ترجمة العدسة لمقال للكاتبة والناشطة السعودية مضاوي الرشيد
كنت أعلم أنها مسألة وقت فقط قبل أن يحاول النظام السعودي اختراق هاتفي باستخدام برنامج “بيغاسوس” المصنوع من قبل شركة الأمن الإسرائيلية الخاصة NSO.
في الواقع، النتائج التي توصل إليها تحقيق “مشروع بيغاسوس” يسلط الضوء على حقيقة أكثر رعباً من التجسس على المعارضين، إنه يرسخ فكرة وجود محور شر جديد: أصبحت إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مجموعة من القوى الخبيثة التي تهدف إلى خنق أي محاولات للسعي من أجل الديمقراطية في المنطقة، حيث تقوم إسرائيل بتوفير الأدوات المطلوبة، فيما يقدم الآخرون الأموال.
إن خصخصة جهاز الأمن الإسرائيلي، وتكاثر الشركات الخاصة التي أسسها عملاء سابقون في الموساد والجيش الإسرائيلي، تشكل تهديداً ليس فقط للفلسطينيين في إسرائيل وغزة والضفة الغربية المحتلة، ولكن لجميع مواطني الخليج، مع بيع برامج التجسس الإسرائيلية للأنظمة الديكتاتورية في جميع أنحاء العالم العربي.
في المقابل، تكتسب إسرائيل صلاحية الوصول إلى دوائر المخابرات الداخلية والدول العميقة في الخليج – مما يمكنها من إحكام سيطرتها عليهم لفترات طويلة الأمد، تدعم إسرائيل الأنظمة الاستبدادية الخليجية، معتقدة أن ذلك يضمن أمنها إلى الأبد.
الحقيقة -في نظري- إن إسرائيل مخطئة، ليس فقط لأن التطبيع معها غير أخلاقي في ظل وجود القضية الفلسطينية، لكن هذا التطبيع يشكل تهديداً وجودياً لجميع مواطني الخليج الذين يسعون إلى الإصلاح السياسي في بلدانهم.
ملحمة التجسس
تلعب دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً رئيسياً في عمليات المراقبة من قبل الشركات الإسرائيلية الخاصة، وهو أمر يحتم علينا نسيان “المبنى الأطول والأكثر ازدحامًا ووزارات التسامح والسعادة” – التي تقع في صميم الدعاية الإماراتية -.
الأكثر خطورة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد وقع تحت تأثير محمد بن زايد، نظيره الإماراتي، يعني أن السعودية أيضاً لها دور رئيسي.
يجمع الاثنان كراهيتهما للديمقراطية والتنوع السياسي وحرية التعبير وحقوق الإنسان، كلاهما الآن مفتاح لمحور الشر الذي تشرف عليه التكنولوجيا الإسرائيلية الخبيثة، والتي تدعي أن سبب وجودها هو مساعدة الحكومات على القبض على المجرمين والإرهابيين، لكن يتم استخدامه ضد النشطاء السلميين.
حصلت منظمة Forbidden Stories ، وهي منظمة غير حكومية مقرها باريس ومتخصصة في الدفاع عن الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، على أكثر من 50000 رقم هاتف استهدفتها برمجيات إسرائيلية ضارة على مستوى العالم من قبل عملاء NSO ، ولا سيما الحكومات.
أظهرت نتائج التحقيق -الذي تم بالتعاون مع العفو الدولية وعدد من المؤسسات الإعلامية- أنه في أبريل/نيسان 2019، كانت هناك محاولة لاختراق هاتفي، لكنها لم تنجح، وبالرغم من أن هذا الفشل يجب أن يبعث الارتياح في نفسي، إلا أن الخوف والضعف يسيطرون علي.
كي يحصل فريق “مشروع بيغاسوس” على دليل على محاولات اختراقي، كان علي تقديم محتويات هاتفي – التي تم تخزين حياتي الخاصة والمهنية بها – إلى فريق التكنولوجيا الخاص بهم، حيث جلست أمام شاشة الكمبيوتر لمدة ثلاث ساعات، أشاهد حياتي الافتراضية وهي تسافر إلى مختبر منظمة العفو الدولية، وتم إجراء بحث عن البرامج الضارة، وعندها تم اكتشاف المحاولة الفاشلة.
الكلمة لأجندتهم فقط
كمواطنة بريطانية من أصل سعودي، أمضيت أكثر من نصف حياتي في الكتابة والبحث والتدريس والتعبير عن رأيي، وبالطبع هذه الأنشطة المهنية تعتبر جريمة في المملكة العربية السعودية، حيث النظام مصمم على السيطرة على رواية الماضي والحاضر والمستقبل.
جريمتي هي أنني خالفت هذه الرواية، باستخدام مهارات البحث الأكاديمي والوصول إلى السعوديين الذين تظل أصواتهم صامتة.
