نعرف قصة جمال خاشقجي المأساوية والطريقة الوحشية التي قُتل بها. تم استدراج الصحفي المعارض إلى السفارة السعودية في اسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، وقُتل وقُطعت أوصاله على يد فرقة اغتيال حكومية كانت تنتظره هناك، وبعد سنوات من التحقيق، اتضح أن الاغتيال صدر بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ما لم نكن نعرفه حتى وقت قريب هو أن المملكة العربية السعودية، عميل برامج التجسس Pegasus التابع لمجموعة شركات NSO، قد استخدمت برامج التجسس لمراقبة دائرة ضخمة من أصدقاء خاشقجي وعائلته.
أنكرت NSO تورط برامجها في هذه الجريمة المروعة، حيث صرح شاليف هوليو، الرئيس التنفيذي للشركة الإسرائيلية، لبرنامج الأخبار التليفزيوني الأمريكي “60 دقيقة” في مارس/آذار 2019 أنه “لم يكن لدينا علاقة بهذه الجريمة المروعة”، لكن هذه التصريحات ثبت كذبها بعد أن كشف تحقيق أجرته صحيفة “الغارديان” البريطانية بالتعاون مع وكالات إعلامية أخرى، صدر قبل ثلاثة أسابيع، عن كيفية استخدام برنامج التجسس بيغاسوس في عام 2018 للتطفل على زوجة خاشقجي، حنان العتر، وخطيبته خديجة جنكيز، وعلى الأرجح ساهمت هذه الاختراقات في التخطيط لقتله.
المزيد من الأدلة
مؤخراً، بدأت المزيد من الأدلة عن وحشية وقمع نظام المملكة العربية السعودية في الظهور.
تعارض وزارة العدل الأمريكية حالياً دعوى قضائية من قبل مجموعة من الشركات التي تسيطر عليها الحكومة السعودية والتي تستهدف سعد الجبري، خبير مكافحة الإرهاب الذي عمل عن كثب مع الأمير محمد بن نايف، رئيس مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة والسعودية، والذي أصبح في قائمة النظام السعودي السوداء بسبب حرب الخلافة على العرش التي بدأها بن سلمان مع بن نايف، حيث اعتبر بن سلمان الجبري من أعدائه كونه الذراع الأيمن لبن نايف، ما دفع الجبري للهروب إلى كندا عام 2017، ومنذ ذلك الحين يلاحقه محمد بن سلمان والسعوديين زاعمين أنه متهم في قضايا اختلاس وتبديد أموال.
يدعي الجبري أن السعوديين ومحمد بن سلمان أرسلوا فرقة اغتيال إلى كندا لمحاولة قتله، وأن أعضاء الفرقة كانوا ضمن الفريق الذي قتل خاشقجي، وقال أيضا إن السعودية تحتجز نجليه عمر وسارة كرهائن للضغط عليه.
تم استخدام مصطلح “الدولة المارقة” في أوقات مختلفة ضد كوريا الشمالية وكيم جونغ أون وكوبا وليبيا في عهد معمر القذافي وإيران والعديد من الأشخاص الآخرين بحسب تصنيف الولايات المتحدة، إذ لطالما استخدم العديد من الرؤساء الأمريكيين منذ رونالد ريغان في عام 1985 مصطلح “دولة مارقة” لوصف وفرض عقوبات على تلك الأنظمة التي تتحدى القانون الدولي، ولا تحترم حقوق الإنسان، وترتكب الإبادة الجماعية وتقوم بعمليات إرهابية.
ولكن إذا كان الدليل أعلاه ضد السعودية لا يرقى إلى مستوى “دولة مارقة” فماذا يعني ذلك؟
أوراق اعتماد دنيئة
يقول تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2020 إن النظام في السعودي قام بإضفاء الطابع المؤسسي على القمع الذي يمارسه ضد المعارضين وأصحاب الآراء في المملكة.
أي شخص يعرف باسم مدافع عن حقوق الإنسان، أو منتقد للحكومة على الإنترنت، يجد نفسه في السجن بعد محاكمة سريعة تُجرى أمام المحكمة الجزائية المتخصصة التي تم إنشاؤها خصيصاً لمحاكمة المعارضين الذين توجه لهم تهم متعلقة بالإرهاب.
حتى أفراد العائلة المالكة الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديد لمحمد بن سلمان أو يعبرون عن ميولهم الليبرالية يتم التخلص منهم بسرعة، حيث اعتقلت الأميرة السعودية بسمة بن سعود بن عبد العزيز آل سعود في مارس/آذار 2019 بتهمة محاولة السفر خارج المملكة بشكل غير قانوني، ولا تزال حتى الآن في السجن مع تسريبات حول تدهور حالتها الصحية.
وفي مارس / آذار من العام الماضي، اعتقل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ثلاثة أفراد من العائلة المالكة، من بينهم شقيق الملك وولي العهد السابق الذي يمكن أن يتحداه في ترتيب العرش.
خارج حدودها، تشن المملكة العربية السعودية حرب إبادة جماعية ضد المدنيين في اليمن، أفقر الدول العربية، حيث قام السعوديون بالتدخل العسكري إلى جانب الحكومة اليمنية ضد الحوثيين، وبدلاً من تحقيق أي انتصار يُذكر، تسببت القوات الجوية السعودية في خسائر فادحة في صفوف المدنيين، ما نتج عنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم بحسب توصيف الأمم المتحدة.
قدرت الإحصاءات الوفيات في صفوف المدنيين بالآلاف، كما قدرت منظمة إنقاذ الطفولة الخيرية أن 85000 طفل كانوا يعانون من سوء التغذية الحاد قد ماتوا في الفترة بين أبريل/نيسان 2015 وأكتوبر/تشرين الأول 2018.
في الوقت الذي انتشرت فيه الإدانات الساخرة لديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والتدخل السريع ضد أسلحة الدمار الشامل الوهمية لصدام حسين، كانت الولايات المتحدة تدعم النظام السعودي.
هناك سبب وجيه لدعم الولايات المتحدة للسعودية: إنها تراها شرطي الشرق الأوسط الذي يرعى مصالحها. تمتلك المملكة العربية السعودية أيضاً خمس احتياطيات النفط المعروفة في العالم، وبإنتاج يتراوح بين 10 و 12 مليون برميل في اليوم، يكون لها تأثير حاسم على أسعار النفط الخام، لذلك لا عجب أن العقوبات التي كانت متوقعة على نطاق واسع من قبل الولايات المتحدة بشأن مقتل خاشقجي لم تأت أبدًا.
طالما استمرت القوى العظمى في دعم واستخدام أنظمة مثل السعوديين، ستستمر الدول المارقة في الازدهار، ما لم يحافظ جو بايدن على كلمته ويدعو إلى تصحيح المسار، وإيلاء حقوق الإنسان أولوية في ملفات السياسات الخارجية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا