مع تصاعد الخلاف السعودي الإماراتي، من المرجح أن تسعى الرياض إلى كبح جماح طموحات أبو ظبي من خلال استهداف أحدث شريك تجاري لها – إسرائيل.
مؤخراً، قامت السعودية بتعديل قواعدها بشأن الواردات من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لاستبعاد السلع المصنوعة في المناطق الحرة أو التي قد تدخل فيها منتجات إسرائيلية (سواء تحتوي على مكون مصنوع أو منتج في إسرائيل أو تصنعه شركات مملوكة كليًا أو جزئيًا من قبل مستثمرين إسرائيليين أو شركات مدرجة في اتفاقية المقاطعة العربية المتعلقة بإسرائيل) وضبط دخول المنتجات الواردة إلى المملكة والتي لا تصنع أو تجمع داخل دول المجلس، حيث ستعامل على أنها منتجات أجنبية.
في الواقع، ليست الدولة اليهودية هي الهدف الرئيسي من قرارات المملكة، لكن هذه الخطوة هي جزء من المنافسة المتصاعدة مع الإمارات العربية المتحدة على عباءة القوة الإقليمية.
في حين أن إسرائيل ليست منخرطة بشكل مباشر في التنافس، إلا أن هناك عدداً من الطرق المحتملة التي يمكن من خلالها الانجرار إلى الوسط حيث يتنافس البلدان على الهيمنة الاقتصادية والسياسية على منطقة الخليج.
أصبحت العلاقة بين إسرائيل والإمارات علنية، في هذا الصدد ترى الإمارات العربية المتحدة علاقتها الناشئة مع إسرائيل كمحرك محتمل للنمو الاقتصادي وتوسيع النفوذ السياسي، في حين أن للسعوديين الآن مصلحة اقتصادية في إما الانضمام إلى الحزب – وهو ما رفضوا القيام به حتى الآن ولم يبدوا اهتمامًا كبيرًا مؤخرًا – أو لعب هادم تلك العلاقة.
أوضح براندون فريدمان، مدير الأبحاث في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب “إنهم يحاولون معاقبة الإماراتيين بسبب اتفاقات أبراهام التي منحت الإمارات العربية المتحدة ميزة اقتصادية إقليمية، وأيضًا ميزة سياسية”.
التفكك
في حين أن الخلاف الحالي اقتصادي بشكل أساسي، إلا أنه يأتي على خلفية سنوات من التوترات المتصاعدة حيث خرجت الدولتان عن التوافق فيما يتعلق بالشؤون الدبلوماسية والأمنية.
على مدى العقد الماضي، كان السعوديون والإمارتيون في حالة من الوحدة، حيث قاموا بالتنسيق في عدد من المبادرات الرئيسية، ومواجهة الحركات الشعبوية المستوحاة من الربيع العربي، والتدخل عسكرياً في اليمن، ومقاطعة قطر، وفرض ضريبة المبيعات عبر دول مجلس التعاون الخليجي.
كما تميزت الفترة نفسها بصداقة وثيقة بين ولي العهد الإماراتي ونظيره السعودي، خاصة بعد أن عيّن الملك السعودي نجله محمد وزيراً للدفاع في سن 28 في عام 2015، وبعد ذلك بعامين كولي للعهد، ليأخذه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد تحت جناحه ويصبح بمثابة معلمه.
على الرغم من المظاهر الخارجية، كانت هناك ضغوط طويلة في التحالف، والذي سعى كلا الجانبين في الماضي إلى اخفائها، لكن في الأشهر الأخيرة، نجحت هذه الضغوط في كسر هذا الصمت المحكم وخرج الصراع إلى السطح.
قال موران زاغا، الخبيرة المتخصصة في شؤون منطقة الخليج في ميتفيم – المعهد الإسرائيلي للشؤون الخارجية الإقليمية: “حدث شيء ما في السنوات العقدين الماضيين جعل كل دولة تتعمق أكثر في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية الخاصة، وتعمل مع الأخرى بشكل أقل”.
وأشارت “زاغا” إلى أن التحول الإقليمي بعيداً عن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري قد أعطى قيمة كبيرة للدول القادرة على إلقاء ثقلها، الأمر الذي ربما أعطى الإمارات العربية المتحدة الزخم لمحاولة التملص من الظل السعودي.
وأضافت زاغا: “ليس لديهم المظلة الدفاعية التي كانت لديهم من قبل، والرغبة الحالية لكل من الدولتين هي زيادة قيمتها النسبية في المنطقة”.
لم يؤثر الخلاف الناتج على العلاقات الاقتصادية للمنطقة فحسب، بل أثر أيضًا على أجنداتها الدفاعية.
بالنسبة للسعوديين، يمثل الإيرانيون التهديد الأمني الرئيسي، بينما ترى الإمارات العربية المتحدة في جماعة الإخوان المسلمين – والمحور التركي القطري الذي يدعمها – العدو الأساسي لها.
قال فريدمان “أهدافهما الأمنية مختلفة، في حين أن الإمارات ترفض أي وجود لجماعة الإخوان المسلمين، فإن السعودية -وبالرغم من رفضها لوجودها في الداخل- لديها نهجاً أقل عدوانية تجاه جماعة الإخوان خارج الحدود السعودية”.
بالإضافة إلى ذلك، عمل السعوديون عن كثب مع الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة إيران، في المقابل يحتفظ الإماراتيون بقنوات دبلوماسية مفتوحة مع طهران وعلاقة تجارية منتعشة من دبي إلى الجمهورية الإسلامية.
قال جوشوا كراسنا، باحث الشرق الأوسط في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب، إن الاختلافات بين النهجين أصبحت أكثر وضوحاً وأهمية في عام 2019، بعد تعرض ثلاث ناقلات نفط وسفينة تجارية رابعة لانفجارات قبالة سواحل الإمارات في مايو/أيار 2019، وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام، تعرضت منشآت النفط السعودية لهجوم بطائرات مسيرة، مما أدى إلى خفض إنتاج المملكة من النفط إلى النصف مؤقتاً.
على الرغم من خطابها العدواني، اختارت إدارة ترامب عدم مهاجمة إيران عسكرياً، مما أجبر كلا الجانبين على إعادة النظر في موقفهما الأمني.
الإمارات العربية المتحدة، الدولة التي يعتمد اقتصادها على الشحن، أدركت أن الولايات المتحدة لن تحميها بالقدر الذي تريده، وقررت أن تأخذ زمام الأمور على عاتقها من خلال تهدئة التوترات مع طهران، وتجنبت تصريحات الحكومة الرسمية بعد الهجمات على الناقلات أن يُنعت الإيرانيون بالجناة، وكانت وسائل إعلامها صامتة نسبياً بشأن دور إيران، وبدأ المسؤولون الإماراتيون في التواصل مع طهران بشأن الأمن البحري.
في عام 2019 أيضاً انهار تحالف الدولتان [السعودية والإمارات] في اليمن، حيث أعلنت الإمارات أنها ستسحب قواتها من منطقة الحرب، تاركة شريكتها السعودية وحدها في خضم هذا الصراع، وقد عجلت هذه الخطوة بانتقادات دولية متزايدة للتحالف الذي تقوده السعودية بشأن عدد القتلى المدنيين والأزمة الإنسانية في اليمن.
انسحاب الإمارات كان بسبب الضغوطات الشعبية أيضاً، تعليقاً على هذا قالت زاغا “لن ترى مظاهرات في الشوارع… يتم التعبير عنها بطرق أخرى. في الأحاديث الخاصة، في المجلس، في المقالات الصحفية، في منشورات المثقفين الذين يسألون لماذا يُقتل جنودنا على أرض أجنبية ليست عدونا ولا يوجد بينها وبيننا حرب”.
بالإضافة إلى ذلك، لم تجد الإمارات فائدة من التدخل في اليمن، على عكس تدخلها في ليبيا، حيث دعم الإماراتيون حكومة خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وهذه الأخيرة مدعومة بقوة من تركيا ويخشون أنها قد نضجت لسيطرة الإسلاميين أو بمعنى أدق الإخوان المسلمين.
التصالح بين السعودية وقطر بعد قمة العلا في يناير/كانون الثاني 2021 تسبب في فتور العلاقات مع الإمارات خاصة وأن الكثيرون يقولون إن الإمارات قادت المقاطعة ضد قطر.
من ناحية سعى الإماراتيون – وليس السعوديون – للحصول على صفة مراقب في منتدى غاز شرق المتوسط ، الذي يهدف إلى مواجهة الطموحات التركية في البحر الأبيض المتوسط.
تنافس اقتصادي حاد
يتصاعد التنافس الاقتصادي بين الحلفاء السابقون أيضاً، قال فريدمان: “جزء من سبب حدوث ذلك هو أن السعوديين قد صدوا علناً الصورة الإقليمية الأكبر للإماراتيين اقتصاديًا وسياسياً”.
تجد المملكتان نفسيهما يتنافسان اقتصادياً بالرغم من أن أهدافهما متشابهة، كلاهما يتطلع إلى تجاوز اعتمادهما على صادرات النفط وتنويع اقتصاداتهما بسرعة.
يبدو أن السعوديين ينظرون إلى هذا الوضع على أنه منافسة صفرية، ويمررون قوانين تهدف إلى تحطيم المكانة الاقتصادية الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
في فبراير/شباط، أعلنت الرياض أنه بحلول عام 2024 سيتم منع أي شركة متعددة الجنسيات لم تنقل مقرها الإقليمي إلى المملكة، وهي خطوة تهدف بوضوح إلى تآكل مكانة دبي كمركز أعمال إقليمي.
شملت الإجراءات الأخرى حظر الرحلات الجوية السعودية إلى الإمارات ومحاولات شركة إدارة الموانئ السعودية Red Sea Gateway Terminal لتحدي موانئ دبي العالمية، ويوم الاثنين، أعلن السعوديون أن المنتجات التي تحتوي على مكونات مصنوعة في إسرائيل لن يتم استيرادها.
ظهرت المنافسة الاقتصادية بشكل كامل خلال الأسبوعين الماضيين حيث اشتبك الجانبان علناً في اجتماع “أوبك +” الحاسم، تركزت المحادثات بين أعضاء أوبك وروسيا حول محاولات الاتفاق على زيادات في إنتاج النفط مع انفتاح العالم مرة أخرى بعد الإغلاق الناتج عن كوفيد-19.
خلال الاجتماع، طالب الإماراتيون، الذين استثمروا بكثافة في قدرتهم على إنتاج النفط من أجل تمويل التنمية الاقتصادية، بأن يتناسب إنتاجهم مع طاقتهم الجديدة، وهو ما عارضه السعوديون، وانهارت المحادثات دون اتفاق، لكن “اللافت للنظر هو أن هذه الخلافات صعدت إلى السطح هذه المرة”، كما علق فريدمان.
إسرائيل في الوسط
الجهود السعودية لإحباط البرنامج الاقتصادي الإماراتي دفعت إسرائيل – التي وقعت اتفاقي إبراهيم مع الإمارات والبحرين في سبتمبر/أيلول – إلى المعركة.
بالنسبة للسعوديين، كبح الإمارات العربية المتحدة يعني القضاء على المناطق التي تخطو فيها أكبر خطواتها، وبالطبع أكبر تلك الخطوات الانفتاح على إسرائيل.
تعليقاً على هذا قال “كراسنا”: “قد يكون السعوديون غير راضين عن السرعة التي تتحرك بها الأمور بيننا [الإسرائيليين] وبين الإمارات والنتائج الإيجابية المترتبة على هذه السرعة”.
يمكن أن تتحرك الرياض لتحدي أو لإبطاء الصفقات التكنولوجية والتجارية المهمة بين إسرائيل والإمارات إذا رأت أنها تمنح أبو ظبي ميزة غير مستحقة -في نظرها.
في أكتوبر/ تشرين الأول، قال السفير السابق لدى الولايات المتحدة بندر بن سلطان لقناة العربية: “نحن في مرحلة لا نهتم فيها بكيفية مواجهة التحديات الإسرائيلية لخدمة القضية الفلسطينية، علينا أن ننتبه لوطننا الأمن والمصالح”، في إشارة إلى إمكانية حدوث تطبيع بين السعودية وإسرائيل، لكن هذه خطوة مبكرة وسط التحديات الدينية والشعبية التي تواجه السعودية.
لكن بعد شهرين من هذا التصريح، انتقد رئيس المخابرات السعودي السابق تركي بن فيصل إسرائيل في مؤتمر في البحرين.
يوجد انقسام تجاه التطبيع مع إسرائيل داخل العائلة المالكة نفسها، ففي الوقت الذي التقى محمد بن سلمان رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو في عام 2020 الذي يبدو أنه منفتح على التعاون السعودي مع إسرائيل، يرى والده الملك سلمان البالغ من العمر 85 عاماً أن دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن الأقصى واجب على السعودية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا