كتب الناشط والشاعر الفلسطيني “محمد الكرد” يلوم على موقف العالم السلبي من المأساة المستمرة للفلسطينيين في القدس، والمهددين بالطرد من منازلهم في أي لحظة لصالح المستوطنين الإسرائيليين.
في مقاله لصحيفة الغارديان البريطانية، قال “الكرد” إن العالم أشاح بنظره عن القضية الفلسطينية بعد أيام من التعاطف الشعبي إبان الأزمة الأخيرة، في وقت لا تزال الجهود الإسرائيلية متصاعدة لطردهم من منازلهم.
وأوضح “الكرد” أنه قبل أشهر قليلة، كان اهتمام العالم كبيراً بأزمة حي الشيخ جراح، الحي الذي يسكن فيه في القدس المحتلة، والذي يتعرض على مدى عقود لمحاولات المستوطنين الإسرائيليين، بدعم من دولتهم، لـ “تهجيرنا من منازلنا واستعمار منطقتنا في عملية وصفتها الأمم المتحدة بأنها جريمة حرب، أقرب للسرقة.. لأنها بالفعل كذلك”.
في مايو/أيار، حظيت جهود أبناء الشيخ جراح لمقاومة هذا الاستيلاء بتضامن الفلسطينيين في جميع أنحاء القدس وخارجها، فيما أصبح يعرف باسم انتفاضة الوحدة، كما قال “الكرد”، الذي أضاف ” طوال تلك المدة، تعرض الفلسطينيون للعنف الإسرائيلي في الجزء الشرقي من القدس – ليس فقط في الشيخ جراح، بل خارج باب العامود، وفي وحول المسجد الأقصى – والتي تصاعدت إلى هجمات على غزة المحاصرة… حشد الفلسطينيون أنفسهم وقاوموا، وتظاهر الناس حول العالم دعما لحق الفلسطينيين في التحرير وإنهاء الاستعمار… لكن بعد وقف إطلاق النار، تلاشى اهتمام العالم. لكن الواقع بالنسبة للفلسطينيين لم يتغير”.
وأشار “محمد الكرد” أن الجهود الإسرائيلية لم تتوقف لطردهم من منازلهم قائلاً “يعيش الحي الذي نسكن فيه تحت الحصار منذ ثلاثة أشهر، حصار تفرضه القوات الإسرائيلية، مع استمرار القيود التي تهدف إلى خنق حياة مئات الفلسطينيين الذين يعيشون هنا”.
في المقابل، أوضح “الكرد” “يتجول المستوطنون اليهود المسلحون، الذين احتلوا بالفعل بعض منازلنا، بحرية في الشوارع. يُمكن وفي أي وقت أن يتجول المسلحون المتعصبين في الشوارع لترويع الناس مع ضمان إفلاتهم التام من العقاب. إنهم محميون – بل مدعومون – من قبل القوات التي تحاصر مجتمعنا”.
وأضاف “بالنسبة لمن يعيشون منا في الشيخ جراح، فإن الأدلة على هذا التعاون بين المستوطنين وسلطات الاحتلال كثيرة وصادمة… الشهر الماضي مثلاً شهد يومين يمكن اعتبارهما أكبر دليل على هذه البلطجة… في 21 يونيو/حزيران، جاءت الشرطة الإسرائيلية إلى الحي بعد أن قام مستوطن برش أربع طلاب بالفلفل في الشارع. لكن عندما وصلوا، قام الضباط باعتقال اثنين من الأربعة كونهما ذكور، بينما تجاهلوا الفتاتين ولم يقدما أي مساعدة لهما، وبالطبع لم يعتقلوا المستوطن – بل قاموا بتهديد شقيقي بالاعتقال لتصويره عملية اعتقال الصبيين”.
وواصل “محمد الكرد” سرد تفاصيل تلك الواقعة قائلاً “في وقت لاحق من اليوم نفسه، تجمع عشرات المستوطنين المسلحين في منزل تم الاستيلاء عليه في عام 2009 من عائلة الغاوي، وقاموا بالاعتداء على المواطنين الفلسطينيين بمشاركة الشرطة العسكرية في تلك الهجمات. وفي أحد أطراف شارع عثمان بن عفان، اعتدت قوات الاحتلال على المواطنين بالضرب بالهراوات. وفي الطرف الآخر ألقى المستوطنون الحجارة وطاردوا الفتيان الفلسطينيين برذاذ الفلفل. كما تم استهداف الصحفيين الذين حاولوا تغطية الواقعة. وقبل نهاية الليل، اقتحمت القوات الإسرائيلية عدداً من منازل الفلسطينيين – بما في ذلك منزلنا شخصياً”.
“في صباح اليوم التالي، عندما جمعت حوالي 10 شظايا قنابل صوتية من الشارع، أوقفني جاري ليريني عشرات الذخائر التي تم إطلاقها على المواطنين. كان أطفاله يضعونها، مثل مجموعة من الهدايا التذكارية المروعة. في اليوم نفسه، اقتحم عضو الكنيست الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، منزل عائلتي، إلى جانب تساحي مامو، مدير منظمة نحلات شمعون الدولية – وهي شركة خاصة مسجلة في الولايات المتحدة، تعمل على الاستيلاء على حينا وتطهيره من الفلسطينيين”.
الجدير بالذكر أن نحلات شمعون الدولية تقوم برفع دعاوى قضائية مستندة إلى تشريعات إسرائيلية عنصرية ووثائق ملفقة وقضاة مستوطنين لطرد الفلسطينيين من منازلهم وتسليم ممتلكاتهم للمستوطنين.
ولفت “محمد الكرد” في مقاله إلى أن الممارسات القمعية اللاإنسانية الإسرائيلية تتكرر كل يوم لكن دون أي تحرك جاد من قبل العالم لإنقاذهم. قال “لقد سئمت من الإبلاغ عن نفس الوحشية كل يوم، والتفكير في طرق جديدة لنقل الصورة كما هي. ليس من الصعب فهم الوضع في الشيخ جراح: إنه نموذج مثالي للاستعمار الاستيطاني، وصورة مصغرة للواقع الذي يعيشه الفلسطينيون منذ 73 عاماً تحت الحكم الصهيوني المحتل. هذه ليست مجرد تشبيهات بلاغية أو نظرية، هناك محاولات حقيقية لطردنا من منازلنا ليتمكن المستوطنون من احتلالها – بدعم من النظام الذي تقدم قواته وسياساته دعمًا عنيفاً لتهجير شعب من أجل تثبيت شعب آخر”.
وتحدث الكرد عن وجهة النظر العالم حول الأحداث، حيث يرفض البعض تسمية ما يحدث باعتباره استعماراً، لكنه لم يجد أبلغ من هذا الوصف لنقل الصورة كما هي.
قال “لا يهمني أي إساءة تحملها هذه المصطلحات. الاستعمار هو الوصف الصحيح والدقيق للإشارة إلى دولة تتواطأ قواتها في عنف المستوطنين، وتعمل حكومتها مع منظمات المستوطنين؛ ويستخدم نظامها القضائي قوانين تعسفية للمطالبة بمنازلنا؛ فضلاً عن اعتمار قوانين عنصرية مثل قانون الدولة القومية لليهود، وهو ترجمة لمصطلح “الاستيطان اليهودي”. إنهم يريدون فلسطين بلا فلسطينيين”.
في 2 أغسطس/آب المقبل، من المقرر أن تحدد المحكمة العليا الإسرائيلية، التي تتحدى ولايتها القضائية على الجزء الشرقي من القدس القانون الدولي، ما إذا كانت ستسمح باستئناف عائلة الكرد وثلاث عائلات أخرى – وهي عقبة قانونية أخيرة “قبل أن يتم طردنا”.
“الفترة الماضية شهدت تأجيلات كثيرة، اعتاد الفلسطينيون على هذا النوع من المماطلة، في كلمات أخرى، إنهم يختبرون قدرتنا على التحمل. لكننا عنيدون مثل أي شخص آخر يواجه احتمال فقدان وطنه – حياته وذكرياته”.
في مواجهة هذا العنف والتحيز، وعلى الرغم من الغاز المسيل للدموع وماء الظربان،” فإننا نقاوم”، هكذا أكد محمد على أنهم لت يتراجعوا، مضيفاً “لا يمكننا السماح لهم بسرقة منازلنا مرة أخرى، نرفض الاستمرار في العيش في مخيمات اللاجئين بينما يعيش المستعمرون في منازلنا. لا يمكننا السماح لهم بإلقاء المزيد منا في الشوارع. لقد سئمنا من أن نتحول إلى سكان لاجئين، حياً تلو الآخر، بيتاً وراء بيت”.
واختتم محمد الكرد مقاله قائلاً “أنا لا أثق في النظام القضائي الإسرائيلي. إنه جزء من الدولة الاستعمارية الاستيطانية التي بناها المستوطنون للمستوطنين. ولا أتوقع أن تتدخل أي من الحكومات الدولية، التي كانت متواطئة بشدة في المشروع الاستعماري الإسرائيلي، لصالحنا، لكنني أؤمن بالشعوب حول العالم، هؤلاء الناس الذي يحتجون ويضغطون على حكوماتهم لإنهاء الدعم غير المشروط للسياسات الإسرائيلية”.
وتابع “الإفلات من العقاب وجرائم الحرب لن توقفها تصريحات الإدانة والتعبير عن الصدمة، لقد أوضحنا نحن الفلسطينيين بشكل متكرر نوع الإجراءات السياسية التحويلية التي يجب اتخاذها – مثل مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وفرض العقوبات على الدولة الإسرائيلية. المشكلة ليست الجهل، إنها التقاعس عن العمل”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا