بعد مرور عام على الانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت، نشرت صحيفة “لا كروا” الفرنسية ملفًا عن هذا البلد الذي أصبحت فيه الحياة اليومية مستحيلة، بعدما أصيب بالشلل نتيجة أزمة سياسية واقتصادية تُصنّف أنها من بين أشدّ عشر أزمات، وربما الثلاث الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وكتبت جيني لافون في مقالها بالصحيفة: إنه بعد مرور عام على الانفجار المزدوج الذي دمر ميناء بيروت، ما حدث لا يزال عالق بأذهان السكان كما أن معاناتهم مستمرة.
ونقلت الكاتبة شهادات عدد من العائلات التي عاشت الانفجار، ومن بينهم غيتا صليبي التي تسكن في غرفة تخترقها أشعة الشمس الحارقة، وبها مروحة صغيرة تكافح لتبريد الجو.
وخلف ستائر الغرفة، على بعد مائة متر، يمكن رؤية المباني المهدمة لصوامع القمح في مرفأ بيروت، التي دمرها الانفجار المزدوج في 4 أغسطس/ آب 2020.
هذه السيدة تروي للصحيفة الفرنسية حكاية جحيم لا نهاية له، بداية بالارتفاع الشديد في الأسعار ونقص المواد الأساسية للمعيشة من جهة، إضافة إلى الحالة النفسية التي وصلت إليها هذه المرأة السبعينية بعد الانفجار، موضحة أنها تعاني من قلة النوم وكثرة التفكير بسبب تردي الأوضاع بلبنان.
وتعيش عائلة صليبي، تشير الكاتبة، في حالة من الرعب من هول ما رأت يوم الانفجار، فالعمارة التي يسكنون تعرضت للضرر ولا تزال إحدى الجارات في غيبوبة منذ إصابتها في ذلك اليوم المشؤوم.
قنبلة هيروشيما
وقالت غيتا صليبي تقول: “رأسي سينفجر بسبب استمرار الوضع. كيف يستطيع ابني الاستمرار في تلبية احتياجات طفليه؟ كما أن ابنتي تضحي بكل شيء من أجلنا، أنها مسكينة، لم تعد تشعر بالحياة. “
وأضافت ” هذه هي المرة الرابعة التي أعيد فيها بناء المنزل، هل هذه حياة؟ لقد عاصرنا الحرب الأهلية (1975 – 1990)، والتفجيرات، والقصف المدفعي، ولكن ما حدث في 4 أغسطس/ آب كنهاية العالم، شيء لا يمكن تصوره، كان مثل قنبلة هيروشيما. “
وذلك في إشارة إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية في 14 أغسطس/آب 1945 بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ما أسفر عن مقتل نحو 140 ألف شخص من بين سكان هيروشيما البالغ عددهم 350 ألفا، وقد قُتل أيضا 47 ألفا على الأقل في ناغازاكي.
وتنوه الصحيفة بأنه وقت وقوع انفجار مرفأ بيروت كانت هذه الجدة في المنزل مع زوجها المريض، غير القادر على الحركة بمفرده، وحفيديهما، جوزيف، 9 أعوام، وجيني، 7 أعوام ونصف.
في ذلك اليوم، كما تتذكر، عادت ابنتها يارا، 47 عامًا، إلى المنزل من العمل، وبينما غيتا تطبخ، ويارا تذاكر لأبناء أخيها، كان والدها يستريح على الأريكة في غرفة المعيشة.
وفجأة سمعت أصواتًا كالألعاب النارية “خرجت إلى الشرفة ورأيت الدخان يصعد من المرفأ. لقد أدركت أن هناك شيئًا ما خطأ، وتكاثفت دوامة الدخان وأظلمت السماء”.
دفعت يارا، بقلق، والدتها وأبناء إخوتها إلى غرف النوم في الشقة المقابلة للميناء، لا شك أن غريزتها، في تلك اللحظة، كانت إنقاذ الأسرة، حيث حطم الانفجار نافذة غرفة المعيشة وبعض الأثاث سقط في الشارع.
بركة من الدماء
وتابعت الجدة “سمعنا ضوضاء ضخمة وغريبة، لكننا عشنا الحرب الأهلية والتفجيرات، لو بقينا في غرفة المعيشة، لكنا جميعًا في عداد الأموات، ووسط الصدمة تدافعنا إلى الطابق الأول، نواجه الرعب في كل طابق. أصيب جميع الجيران، وكانت الدماء في كل مكان، جولييت إحداهن، رأيتها غارقة في بركة من الدماء. إنها لا تزال في غيبوبة حتى الآن”.
وتشير الصحيفة إلى أنه رغم مرور عام لا زال هول المشهد يسيطر على جميع أجيال عائلة الصليبي، فالحفيدة الصغيرة جيني لا زالت تعاني من عواقب المأساة، إذ يقول والدها: إنها تذهب لطبيب نفساني، كلما أخبرتها عن الانفجار، كانت تستلقي على الأرض، وتردد “جولييت غارقة في الدم”.
وتتابع جددتها “إنها أفضل كثريا اليوم، لكنها لا تزال تخاف من الضوضاء العالية، ولا يمكن تركها بمفردها في غرفة، حتى عندما تذهب إلى الحمام”.
من جهتها تقول يارا” لم نكن نريد أن يمر الأطفال بهذا الأمر، مثلما نشأنا تحت القنابل أثناء الحرب”، مشيرة إلى أنها ذهبت أيضًا إلى طبيب نفساني.
وأضافت “كل ليلة أبكي وأنا أفكر بما حدث. قبل الانفجار كنت فتاة إيجابية. اليوم أنا شخص مختلف، ما زلت قلقة وحزينة. أدعو الله أن أكون أقوى، لأن الحياة يجب أن تستمر”.
حياة مستحيلة
وفي مقال أخر تحت عنوان “الفقر، والمساعدات الإنسانية: الحياة اليومية المستحيلة للبنانيين” نقل الكاتب أنطوان دابونندو شهادات لبنانيين عن الأوضاع المأساوية التي يشهدها بلاد الأرز منذ عام 2019، حيث غرقت البلاد في أزمة اقتصادية ومالية تسببت في تفجر الفقر، وتفاقم بسبب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت.
وذكرت بأن الغالبية العظمى من السكان يعيشون الآن فقط بفضل المساعدة القائمة على التبادل والمساعدات الإنسانية.
وتقول رنا إن بلادها تسير نحو المجهول، وحياتها دمّرت بعد انفجار المرفأ، حيث طرد زوجها الذي كان يعمل بشركة خاصة بالشحن في المرفأ بعد أكثر من عشرين عاما من الخدمة دون أي تعويض مادي.
وخلّف الانفجار المزدوج في 4 أغسطس/ آب 2020 في مرفأ بيروت 214 قتيلاً وأكثر من 6500 جريح، وذكرت السلطات أن 2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة منذ 2013 في الميناء “دون إجراءات احترازية”.
وكان قاضي التحقيق طارق بيطار قد بدأ في مطلع يوليو/ تموز الماضي محاكمة نواب ووزراء سابقين ومسؤولين أمنيين ورئيس الوزراء الأسبق حسان دياب، للاشتباه في علمهم بوجود نترات الأمونيوم في الميناء، لكن قوبلت محاولاته لرفع الحصانة عن النواب برفض في البرلمان.
دعت حوالي 50 منظمة غير حكومية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، إلى إجراء تحقيق مستقل، وشجبت “التدخل السياسي الصارخ، وحصانة كبار القادة السياسيين، والانتهاكات الإجرائية المنتظمة”.
للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا