بينما يحاول مجرم الحرب، خليفة حفتر، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومعاودة الكرة باقتحام العاصمة الليبية طرابلس، تحاول أذرعه التي تدعي الشرعية الدستورية تخريب المسار السياسي، وتهيئة الظروف للانقضاض على الحل السلمي في ليبيا ككل، والتمهيد لتنصيب حفتر رئيسًا على ليبيا. فقد صرح حفتر منذ أسابيع، في لقاء له مع الإعلامي التابع له، محمود المصراتي، أن ميليشياته جاهزة لاحتلال العاصمة، في حال كانت النتائج المنبثقة عن المسار التفاوضي غير جيدة. وبالطبع فإن حفتر يرى أن النتائج غير الجيدة هي كل حل سياسي يبعده عن أن يكون طرفًا في تشكيل مستقبل ليبيا.
في هذه الأثناء، كان عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، والذي يُعتبر الممثل السياسي لحفتر والناطق باسمه في المحافل الدولية، يحاول إقصاء مجلس الدولة الليبي، الذي هو الغرفة الثانية من البرلمان. وذلك لكي يستطيع تمرير مشاريع القوانين والقرارات التي تخدم حفتر وميليشياته. حيث شكل صالح لجنة برلمانية لبحث قانون الانتخابات في العاصمة الإيطالية روما، بمشاركة رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح، والمبعوث الأممي يان كوبيتش. لكن تم تهميش رئيس مجلس الدولة الليبي، خالد المشري، بشكل تام.
لكن في المقابل، جاء رد مجلس الدولة واضحًا وقويًا برفض أي محاولة لتهميش دوره على الساحة الليبية، وانفراد أتباع الانقلابي حفتر بالقرار الليبي. حيث عارض المجلس تجاهله أثناء اجتماع روما، أصدر بيانًا في 22 يوليو/ تموز، أكد فيه أن “إقرار قانون الانتخابات العامة هو من اختصاص مجلسي النواب والدولة.. وأن أي تصرف أحادي من الجهتين يعتبر مرفوضًا طبقًا للنصوص الدستورية”.
اللعب على التناقضات
ويحاول عقيلة صالح اللعب على التناقضات حتى يتمكن من تحقيق اختراق ما في جدار المؤسسات الليبية يتمكن من خلاله من تمرير مشروع قانون خاص بالانتخابات الليبية القادمة. حيث إن هناك خلافات بين المشري والسائح، وهو ما يحاول صالح استغلاله للتقرب من السائح وجعله يقر قانونًا للانتخابات يعترض عليه مجلس الدولة.
و”صالح” لا يراعي بالتأكيد في تصرفه هذا حاجة الدولة الليبية لإقرار مشروع قانون الانتخابات، التي من المقرر إجراؤها نهاية العام الجاري. حيث إن إقرار القانون قد تأخر أصلًا، ولا يهتم صالح بمثل هذا التعطيل الذي تتعرض له العملية السياسية، بل من الواضح أن تركيزه منصب على أن يجد ثغرة ما في القانون تسمح لحفتر أو لسيف الإسلام، نجل الرئيس المخلوع معمر القذافي، بالترشح لرئاسة الجمهورية.
فبعد أن تم تجاوز آجال 1 يوليو/تموز الجاري، لتسليم القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات للمفوضية من أجل إجراء الاقتراع في 24 ديسمبر/كانون الأول، عاد رئيسها “السائح”، لوضع آجال جديد تنتهي في 1 أغسطس/آب المقبل، والذي لم يتبق سوى أيام قليلة على انقضائه.
وتكمن خطة عقيلة صالح في تمرير رؤيته لقانون الانتخابات في استغلال “إخفاق” ملتقى الحوار في الاتفاق على قاعدة دستورية، وإصرار المجتمع الدولي على إجراء الانتخابات في موعدها، ليأتي هو بعد ذلك في صورة المنقذ لليبيا ويقدم بديلًا “مفصلًا على المقاس”، بدعم من رئيس مفوضية الانتخابات والبعثة الأممية، وتمريره على الجميع. حيث حاول صالح في اجتماع روما الغامض الأهداف جس نبض الأطراف الداخلية والخارجية وردة فعلهم، قبل الوصول لمرحلة فرض الأمر الواقع.
البعثة الأممية تكشف سوء نية صالح
من جانبها، فهمت البعثة الأممية تحركات صالح، وأصدرت بيانًا واضحًا اعترضت فيه على خطواته، وأوضحت أن مشاركتها في اجتماع روما يهدف لتقديم الدعم والمشورة للجنة البرلمانية التي تشكلت في 7 يوليو، وأيضا لمفوضية الانتخابات. وشددت “على أهمية إجراء عملية انتخابية شاملة للجميع، وإشراك المجلس الأعلى للدولة في إعداد القوانين الانتخابية، بما في ذلك خلال الاجتماع الذي سيعقد في روما”. واستندت في ذلك إلى “الأحكام ذات الصلة من الاتفاق السياسي الليبي، وخارطة الطريق التي تم إقرارها في تونس بشأن إعداد التشريع الانتخابي”.
وفي الحقيقة، فإن عقيلة صالح يحاول خداع الجميع بطريقة غريبة، حيث اختار رئيس مفوضية الانتخابات للمشاركة في اجتماع روما، باعتباره ممثلًا عن المنطقة الغربية بدلًا من المجلس الأعلى للدولة، أما دعوة البعثة الأممية فكانت بهدف إضفاء شرعية على اجتماع روما، وما سيخرج عنه من مشاريع قوانين انتخابية، وربما الذهاب إلى إعداد قاعدة دستورية إن نجحت المرحلة الأولى من الخطة.
وهذا التحرك لا ينطلي بحال على مَن لديه علم بالاتفاقات السابقة بين الأطراف الليبية، حيث يُلزم القانون أن يكون هناك توافقًا بين مجلسي النواب والدولة، ما يعني أن انفراد أي منهما بإعداد القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات سيرفضها الطرف الآخر بشكل دستوري وقانوني.
تحذيرات من الدور المشبوه لعقيلة
وعقب ما فعله صالح في اجتماع روما من خرق واضح للدستور والقانون والاتفاقيات الليبية، حذر سياسيون وناشطون من الدور المشبوه الذي يلعبه الممثل السياسي لحفتر، عقيلة صالح. حيث كتب وزير الثقافة الأسبق الحبيب الأمين، في حسابه على تويتر: “قانون انتخابي يقرره عقيلة، ويفصله السائح، ويلبسه حفتر وسيف (القذافي)، مرفوض”. كما قال الناشط السياسي مروان الدرقاش، “بدأت خيوط المؤامرة تتضح، فبعد أن تجاوزوا المؤتمر الوطني العام باتفاق الصخيرات (2015)، ومجلس الدولة باتفاق جنيف (2020)، ها هم يتجاوزون لجنة الـ75 بلقاء روما… الحاضر الدائم والمنتصر الأخير هو عقيلة ومن خلفه حفتر”.
وحتى الآن، يتعرض مخطط صالح للفشل، وخصوصًا بعد البيان الذي أصدرته البعثة الأممية، الذي شددت فيه على ضرورة إشراك المجلس الأعلى للدولة في اجتماع روما وفي عملية إعداد مشاريع القوانين الانتخابية. لكن هذا لا يعني أن معسكر حفتر سيكف عن محاولاته عرقلة الحل السياسي، فالتجربة تقول أن الانقلابيين لا يلتزمون بأي اتفاقات أو دساتير أو مبادئ.
اضف تعليقا