منذ أشهر تسود الأردن حالة من الجدل حول محاولة انقلابية على الملك عبد الله الثاني، عرفت إعلاميًا بـ”قضية الفتنة”، حيث أعلنت السلطات الأردنية في أبريل/نيسان الماضي تمكنها من إفشال محاولة لزعزعة أمن البلاد، واعتقال 16 شخصًا من المقربين من الأمير حمزة بن الحسين، ولي العهد الأردني السابق، وتم الإفراج عنهم لاحقًا بقرار ملكي، فيما قال الديوان الملكي إن التعامل مع الأمير حمزة جرى داخل الأسرة الهاشمية.
وفي 22 أبريل/نيسان الماضي أفرجت المحكمة عن 16 متهمًا من أصل 18 على ذمة القضية بعد توجيه من الملك عبد الله الثاني، وذلك ردًا على مناشدة من شخصيات للإفراج عنهم، فيما استمر اعتقال رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، اللذان يعدان أبرز الأسماء المشاركة في المحاولة الانقلابية الفاشلة.
ومن الواضح أن السلطات الأردنية أرادت غلق القضية مبكرًا، حيث قضت محكمة أمن الدولة الأردنية -الاثنين الماضي- بالسجن 15 عامًا على كل من عوض الله والشريف حسن، ولذلك لـ”قيام المتهمَين بالتحريض ضد الملك الأردني عبد الله الثاني، وأنهما دبرا مشروعًا إجراميًا منظمًا واضح المعالم ومحدد الأهداف لإحداث الفتنة والفوضى وتعريض أمن البلاد للخطر”، حسب وصف المحكمة.
وقالت المحكمة في جلسة الحكم إن “أركان التجريم في قضية الفتنة كاملة ومتحققة، وتثبت قيام المتهمين بتدبير مشروع إجرامي لإحداث فتنة، وتثبت تحريض المتهمين ضد الملك”، وأضاف القاضي العسكري أن المتهمين في قضية الفتنة “يرتبطان بعلاقة صداقة، ويحملان أفكارًا مناوئة للدولة والملك عبد الله الثاني، وسعيًا معًا لإحداث الفوضى والفتنة داخل المجتمع الأردني، وعلى ضوء اكتشاف الأجهزة الأمنية مخطط الفتنة وضعت أجهزة الاتصال الخاصة بالمتهمين تحت المراقبة بقرار من المدعي العام”.
ووفق حيثيات الحكم، فقد أسندت المحكمة للمتهمين جناية القيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة، وأيضًا حيازة مادة مخدرة بقصد تعاطيها وتعاطي المواد المخدرة، وأسندت هذه التهمة للشريف بن زيد.
هل أغلقت أوراق القضية تمامًا؟
ولا يعد هذا الحكم نهائيًا، حيث إن هناك إمكانية للطعن على الأحكام أمام محكمة “التمييز” الأردنية. وقد صرح بذلك محمد العفيف محامي عوض الله، حيث قال إنه سيتم الطعن في قرار المحكمة وإحالته إلى محكمة التمييز خلال 30 يومًا من صدور الحكم. ورغم ذلك، أغلقت هذه الأحكام الباب أمام أي تدخلات خارجية من شأنها محاولة التأثير على استقلالية الدولة الأردنية في مواجهة أي أحداث تمس من أمنها وشأنها الداخلي.
والإشارة هنا بالتحديد إلى المملكة العربية السعودية، حيث كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن النظام السعودي مارس ضغوطًا شديدة على الأردن من أجل وقف محاكمة باسم عوض الله. وقالت الصحيفة إنه فور اعتقال عوض الله في أبريل/ نيسان الماضي، أرسلت السعودية أربع طائرات مع أربعة مسؤولين مختلفين للمطالبة باستعادته.
وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الذين ذهبوا للأردن هم وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ومن بينهم أيضًا مسؤول كبير من مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وانضم إليهما رئيس المخابرات السعودية، الذي مكث في الأردن لمدة خمسة أيام للضغط على الأردن من أجل السماح لعوض الله بالعودة معه.
كذلك أكد مسؤولون سعوديون للصحيفة أنه بالفعل قد توجه هذا الوفد إلى الأردن في ذاك التوقيت؛ إلا أنهم ادعوا أن الهدف من الزيارة حينها كان التضامن مع العاهل الأردني الملك عبد الله، وليس السعي لإطلاق سراح عوض الله. ومن جانبه، قال الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي آي إيه” بروس ريدل: “أعتقد أنهم ضغطوا من أجل الإفراج عن عوض الله لأنهم علموا أن لديه معلومات تدينهم ويريدون إخراجه”، مؤكدًا أن “الأردن تمكن من مقاومة الضغط السعودي بعد طلب رئيس وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز، الذي عمل في السابق سفيرًا لواشنطن في الأردن، من البيت الأبيض التدخل”.
كما كشفت الصحيفة أن اتصال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالعاهل الأردني، والذي بلغه فيه دعمه له، جاء أثناء وجود رئيس المخابرات السعودية في عمان.
وما يؤكد المعلومات التي نقلتها “نيويورك تايمز” هو أن عوض الله يحمل الجنسية السعودية بجانب الأمريكية والأردنية، كما عمل كمبعوث الملك عبد الله الثاني بن الحسين الخاص للسعودية، وبعدها عمل مستشارًا لولي العهد السعودي الحالي، محمد بن سلمان.
الأردن يمنع التدخلات الخارجية
وتدلل الأحكام على إصرار الأردن على عدم السماح بالتدخل في شؤونه الداخلية، واعتبار السيادة الأردنية هي أولوية ولا تهاون في أي قضية تؤثر على الأمن في الداخل الأردني، حيث إن السلطات الأردنية ومن خلال الحكم الأخير على المتهمين قد بعثت رسالة سياسية مفادها بأنها لن تسمح لأية جهة كانت بالتدخل بقراراتها.
وعلى الرغم من حمل عوض الله للجنسية الأمريكية كذلك، إلا أنه من المتوقع أن الولايات المتحدة لن تحاول التأثير على قرار الأردن، خاصة أن واشنطن تدرك أهمية استقرار المملكة كحليف استراتيجي في المنطقة. كما يستبعد آخرون فكرة أن يقضي عوض الله محكوميته لدى دولة أخرى، فالقضية مرتبطة بأمن واستقرار الدولة التي يمثلها الملك، بغض النظر عن وجهة نظر القانونيين. ذلك لأن القضية سياسية في المقام الأول، وسوف تنعكس على فرض ثبوت أفعالها لاستجرار زعزعة استقرار النظام وإدخال البلد بصدام متضاد.
وتبقى فكرة صدور عفو ملكي عن المدانين موجودة، لكنها تعود للملك، عبد الله الثاني، خاصة بعد حل الخلاف مع أخيه غير الشقيق، الأمير حمزة، في إطار الأسرة الهاشمية. وذلك بعد أن تدخل الأمير الحسن، عم الملك، لاحتواء الخلاف داخل الأسرة الهاشمية، لتجنب محاكمة الأمير حمزة، وهو ما حدث بالفعل، حيث أسفر هذا المسعى عن توقيع الأخير رسالة أعلن فيها الولاء للملك عبد الله الثاني.
اضف تعليقا