في تصرف ظهر غريبًا للبعض، أبدى رئيس التيار الوطني الحر في لبنان، النائب جبران باسيل، مرونة فيما يتعلق باستكمال رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري، في تشكيل حكومته. ففي وقت بات فيه الحريري أقرب إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة، خرج باسيل في الإعلام مصرحًا أن اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة هو “خسارة بالنسبة إلينا وليس ربحًا كما يعتبر البعض، بل نحن أكثر الخاسرين، ويحزننا جدًا أن يعتذر”.
وأضاف باسيل، الذي هو كذلك صهر الرئيس اللبناني ميشال عون: “نحن قمنا بكل شيء كي تنجح عملية التشكيل، ومستعدون للقيام بأي خطوة من شأنها المساهمة في استمرار الحريري بمهمته وعدم إضاعة المزيد من الوقت الذي يجب أن نستثمره في ضبط الانهيار”. كما أنه عندما سئل عن إمكان التفاهم مع الحريري إذا تشكّلت الحكومة، أكد أنه “في الماضي تفاهمنا مع الحريري على الكثير من المواضيع، وبإمكاننا اليوم الاتفاق، ولا شيء من جهتنا يمنعنا من التفاهم معه، وأنا جاهز كما في السابق للنقاش في كل الأمور وسنجد مساحة مشتركة تصبّ في مصلحة الجميع”.
مشكلة اختيار الوزراء المسيحيين
وتكمن المشكلة بين الحريري وعون في مسألة اختيار الوزراء المسيحيين الذين سيتواجدون في الحكومة الجديدة. حيث كلف عون الحريري بتشكيل حكومة جديدة، في 22 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، عقب اعتذار الأكاديمي والدبلوماسي مصطفى أديب، لتعثر مهمته في تأليف حكومة تخلف حكومة رئيس الوزراء المستقيل حسان دياب.
وعقب شهرين على ذلك، أعلن الحريري أنه قدم إلى عون تشكيلة حكومية تضم 18 وزيرًا من التكنوقراط. إلا أنها لم تنل موافقة عون، الذي اعترض على ما سماه آنذاك بـ”تفرد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصًا المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة”. لكن خلال حديثه، أبدى باسيل بعض المرونة في موضوع تسمية الوزيرين المسيحيين.
حيث أوضح أن “الرئيس عون لم يطالب يومًا بتسمية أي من الوزيرين المسيحيين، والاقتراح المنطقي يقضي بموافقة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على اسمين من لائحة مقترحة عليهما تتضمّن أسماء اختصاصيين غير محسوبين على أي منهما، فيتفقان على الاسمين بما يؤدّي إلى ألا يحصل رئيس الجمهورية بأي شكل على الثلث الضامن، ولا تنحصر كذلك التسمية بالرئيس المكلّف. كما أنّ موضوع الثقة قد تمّت معالجته، فلماذا الاعتذار؟”
رغبة سعودية في إنجاز تشكيل الحكومة
تصريحات باسيل اللافتة، أتت بعد لقاء مهم عقد بين السعودية والبطريركية المارونية في لبنان حيث تمّ إصدار كتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية”، بحضور السفير السعودي وليد البخاري وحشد من الشخصيات، ووفد من القوات اللبنانية وقائد الجيش العماد جوزف عون، فيما مثل الرئيس ميشال عون مدير البروتوكول في القصر نبيل شديد.
وقال السفير السعودي: “أمل من الأفرقاء السياسيين أن يغلّبوا المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان، ومن بينها محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور أخرى تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني والتي تنص وبوضوح تام، على أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء حيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، لا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي”.
ومن جانبه، تحدث البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، عن زيارته للسعودية في 13 تشرين الأول/ أكتوبر2017 حيث التقى العاهل السعودي الملك سلمان، وأشاد برباط الصداقة بين المملكة والبطريركيّة المارونيّة ولبنان. وصرح قائلًا: “كم نأمل بأن يكون هذا اللقاء الجامع نداء قلبيا إلى لقاء وطني شامل يؤدي إلى إنقاذ لبنان. فتتألّف الحكومة، وتجري الانتخابات النيابية والرئاسية في موعدها الدستوري، ونسلك طريق الخلاص”.
مغازلة مارونية للسعودية
وشمل خطاب البطريرك الراعي ثناءً واسعًا على المملكة العربية السعودية، التي يحمل سعد الحريري جنسيتها، حيث قال: “من ينسى قول الملكِ المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود: لبنان قطعة منا، وأنا أحمي استقلاله بنفسي، ولا أسمح لأية يد أن تمتد إليه. ومن ينسى وعد الملك عبد العزيز بن سعود في 12 نيسان 1953: سأدافع عن استقلالِ لبنان كما أدافع عن استقلالِ مملكتي. ومَن يَنسى وساطاتِ المملكةِ طوال الحرب على لبنان. ومن ينسى رعاية المملكةِ مؤتمرَ الطائف (1989). ولا ننسى خصوصا أن المملكة كانت أول دولة عربية تَعترف باستقلال لبنان في 1943”.
وأضاف: “لم تعتد السعودية على سيادةِ لبنان ولم تنتهك استقلاله. لم تستبِح حدوده ولم تورِّطْه في حروب. لم تُعطِّل ديمقراطيتَه ولم تَتجاهل دولتَه. كانت السعودية تؤيد لبنان في المحافلِ العربيةِ والدوليةِ، تقدم له المساعدات الماليةَ، وتستثمر في مشاريع نهضته الاقتصاديّة والعمرانية. كانت تَرعى المصالحاتِ والحلول، وكانت تستقبل اللبنانيين، وتوفر لهم الإقامة وفرص العمل”.
أسباب التمسك بالحريري
ويرى مراقبون أن سبب تصريحات باسيل الأخيرة ترجع إلى الغزل والتقارب بين السعودية والمارونيين في الوقت الحالي، وأن هذه التصريحات جاءت كانعكاس للقاء الدافئ بين سفير المملكة في لبنان بالبطريركية المارونية بالبلاد.
وفي المقابل، يرى آخرون أن هناك خوف لدى الرئيس عون، وصهره باسيل من فقدان الحريري، وعدم وجود أي بديل عنه، وعدم قدرته في حال وجد من أن يكون أفضل من تجربة حسان دياب. وقد يكون السبب الأخير أقرب للحقيقة، وربما يؤكد ذلك أن الحريري ما زال مطالبًا من قِبل الرئيس بتشكيل الحكومة، رغم مرور أشهر عديدة على تعيينه.
وما بين تمسك عون بالحريري من ناحية، وضغطه عليه من ناحية أخرى في مسألة الوزراء المسيحيين، يعاني الشعب اللبناني من ويلات هذا التناحر، وسوءات المحاصصة القائمة على النظام الطائفي. فمنذ أواخر 2019، يرزح لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، أدت إلى انهيار مالي وتدهور القدرة الشرائية لمعظم سكانه، فضلًا عن شح في الوقود والأدوية وغلاء في أسعار السلع الغذائية. ولن يكون هناك خلاص من هذا التدهور إلا بتغليب المصلحة العامة على مصلحة الطائفة.
اضف تعليقا