في مقال له بمجلة “لوبوان” الفرنسية تحت عنوان “ثمار الأزمة التونسية ” رأى الكاتب لوك دي باروشي أنه على الدول الأوربية الخوف من الأحداث التي شهدتها تونس وتعكس انحراف العالم العربي المتفكك.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قرر، الأحد 25 يوليو/ تموز، تجميد كل سلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان، وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، وذلك بموجب الفصل 80 من الدستور.

 وقال الكاتب: أثار الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك جدلاً وموجة من الغضب في الساحة الحقوقية محليًا ودوليًا خلال زيارته الرئاسية إلى تونس عام 2003، عندما هون من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام بن علي.

وصرح الرئيس الفرنسي حينذاك قائلا “أول حق من حقوق الإنسان هو تناول الطعام والعلاج وتلقي التعليم والحصول على مسكن. ومن وجهة النظر هذه، يجب الاعتراف بأن تونس تتقدم بكثير عن العديد من البلدان”.

وأضاف الكاتب لكن التونسيين لم يرضوا بتناول ما يكفيهم من الطعام في سجن واسع، فبعد ثماني سنوات، وبالتحديد عام 2011، أعربوا بقوة عن تعطشهم للحرية والكرامة وطردوا الديكتاتور زين العابدين بن علي من الحكم عام 2011، وأطلقوا العنان لموجة من الثورات التي اجتاحت العالم العربي.

وتابع “بيد أن الاضطرابات المأساوية التي أعقبت هذه الموجة في العديد من بلدان المنطقة – والتي لا تزال مستمرة – أظهرت كيف أن الأمل الذي أثاره الربيع العربي تحول إلى سراب”.

وأشار إلى أنه لطالما كانت تونس استثناءً، ربما لأنه مع وجود طبقة وسطى كبيرة ومتعلمة كان مجتمعها يرتكز على أسس أقوى من غيرها، وفي غضون سنوات قليلة، تمكنت من القفز نحو الديمقراطية.

كما صاغت الخطوط العريضة “للتسوية التاريخية” بين الإسلاميين والعلمانيين، حتى أنها تغلبت على موجة العنف الإرهابي، وهو ليس بالأمر الهين لبلد مر منه الآلاف من الشباب لصفوف تنظيم “داعش” في العراق وسوريا.

مكاسب هشة

ورأى أن هذه المكاسب الهشة تبخرت عندما أغرقت جائحة ( كوفيد-19) هذا البلد في أزمة ثلاثية: صحية واقتصادية وسياسية، وكشف انهيار الدولة والخدمات العامة إفلاس طبقة سياسية غير قادرة على تقديم مصلحة الدولة على المصالح الشخصية أو الفئوية.

وأكد لوك دي باروشي أن الرئيس قيس سعيد، المنتخب في 2019، استسلم للإغراء القيصري عندما قرر، في 25 يوليو/ تموز، إقالة رئيس الوزراء وتعليق البرلمان، لكن عزلة رئيس الدولة وضخامة التحديات التي يواجهها تلقي بظلالها على فرصه في العودة للمسار الصحيح. 

ونوه بأن الوباء ينتشر بين السكان الذين تم تحصينهم بشكل سيئ للغاية، وتونس الآن أكثر الدول الأفريقية التي يحصد فيها كوفيد -19 الأرواح، بالنسبة لعدد السكان.

كذلك توقفت السياحة، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، ويصل الدين العام إلى 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 4 مليارات دولار منذ شهور.

فتونس في مأزق، لكن أزمتها تعكس أزمة العالم العربي المتفكك، ومن غير المرجح أن يوفر الاندفاع المتهور أو التشدد الاستبدادي ضمانات للاستقرار على المدى الطويل.

ويشير الكاتب إلى أن هذه الأزمة لها عواقب وخيمة محتملة على أوروبا، فمن المسلم به أن جارتيها الجزائر والمغرب في وضع أقل خطرا، ولكن بنفس القدر من الدراماتيكية، حيث انهار الناتج المحلي الإجمالي بنسبة – 8.9٪ في تونس، – 7٪ في المغرب و – 6٪ في الجزائر خلال 2020. 

وهذا العام، يتوقع صندوق النقد الدولي معدلات نمو في البلدان الثلاث تبلغ 3.8%، 4.5%، 2.9% على التوالي، وهذ معدلات غير كافية للعودة إلى مستوى ما قبل الجائحة. 

كما أنه في البلدان المغاربية الثلاثة، التي يبلغ مجموع سكانها 100 مليون نسمة، يحرم الركود مئات آلاف الشباب من العمل كل عام، بعد أن تعرض الاقتصاد غير الرسمي، الذي يلعب دورًا حاسمًا في هذه البلدان للدمار، ما زاد ضغط الهجرة.

الربيع العربي

ومن وجهة نظره “الربيع العربي” انتهى، لكن الرغبة في التجديد ما زالت قائمة، ويشهد على ذلك التظاهرات في تونس، وكذلك حركة الاحتجاج السلمي التي رافقت انتهاء رئاسة بوتفليقة في الجزائر أو الاحتجاج المستشري في السنوات الأخيرة بالمغرب.

وشدد على أنه في نفس الوقت، الثقة في السياسيين آخذة في التراجع: المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت خلال يونيو/ حزيران وصلت نسبتها بالكاد 30٪. 

أما بالنسبة للدول الأوربية، يتابع لوك دي باروشي، فإنها تعتمد بشكل متزايد على دول المغرب العربي لاحتواء موجة الهجرة غير الشرعية من مختلف الدول الأفريقية، وما حدث الأسبوع الماضي في تونس من قرارات الرئيس قيس سعيد ستكون حتما محور اهتمام بروكسل التي تتطلع إلى ما بعد تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وعدد من الوزراء.

وخلص إلى أن أوروبا لا تزال عمياء، كجاك شيراك خلال حكمه، عن تطلعات الشعوب المغاربية، وتراقب، بدون خطة متماسكة أو استراتيجية مشتركة، الانهيار البطيء للساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط.

 

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا