجة إلى احتجاز كمية كافية من المياه، خوفا من حدوث جفاف بعد ذلك، لكن ليس كثيرًا أيضًا، لأننا قد نشعر بالارتباك إذا قرر الإثيوبيون فتح السد فجأة.

وتُذكر السلطات السودانية بحادثة يوليو/ تموز 2020، عندما شرعت إثيوبيا دون سابق إنذار في المرحلة الأولى من ملء خزانها، فبين عشية وضحاها، انخفض مستوى النيل الأزرق، مما أثر على إنتاج المصب وتسبب في نقص المياه لمدة ثلاثة أيام في العاصمة الخرطوم.

غير أنه بعد شهر واحد، شهد السودان فيضانات غير مسبوقة، أودت بحياة حوالي 100 شخص ودمرت أو ألحقت أضرارًا بأكثر من 100000 منزل. 

ويقول مصطفى الزبير، مدير اللجنة الفنية لإدارة المياه وعضو فريق التفاوض السوداني ” كان من الممكن، بل كان ينبغي، تجنبها بالتنسيق والحوار، كان بإمكان الإثيوبيين إنقاذنا إذا درجوا التعبئة الأولى”.

وشدد على أن “التعاون بين الجيران أمر حيوي” قبل أن يذكر أنه منذ بدء المفاوضات “وقف السودان دائمًا في صالح بناء السد الإثيوبي”.

وتنوه الصحيفة بأن أن الخرطوم إن كانت تخشى الآن على أمنها، فإنها ترى أيضا في سد النهضة فرصة طويلة الأجل لتوليد الكهرباء الرخيصة، وكذلك للسيطرة على مواردها المائية، فالتحكم في تدفق النيل من شأنه أن يمنع الفيضانات الهائلة ويوسع مشروعات الزراعة المروية التي تجعل الإنتاج سنويا بدلاً من كونه موسمي.

من جهته يقول عزت طاهر، الباحث في مؤسسة الجزيرة للبحوث الزراعية، وهي منطقة مكرسة بالكامل للمحاصيل المروية: “إن سد النهضة سيفيد الزراعة السودانية”.

ووفقًا لهذا المهندس الزراعي، بعد الملء، يجب أن يستقر تدفق المياه الناتج عن السد والسماح للمزارعين في المصب بتخطيط محاصيلهم بشكل أفضل. 

ويتابع “لدينا المزيد لنكسبه من وراء هذا السد”، مع الاعتراف بأنه على المدى الطويل، إذا انحسر الفيضان، ستفقد السهول السودانية على طول النيل الأزرق خصوبتها.

وإذا كان سد النهضة يمكن أن يفيد الاقتصاد السوداني، إلا أن الخرطوم تريد اتفاقًا ملزمًا لوضع أحكام فنية معينة، إذ يقول وزير الري السوداني ياسر عباس، الذي أعلن أن بلاده مستعدة لتوقيع اتفاق جزئي، بما في ذلك البنود التي تمت مناقشتها بالفعل “من الضروري الحصول على معلومات هيدرولوجية من المنبع لتشغيل منشآتنا بأمان” لكن إثيوبيا ترفض.

 

مشكلة سياسية في المقام الأول

وبحسب ياسر عباس، تمت تسوية 90٪ من الخلافات الفنية خلال المفاوضات، وأكد الوزير على هامش مؤتمر صحفي أن التسييس المفرط للقضية يعقد المهمة ويدفعنا بعيدا عن إيجاد حل” نافيا أي خيار لاستخدام القوة”.

ورغم تأكيد الوزير على أن “السودان لن يستخدم إلا الوسائل السلمية والقانونية والدبلوماسية” في غضون بضعة أشهر فقط، تحول خطاب الخرطوم من التصالحي إلى لهجة أكثر هجومية.

وترى “لوموند” أن المواجهة العسكرية المباشرة لا تزال تتصاعد على الحدود الإثيوبية، فالبلدان بينهما نزاع على منطقة الفشقة للسيطرة على 250 كيلومترا مربعا من الأراضي الخصبة المحصورة بين نهري ستيت وعطبرة. 

بالنسبة للخرطوم، الفشقة جزء لا يتجزأ من أراضيها، وفق ترسيم أقيم في ظل الاستعمار البريطاني، لكن على مدى العقدين الماضيين، سُمح لآلاف المزارعين الإثيوبيين بالاستقرار هناك، وحافظت إثيوبيا على وجود عسكري بحكم الأمر الواقع من خلال ميليشيات أمهرة.

بيد أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2020، استغلت الخرطوم الصراع في إقليم تيجراي لإرسال جيشها لاستعادة هذه المنطقة، بعد أن سارعت مليشيات أمهرة في مساعدة الجيش الفيدرالي الإثيوبي لمحاربة منشقين عن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. 

وواجهت العملية السودانية تدريجياً مقاومة متزايدة من الميليشيات المدعومة بقوات نظامية في أديس أبابا، وأودت المناوشات المتكررة بحياة أكثر من 20 شخصا منذ ديسمبر/ كانون الأول.

وفيما تصر الحكومة السودانية على فصل هذه الأزمة الحدودية عن المناقشات حول سد النهضة، استخدم الجيش السوداني استعادة الفشقة على نطاق واسع لتثبيت مكانته في الحكومة الانتقالية، وأيضًا “وسيلة لزيادة الضغط على إثيوبيا من خلال الحصول على ورقة ضغط في المفاوضات بشأن سد النهضة”، من وجهة نظر جوناس أورنر، المتخصص في القرن الأفريقي بمجموعة الأزمات الدولية.

 

ليست المخاوف نفسها

لكن يبدو أن الخطاب الأكثر عدوانية الذي تتبناه الخرطوم يعود للعسكر في السودان، فبينما ينظر المدنيون في السلطة الانتقالية بعين الريبية إلى التقارب مع القاهرة، تبدو العلاقات بين البلدين بحالة جيدة.

ففي مايو/ أيار الماضي، بدأ الجيشان مناورات مشتركة على الأراضي السودانية، والعملية التي أطلق عليها اسم “حراس النيل” تبعث برسالة واضحة إلى أديس أبابا، كما ووقع الجيشان، في 25 يونيو/ حزيران، اتفاقية تعاون عسكري جديدة. 

ويعلق جوناس أورنر بالقول: لقد أخطأ رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عندما سمح للخرطوم بتغيير موقفها. كان ينبغي أن يعطي الأولوية لعلاقته مع نظيره، عبد الله حمدوك، لكنه فوت كل فرصة للقيام بذلك.

وتقول “لوموند” إذا كان السودان حاليا متوافق مع مصر بشأن الأزمة، فالبلدان لا يشتركان في نفس المخاوف، فبحسب مصطفى الزبير “على عكس جارتنا في الشمال، التي يمكن أن تستفيد لسنوات من مخزون المياه في أسوان، نحن في الخطوط الأمامية”.

ويضيف “كان من الممكن أن نوقع اتفاقية ثنائية مع أديس أبابا منذ فترة طويلة، لكننا رفضنا لأننا نعتقد أن الحل يجب أن يكون إقليميًا” لكن الآن توقفت المحادثات”.

ويختتم الزبير تصريحاته بالقول ” قبل عام، كنا على وشك توقيع اتفاقية. اليوم نحن نسير في الاتجاه الخاطئ، الثقة محطمة “.

وقبيل اجتماع مجلس الأمن تأمل الخرطوم التفاوض في ضم وسطاء دوليين جدد، مثل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي. 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا