عاش مجرم الحرب الليبي، خليفة حفتر، أيامًا عصيبة بعد التدخل التركي في ليبيا، حيث قلبت تركيا كل موازين الحرب لصالح حكومة الوفاق المعترف بها شرعيًا، وطردت قوات حفتر من كامل الغرب الليبي، وصدت عدوانه على العاصمة طرابلس. وبعد أن انحسرت قوات حفتر في الشرق، وحصل نوع من توازن القوى بين الفاعلين على الأراضي الليبية، بدأت العملية السياسية في ليبيا، وجاءت حكومة جديدة لليبيا هي أقرب إلى الشعب الليبي وثورته منه إلى الانقلابيين ومشروعهم الدموي.
لكن في أثناء ذلك، ما زال حفتر يريد أن يضمن لنفسه موضع قدم في مستقبل ليبيا، ولذلك فإنه يقوم من حين لآخر بعرقلة مهام حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، ويقوم بأفعال تثبت أنه لا يأتمر بأمر الحكومة الشرعية. من ذلك على سبيل المثال، إلغاء رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في 25 أبريل/نيسان 2021، زيارته إلى مدينة بنغازي، إثر منع ميليشيات حفتر هبوط طائرة تحمل أفراد الحماية والمراسم التابعين للحكومة.
كما تعمد حفتر إجراء استعراض عسكري في مدينة بنغازي، دون تنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية. واعترض عليه عبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، قائلًا “إن المجلس شدد مرارًا وتكرارًا على تجنب القيام بأي تصرفات أحادية ذات طابع عسكري من أي طرف، ومن بينها المناورات والتحركات الميدانية والتصريحات الصحفية من العسكريين، والاستعراضات العسكرية التي قد تؤدي إلى نشوب الحرب مجددًا”
كذلك قام حفتر بخطوة أخرى اعتبرت تعديًا على الصلاحيات الدستورية للإدارة الليبية الجديدة، حيث قرر إغلاق الحدود مع الجزائر، واعتبرها “منطقة عسكرية”، تحت ادعاء شن عملية عسكرية لملاحقة من وصفهم بـ”الإرهابيين التكفيريين” وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة.
تهديد حفتر باقتحام طرابلس
لكن ربما تكون الإشارة الأخطر على تمرد حفتر، ورغبته في تخريب المسار السياسي القائم هو ما نقله عنه الإعلامي الداعم له محمود المصراتي، حين صرح أن حفتر قال: “إن لم نصل لحل، فإن قواتكم المسلحة (مليشيات حفتر) مستعدة مرة أخرى لتحرير العاصمة”. تصريحات حفتر جاءت في لقاء عقده معه المصراتي مؤخرًا، حيث قال مدعيًا: “نزلنا عند رغبة الأصدقاء و الحلفاء و سنذهب في الحل السياسي حتى النهاية المرسومة في خارطة الطريق و هي الانتخابات و إن لم نصل لحل فأن قواتكم المسلحة مستعدة مرة أخرى لتحرير العاصمة من المليشيات و المجرمين”.
وبالطبع، فإن الحل السياسي في نظر مجرم حرب قتل وشرد عشرات الآلاف من أبناء الشعب الليبي هو ذلك الذي يوصله إلى كرسي الرئاسة دون قتال، وإلا فالخيار العسكري الأكثر تفضيلًا رغم هزيمته القاسية على أسوار طرابلس بعد 14 شهرًا من القتال والحصار. وكما أسلفنا، فإن هناك إشارات أخرى على نية حفتر التمرد، ورغم أن التصريح الأخير خطير جدًا، إلا أنه يعد التطور الطبيعي لتحركاته وتصريحاته السابقة.
هل بإمكان حفتر تنفيذ تهديده؟
من الأكيد أن الحلم الذي يراود حفتر منذ سنوات لن يتحقق إلا إذا أحكم سيطرته على العاصمة طرابلس، ولذلك فإنه من الصعب أن يتخلى عن هذا الهدف، لأنه بتخليه عنه يكون قد انتهى دوره في ليبيا. ولكن السؤال هنا: هل في وسع حفتر حاليًا أن يشن حربًا على العاصمة؟
وفق المعطيات والظروف الحالية يمكن القول إنه من الصعب أن يقوم حفتر بمثل هذا التصرف حاليًا، لأنه كل الظروف ضده من هذا الجانب. فبداية، يختلف وضع قوات الجيش في الغرب الليبي حاليًا مقارنة بحاله منذ سنتين مثلًا، قبل دخول القوات التركية كطرف داعم للحكومة الشرعية. حيث إن معطيات القوة المسلحة تشي بأن حفتر في هذا الوقت كان يمتلك قوات أكبر من حيث العدد والعدة، ودعم مصري إماراتي سعودي فرنسي واسع، في مقابل، حكومة الوفاق التي كانت محاصرة، وليس لها حلفاء دوليين يدعمونها في الحرب.
ومع ذلك لم يستطع حفتر اقتحام العاصمة، وصمدت قوات الحكومة الشرعية أشهرًا عديدة قبل أن تتدخل تركيا وتقلب معادلة النزاع تمامًا. ثم جاء التدخل التركي ليخسر حفتر بعدها جزءًا من قواته، حيث قدر المتحدث باسمه، أحمد المسماري، الخسائر بنحو 7 آلاف قتيل، بينما وعد حفتر بتخصيص 20 ألف سكن لأسر القتلى والجرحى من مليشياته.
تطور قوة الجيش الليبي خلال سنتين
أما الآن، فيستقبل الجيش الليبي الشرعي تدريبًا ودعمًا لوجستيًا من تركيا منذ حوالي سنتين. وهناك ضباط أتراك في ليبيا يدربون أفراد الجيش الليبي في مختلف مجالات الحرب، ولذلك فإنه إن كان الجيش الليبي قد صمد أمام الانقلابي حفتر أثناء محاولته اقتحام العاصمة قبل سنتين، فإنه الآن أقدر على ذلك. بل ربما تتحول الأمور لما هو أبعد من ذلك ويبدأ الجيش في التحرك نحو الشرق الذي يسيطر عليه حفتر.
والسبب الثاني متعلق بتركيا أيضًا، فحتى الآن هناك اتفاقية عسكرية بين تركيا وليبيا، بموجبها تتواجد قوات تركية هناك، وهذه القوات وإن كان قليل عددها، إلا أنها مؤثرة وبإمكانها قلب موازين أي حرب قادمة نظرًا لما تتمتع به من تسليح، ومن كفاءة قتالية عالية. ولذلك، سيفكر حفتر كثيرًا قبل أن يتخذ قراره بمعاودة اقتحام العاصمة.
والسبب الثالث هو المجتمع الدولي الراغب الآن في التهدئة في ليبيا، وآخر ذلك الجزائر التي دخلت مؤخرًا ضمن القوى الدولية والإقليمية الرافضة لاستيلاء حفتر على السلطة بالقوة، ما يجعل مهمة حفتر شبه مستحيلة، بل ومغامرة جديدة نحو المجهول.
وعلى هذا، فإنه من المرجح عدم امتلاك حفتر القوة التي تمكنه من معاودة هجومه على العاصمة، لكن يبدو أنه سيظل يناور سياسيًا وعسكريًا في انتظار ثغرة يستغلها للوصول إلى السلطة بعد تغير التحالفات الدولية والمحلية لصالحه.
اضف تعليقا