ركزت جميع أبحاثي على إعطاء صوت لمن لا صوت لهم، وهو ما يتضمن حتما إجراء مقابلات مع السعوديين داخل وخارج البلاد، وفضح أكاذيب السلطات الرسمية، وهو أمر بالطبع أزعج النظام الذي لم يدخر فرصة لتشويه سمعتي، واتهامي بأني عميلة للحكومات الغربية وتركيا وإيران وقطر، وسابقاً ليبيا والعراق.
في التسعينيات، استهدفني النظام بتهديدات مباشرة بالعنف – لكن مع ظهور الإنترنت، أصبحت هذه التهديدات افتراضية، تأتي من قبل جيوش النظام الإليكترونية، وأخيراً، محاولة اختراق هاتفي.
في عام 2014، تم اختراق حسابي على Twitter بحثاً عن فضائح مثيرة، أو “مؤامرات سرية” -كما يصفها النظام- مع منفيين سعوديين آخرين.
لابد أن المتسللين أصيبوا بخيبة أمل لعدم العثور على أي من هذه الأشياء، لكنهم كشفوا حديثي الخاص مع الشيخ عوض القرني، وهو شخصية إسلامية رئيسية أرسل لي التحيات وطلب مني عدم زيادة انتقاداتي لصمت الحركة الإسلامية في مواجهة اعتقالات عدد من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في المملكة.
أطلق جواسيس النظام حملة لتشويه سمعة القرني لإرساله رسالة مباشرة إلى امرأة غير محجبة مثلي، واعتقل القرني الذي لا يزال في السجن منذ عدة سنوات.
حياة الجميع في خطر
لم يكن لدي أي شيء أخفيه، لأن كل ما أعرفه تم نشره في الكتب والمقالات، لم يكن لدي أي أسرار، لكن لم يكن هذا هو ما يخفيني، حيث كنت أعتز بخصوصيتي وكرهت التدخل السعودي في حياتي، كما أنني قلقت على من يتواصلون معي من داخل البلد، لأن حياتهم قد تكون في خطر.
من بين التهم الموجهة إلى محمد العتيبي، ناشط حقوقي، تخزين كتبي ومقالاتي على جهاز الكمبيوتر الخاص به، لا يزال في السجن، تقع على عاتقي مسؤولية حماية أولئك الذين يثقون بي ويريدون أن تسمع أصواتهم.
تزامن مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 مع تشديد الرقابة السعودية على المنفيين في بريطانيا وكندا وأماكن أخرى.
تفاقمت الصدمة بشأن التفاصيل المروعة لمقتل خاشقجي، الذي تم تقطيع أوصاله، وهو صحفي مسالم، والنظام يعي ذلك جيداً.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها المنفيون عن مساعدة NSO للسعوديين في اختراق هاتف شاب يعيش في كندا، عمر الزهراني، الذي تواصل مع خاشقجي حول إنشاء منصة إعلامية لفضح الدعاية السعودية.
كانت التكلفة المالية لتأمين هاتفي هائلة، لكنها كانت تستحق ذلك، وبالرغم من أن هجوم أبريل/نيسان 2019 على جهازي لم ينجح، فأنا متأكدة من أنه ستكون هناك محاولات أخرى في المستقبل.
عام 2019، شاركت في مناقشات مع منفيين آخرين في ثلاث دول حول تشكيل حزب سياسي، وهو ما قد يفسر محاولة التسلل إلى هاتفي في ذلك الوقت، حيث أراد النظام المزيد من التفاصيل حول من سيرعى مثل هذا المشروع، ومن سيشارك فيه.
تم تنفيذ المشروع في 23 سبتمبر/أيلول 2020، وهو اليوم الذي تحتفل فيه المملكة بعيدها الوطني، حيث أعلنت مجموعة صغيرة من النشطاء، بمن فيهم أنا، عن إنشاء مجلس الأمة السعودي.
الجدير بالذكر أن يحيى عسيري، الأمين العام للمجلس، تعرض للقرصنة، وظهر اسمه في ملفات تحقيق “مشروع بيغاسوس.”
الوقوف ضد الظلم
انتقلت من النشاط الأكاديمي إلى النشاط السياسي لأن النظام السعودي ارتكب جرائم بشعة، وأصبحت حياة المنفيين، بمن فيهم حياتي، في خطر.
يعتمد مجلس الأمة على وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل وتبادل الأفكار، وهو أمر يعرضنا جميعاً للخطر في ظل هجمات التجسس الشرسة، والتي نتج عنها مقتل خاشقجي، واختراق هواتف عشرات النشطاء كما أظهرت نتائج “مشروع بيغاسوس”، وهو أمر سيفرض علينا في المجلس اعتماد الأساليب القديمة لعقد الاجتماعات وممارسة نشاطنا.
بفضل البرمجيات الخبيثة الإسرائيلية والتواطؤ الإماراتي والتدخل السعودي، سيتعين على المنفيين البحث عن طرق آمنة لمشاركة المعلومات والالتقاء.
مع ذلك، أؤكد أن الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأوروبا يتحملون مسؤولية حماية النشطاء الذين لجأوا إليهم من التجسس السعودي خاصة وأن هناك خطر حقيقي من احتمال تكرار عملية اغتيال خاشقجي.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا