كما نعلم جميعاً، تقوم السلطات الإسرائيلية بمصادرة العلم الفلسطيني -ذو الألوان الأحمر والأخضر والأبيض والأسود- ومعاقبة من يقوم برفعه والتلويح به بحجة حفظ السلامة العامة بموجب القانون. تتشابه ألوان العلم الفلسطيني كثيراً مع ألوان البطيخ، ما يفسر اتخاذه [البطيخ] أيقونة للمقاومة والنضال السلميين على مدار العقود الماضية.
في الأسابيع الأخيرة، تزايد التغريد باستخدام الرموز التعبيرية وصور البطيخ على وسائل التواصل الاجتماعي، كجزء مما يقول بعض الفلسطينيين إنها محاولات للتحايل على الرقابة المفروضة في الإنترنت والتي تحارب المحتوى الفلسطيني وتحظره خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في مايو/أيار الماضي.
يعكس المستخدمون -من جميع الفئات الفلسطينية- الذين ينشرون الرموز التعبيرية والصور والأعمال فيضاً من النشاط والتضامن المفاجئ عبر الإنترنت، خارج الحدود السياسية والجغرافية التقليدية.
قال خالد حوراني، الفنان الفلسطيني المقيم في رام الله بالضفة الغربية، والذي ظهرت أعماله ضمن صور البطيخ المنتشرة على الإنترنت، إن الفن “يمكن أن يكون في بعض الأحيان سياسياً أكثر من السياسة نفسها”، في إشارة إلى التأثير الضخم للفنون على السياسة.
تعود رمزية البطيخ إلى التكتيكات التنظيمية الفلسطينية قبل الانتفاضة الأولى، أي الفترة التي سبقت اتفاقيات أوسلو عام 1993 التي أنشأت السلطة الفلسطينية وأطلقت مبادرة سلام لم تعد موجودة الآن.
قال حوراني إن الفنانين الفلسطينيين استخدموا البطيخ “كرمز للعلم الفلسطيني وللتحايل على الحظر الإليكتروني على الانترنت”، مضيفاً “يحاول الفلسطينيون، الذين لا يثقون في منصات التواصل الاجتماعي ويخشون المراقبة الإسرائيلية عبر الإنترنت، تجنب الحظر بسبب ما تدعي شبكات التواصل إنها محاربة خوارزميات غير مواتية ضمن سياسات تعديل المحتوى”.
تم حذف الملايين من منشورات مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة للفلسطينيين بشكل تعسفي من قبل فيسبوك وتويتر إبان الأزمة الأخيرة، فيما قالت الشركة إنها خلل تقني، مما أثار حفيظة الفلسطينيين الذين نجح خطابهم هذه المرة بصورة كبيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكن وفي المقابل، تم حظر وسوم وحسابات ذات صلة بالفلسطينيين أو تمت إزالة المحتوى بمعدل مرتفع أيضاً.
في حواره، قال فادي قرعان، مدير حملات مؤسسة آفاز في رام الله “إننا اليوم أمام جيل فلسطيني جديد، 70٪ منهم تحت سن الثلاثين [في الضفة الغربية وقطاع غزة]، حيث تشكل وسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الرقمية المصدر الرئيسي للإلهام وطريق وصولهم الرئيسي إلى العالم، مضيفاً “يحتاج الناس إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر ما يحدث هنا، وقد أدى ذلك إلى مجموعة واسعة من التكتيكات في سبيل التغلب على القمع الرقمي.”
على الجانب الآخر، رفضت شبكات إنستغرام وفيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى الاتهامات بأنهم تعمدوا مراقبة على المحتوى الفلسطيني أو المؤيد للفلسطينيين أو فرض سياسات تعسفية عليه.
قال آندي ستون المتحدث باسم “فيسبوك” عبر رسالة بريد إلكتروني للصحيفة: “نعلم أن هناك العديد من المشكلات التي أثرت على قدرة الأشخاص على المشاركة عبر تطبيقاتنا”، “قمنا بإصلاح تلك المشكلات التي ما كان يجب أن تحدث في المقام الأول، ونحن نأسف لأي شخص شعر أنه لا يستطيع لفت الانتباه إلى الأحداث المهمة، أو الذي شعر أن هذا كان قمعاً متعمداً لأصواتهم.”
في المقابل، يرفض النشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي هذه التفسيرات ويقولون إنه سياسة طويلة الأمد تصاعدت مؤخراً وبصورة لافتة عند اتجاه الفلسطينيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لنشر ما حدث مؤخراً داخل بلادهم وما يتعرضون إليه من انتهاكات، في حركة وحدت الفلسطينيين بشكل متزايد في الداخل المحتل، والضفة الغربية، وقطاع غزة، والشتات.
مع بدايات ربيع العام الجاري، انتشر وسم #SaveSheikhJarrah بواسطة التوأمان الفلسطينيان البالغان من العمر 23 عامًا منى ومحمد نبيل الكرد، والذي يقع منزلهما في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية ضمن قائمة المنازل التي من المقرر أن يستولي عليها اليهود المستوطنين.
في الوقت نفسه، تصاعدت التوترات بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على تمكين الفلسطينيين من الوصول إلى المواقع ذات القدسية الوطنية والدينية في القدس مثل المسجد الأقصى، الذي يعتبر نقطة اشتعال طويلة الأمد وموقع للمواجهات، لكن هذه المرة انتشرت صور تلك المواجهات بصورة كبيرة عبر الانترنت ما شكل تضامناً عالمياً واسعاً.
وصلت التوترات إلى ذروتها في منتصف مايو/أيار مع العدوان الإسرائيلي على غزة والذي استمر 11 يوماً وتسبب في مقتل أكثر 250 فلسطينيًا في غزة بينهم أطفال.
في الأسابيع التي تلت قرار وقف إطلاق النار المؤقت، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية بمقاطع الفيديو والرسوم البيانية حول نقاط التوتر الأخيرة – الممتلكات الفلسطينية التي قررت إسرائيل هدمها في حي سلوان بالقدس الشرقية؛ ومستوطنة إسرائيلية غير شرعية على أراض تريد الاستيلاء عليها في قرية بيتا الفلسطينية في الضفة الغربية؛ بالإضافة إلى إضرابات طوال اليوم وحملات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتشجيع المنتج الوطني.
أبرز ما يميز هذا الحراك هو أنه خطاب لا يهيمن عليه القيادة السياسية الرسمية التي بدورها تشن حملات شرسة ضد المعارضة الساخطة التي يقودها الشباب.
هناك غضب متصاعد أيضاً من قبل الشباب في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ضد السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية.
في أواخر يونيو/حزيران، توفي الناشط المعارض نزار بنات بعد وقت قصير من اعتقاله، وتقول عائلته إن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ضربت رأسه وقتلته، ليتسبب مقتل بنات في شعلة من الاحتجاجات ضد السلطة، التي انتقدها الناس في هتافات باعتبارها متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي.
قال قرعان إن هؤلاء أصبحوا “نشطاء يتمتعون بشخصية كاريزمية وحسنة النية ومؤثرين سياسيين يحددون نغمات النقاش العام”، لافتاً أن “هذا بالطبع يخيف النخبة السياسية وقادة الأحزاب السياسية المختلفة في فلسطين. فجأة لم يكن الشخص الذي يمتلك السلاح ويسيطر على وسائل الإعلام هو الذي يحدد بمفرده الرأي العام “، ولكن “أي شخص يمكنه الاتصال بالإنترنت ويكون شجاعاً بما يكفي يمكنه القيام بهذا الدور”.
وأضاف “اللافت للنظر أنه بعد الربيع العربي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة للاضطهاد الحكومي أكثر من كونها أداة للثوار بسبب الرقابة الشديدة التي تفرضها السلطات على الانترنت”.
من جانبها، قالت منى شتية، مديرة المناصرة المحلية لحملة “حملة” في حيفا التابعة للمركز العربي للنهوض بوسائل التواصل الاجتماعي، إن “السلطات الإسرائيلية وشركات التواصل الاجتماعي تحاول إسكات الفلسطينيين على الإنترنت من خلال منعنا من مشاركة روايتنا وقصصنا الخاصة وفضح الانتهاكات الإسرائيلية “.
وأضافت أنه نتيجة لذلك، يجد الفلسطينيون “طرقًا إبداعية” – مثل حذف علامات الترقيم أو تغيير الأحرف في الكلمات أو خلط البيانات السياسية بالصور الشخصية – “للتغلب على الخوارزمية واللعب بها لمنع حذف المنشورات أو خضوعها لسياسات الرقابة والبلاغات”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا