لم يعد خافيا الدعم الكبير الذي قدمه كيان الاحتلال الصهيوني لإثيوبيا في محاولتها القفز على الماء المصري والسوداني القادم من نهر النيل، وهو الأمر الذي لطالما حاولت أديس أبابا أن ترده إلى تل أبيب بأي طريقة ممكنة، ولم يكن هناك طريقة أكثر مثالية لطموحات الاحتلال الصهيوني من التوغل أكثر في القارة السوداء، وهو ما وفرته أخيرا أثيوبيا للاحتلال.
والمثير للاستغراب -وربما لا- أن الدول العربية الأعضاء في القارة الأفريقية لم ينجحوا في الإطاحة برغبة أثيوبيا -وربما لم يرغبوا بالأساس-، لينجح السفير الإسرائيلي في أديس أبابا الخميس الماضي، للمرة الاولى منذ عام 2002، في التقديم للاتحاد الأفريقي بكتاب اعتماده عضوا للاتحاد الأفريقي بصفته مراقبا.
وزير خارجية الاحتلال الصهيوني، يائير ليبيد، اعتبر أن “هذا الإنجاز الدبلوماسي هو ثمرة جهد وزارة الخارجية، شعبة أفريقيا وسفارات “إسرائيل” في القارة. إنها خطوة تصحيحية للشذود الذي ساد على مدى عقدين في تلك العلاقات، وهي تمثّل جزءاً مهماً من تعزيز نسيج علاقات “إسرائيل” الخارجية.
وتابع يائير ليبيد في تصريحات صحفية بأن “هذا يوم سعيد لعلاقات إسرائيل بأفريقيا”، واعتبر أن “انضمام “إسرائيل” للاتحاد الأفريقي بصفة مراقب هو أمر سيساعدنا على تعزيز نشاطنا إزاء القارة وتجاه الدول الاعضاء في المنظمة”.
ومن بين 54 دولة أفريقية، تتمتع دولة الكيان المحتل بعلاقات مع 46 دولة في أفريقيا، تدير في إطارها تعاوناً كبيراً ومتنوعاً في مجالات التنمية والتجارة والدعم، وتستهدف بمعظمها التوغل في القارة الأفريقية، وهو الأمر الذي ساعدته فيه بشكل فاعل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي نجحت في فرض علاقات ديبلوماسية وتطبيعية بين كيان الاحتلال وعدة دول عربية أفريقية، أبرزها المغرب والسودان، فضلا عن دول أفريقية أخرى مثل تشاد وغينيا التي لطالما اعتبرت إسرائيل كيانا محتلا لا يجب الاعتراف به من قبل الشعب التشادي أو الغيني.
هذا الانضمام الصهيوني الصادم للاتحاد الأفريقي سيضر لا شك بمصالح مصر الاستراتيجية في القارة الأفريقية، بل وبأمنها القومي هي وجملة البلاد العربية الأفريقية، وسيساعد كيان الاحتلال على بناء علاقات استراتيجية رسمية مع الدول الأفريقية عبر نافذة الاتحاد الأفريقي وهي النافذة الأكثر احتراما في القارة السمراء أمام المجتمع الدولي، والذي ستبيت خطوات إسرائيل التطبيعية في أفريقيا اليوم مستظلة بظله.
وبصفتها مراقب في الاتحاد الافريقي، باتت دولة الاحتلال قادرة على التعاون مع الدول الأفريقية في عدة مجالات، بينها مكافحة كورونا، ومنع انتشار الإرهاب المتطرّف في أنحاء القارة، إذ إن الاتحاد الأفريقي يُعَد المنظمة الأكبر والأهم في القارة الأفريقية، ويضم 55 عضواً من دول القارة.
وبشكل عام، تشهد علاقات كيان الاحتلال السياسية مع الدول الأفريقية خلال الأشهر الماضية تطورات تطبيعية واضحة، تسارع بشكل كبير مع إعلان تطبيع العلاقات الصهيونية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الأمر انعكس سريعا على القارة الأفريقية التي استضافت لقاء رئيس الوزراء الصهيوني المنصرمة ولايته، بنيامين نتنياهو مع وفد من تشاد – الدولة العضو في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي- بشكل سري من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وجرى بعدها لقاء آخر بينهما في قلب تل أبيب نفسها.
هذه الزيارة التي كشفتها بعد أيام الصحف الصهيونية نفسها كشفت عن أن هناك توجهات دولية إلى إعطاء العلاقات الصهيونية الأفريقية انطلاقة جديدة، وقد يكون أساسها التعاون التكنولوجي والتنموي، لا سيما وأنها تتم برعاية دولة ثرية ولها جذور استثمارية في القارة الأفريقية، وهي الإمارات التي باتت راعية جهود التطبيع مع الاحتلال في المنطقة.
ورغم الجهود الإماراتية الواضحة، فإن العلاقات الصهيونية الأفريقية ليست وليدة اليوم، ففي ستينات القرن الماضي، كانت دولة الكيان تتمتع بـ”تحالف غير رسمي” مع 32 بلد أفريقي، مع وجود خبراء صهاينة يعملون في مختلف القطاعات داخل القارة السمراء، ولكنها تراجعت مع تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل في فترة حرب أكتوبر، والسبب في ذلك كان النفوذ المصري الواسع في القارة، وهو الذي بدأ يختفي كليا في الآونة الأخيرة مع صعود نظام الانقلاب العسكري في مصر، والذي تزعمه قائد الجيش عبد الفتاح السيسي.
لكن موقع المكتبة الافتراضية اليهودية، اعتبر أن توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات ودولة الكيان دفع الأخيرة إلى فتح المجال لمزيد من التعاون الاقتصادي مع دول أخرى من بينها الدول الأفريقية، التي تهدف إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس بالأمر السهل، ما يجعلها تلجأ إلى دولة الكيان باعتبارها بوابة للعلاقات مع واشنطن.
الدور الإماراتي في فرض التطبيع، مع تراجع دور مصر القاري، فضلا عن الولاء الأثيوبي للاحتلال الذي ساعدها في بناء سد النهضة، كل هذه الأسباب دفعت الدول الأفريقية لقبول انضمام الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي، لا سيما وأن ازدياد قوة العلاقة الصهيونية الأفريقية يعود إلى استغلال نفوذ اقتصادي عربي في القارة، وهو الأمر الذي تتزعمه الإمارات رغم أن تاريخ العلاقات بين القارة الأفريقية ودولة الكيان أقدم تاريخيا من التطبيع الإماراتي.
الاهتمام الصهيوني بأفريقيا كان منذ عهد بن غوريون الذي اعتبر “أن السلام يمر عبر أفريقيا وآسيا”، بينما قامت غولدا مائير بوضع وتنفيذ خطط دبلوماسية لتطوير هذه العلاقة، والتي انتهت بمشروع “إسرائيل لأفريقيا”، معتبرا أن البداية الحقيقية كانت ما بعد اتفاق كامب دايفيد بين إسرائيل ومصر، بسبب انهيار سياسات المقاطعة لإسرائيل من قبل عدد من الدول الأفريقية، وبلغت العلاقة ذروتها خلال حكم نتنياهو عام 2009 كونه اهتم بتقوية أواصر العلاقة مع أفريقيا، وأصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور القارة السمراء (جنوب الصحراء) منذ 50 عاما.
اضف تعليقا