سلطت صحيفة بلومبرج الأمريكية، الضوء على الصعوبات التي تواجه عملية التحول الوطني التي يتبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وما صاحبها من اجراءات تقشفية غير مسبوقة طالت الشعب السعودي للمرة الأولي .
وقالت الصحيفة إن خطة ولي العهد للتحول البعيدة عن الاعتماد على النفط لا تحتمل الفشل هذه المرة، مشيرة إلى أن فشل عملية تجربة التحول – التي سبقتها تجربة أخري فاشلة قبل 15 عام- يعني دخول المملكة فى طي النسيان.
وذكرت الصحيفة أن من يزور المملكة مؤخرا، سيعتقد من الوهلة الأولي أن البلاد أصبحت تمتلك ملكا جديدا، شابا، مفعما بالنشاط؛ فصور الأمير نجل الملك وهو يمسك بالاطفال، ويحتسي القهوة مع الجنود المرابطين على الحد الجنوبي، و لقاءاته مع أقوي زعماء العالم.. تملأ التليفزيون الرسمي والقنوات السعودية الأخري .وخلال احتفال المملكة باليوم الوطني، عرضت صورة عملاقة للملك الشاب على ناطحة سحاب في الرياض.
ولفتت الصحيفة أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (32 عاما) برز كزعيم لامثيل له فى المملكة ، وأصبح الآن فى وضع أفضل لتوجيه البلاد كزعيم فذ، خلال مرحلة تحول لم تفلح أمة في التاريخ في النجاح فيها : وهي تحويل اقتصاد المملكة الذي يعتمد بشكل كبير على البترودولار إلى إقتصاد يمكن أن يبقي على قيد الحياة فى مرحلة ما بعد نفط القرن الواحد والعشرين.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن عملية التحول الجديدة تنطوي على التوجه نحو الاستثمار فى صناعات جديدة، وخلق فرص عمل للشباب السعودي ، وسوف يدعم ذلك بيع حصة شركة أرامكو النفطية، وإنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية فى العالم .
محمد بن سلمان
طي النسيان
وتابعت الصحيفة أن المسؤولون السعوديون يواجهون بأسئلة جوهرية وحرجة منذ بدء حملة الاصلاح من عامين، تتعلق بكيفية توفيرهم المال والإسراع بالتغيير الاجتماعي، دون الاخلال بالاقتصاد والتصادم مع المؤسسات الدينية الأكثر تحفظا على مستوي العالم.
وفى هذا الصدد قامت السلطات السعودية بشن حملة اعتقالات شملت اعتقال رجال دين مستقلين وشخصيات مهمة ، وذلك قبل الإعلان عن رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة .
وقال لويد بلانكفين، الرئيس التنفيذي لشركة غولدمان ساكس، فى تصريحات سابقة لـ”بلومبرج” تعليقا على خطة التحول الاقتصادي للمملكة إن “هذا تحد ضخم للبلاد، وله آثار كبيرة على العالم.
وأضاف بلانكفين “بينما يجب أن تكون هناك حاجة ملحّة لهذا التحول، يجب أن يكون الحذر حاضراً أيضاً؛ حتى لا يؤدي التغيير المطلوب لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل إلى اضطرابات في المدى القصير”.
وأوضحت الصحيفة أن الفشل فى العثور على إجابات صحيحة على الأسئلة السابقة يهدد بترك المملكة طي النسيان؛ في وضعٍ توجد فيه ملكية مطلقة مع تناقص الموارد اللازمة لتمويل نسخة غير قابلة للاستمرار من رأسمالية الدولة، مشيرة إلى أن السعوديين سيعيشون حالة من الاضطراب، والاقتصاد المتعثر بالفعل قد يزداد سوءا .
وأوضح التقرير أن المقابلات والمحادثات مع أكثر من 12 مستثمرا، ومحللا، ومديرا تنفيذيا، ودبلوماسيا، ومستشارا حكوميا، في المملكة العربية السعودية وخارجها، أظهرت أن الشركات لا تزال تعاني خفض الإنفاق الحكومي الذي أعقب انهيار أسعار النفط.
ويرى البعض أن حرب اليمن والحصار المفروض على قطر يعتبران مجرد عروض جانبية مكلفة .
وعلق تركي الرشيد، رجل الأعمال، على استمرار اعتماد المملكة على النفط، قائلا إن “كل المشكلات الإقليمية، مثل قطر، واليمن، وسوريا، والعراق، هي محض تشتيت” وإن عدم تحقيق التنمية المستدامة هو “التهديد الحقيقي”.
وأضاف الرشيد – خلال مقابلة من منزله الضخم بالرياض – أنه لم يتخل عن أمله في نجاح الخطة المعروفة باسم “رؤية 2030″، ولكن لا يسعه إلا أن يتذكر المحاولات السابقة التي باءت بالفشل، والتي كان آخرها “الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي: 2020” قبل نحو 15 عاماً، والتي تضمَّنت “400 ورشة عمل”.
وأدت آخر محاولة لإصلاح شامل إلى انخفاض حاد بعائدات النفط في عام 2014، وقد انخفضت الأسعار بمقدار النصف منذ ذلك الحين.
مصفاة بترول سعودية
التقشف للمواطنين فقط
ولتجنب ما اعتبره الأمير ومستشاروه انخفاضا كارثيا في المدخرات، الغيت المشاريع التي اعتبِرت غير ضرورية وخفض الدعم المكلف، وأوقفت مدفوعات المتعهدين.
وفي حين كان التقشف ضروريا لتخفيض العجز في الميزانية، كان التأثير على الاقتصاد جليا؛ فقد دخل النمو غير النفطي في حالة ركود، وانخفض الإنفاق الاستهلاكي، ونمت البطالة بين المواطنين السعوديين البالغ عددهم 20 مليونا، ثلاثة أرباعهم دون سن الأربعين.
وقد قوض العقد الاجتماعي السعودي التقليدي، المتمثل في منح الهبات الحكومية للمواطنين مقابل وضعهم تحت رقابة صارمة، وفي الوقت نفسه، لم تظهِر الأسرة المالكة إشارات تذكر على استعدادها للمشاركة في تحمل هذا العبء بجانب الشعب .
وذكرت تقارير إخبارية، أن الملك سلمان اصطحب معه في زيارته إلى روسيا مطلع الشهر الجاري 1500 شخص، ومصعداً ذهبياً، وسجاداته الخاصة، وحجز أيضاً فندقين فاخرين في موسكو.
ركود
وإذا كان التاريخ يمثل أي مؤشر بالنسبة لنا، فحينها يمكن القول إن الاقتصاد السعودي غير النفطي مقبل على سنوات من الركود، وقد عانى ارتفاع الناتج المحلي غير النفطي من أجل مواكبة النمو السكاني في الثمانينيات والتسعينيات.
وقالت إميلي هوثورن، المحللة بشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمؤسسة “ستراتفور” الاستشارية في تكساس، إنه بخلاف الماضي، يبدو أن إمكانية إنقاذ أسعار النفط من الهبوط ضئيلة، لذلك يحتاج الأمير بن سلمان إلى أن تتوسع الشركات وتستوعب المزيد من العمال السعوديين بعيدا عن القطاع العام المتضخِّم.
وأضافت: “إنها لحظة حاسمة بالنسبة لهم؛ لأَن عليهم أن يجعلوا بعض أجزاء القطاع الخاص تنجح”.
الملك “سلمان”
وأبلغت السلطات السعودية أيضا صندوق النقد الدولي أنها تخطط لتقديم برنامج دعم لمساعدة صناعات مختارة على التكيف مع ارتفاع أسعار الطاقة والمياه، وهناك صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية الذي سيقود الاستثمار في عدة صناعات تشمل التصنيع، وقطاع الترفيه، والتعدين، وكذلك الدفاع.
وقال الأمير بن سلمان، بمقابلة تلفزيونية في مايو الماضي 2017، إن صندوق الاستثمارات العامة سينفق ما لا يقل عن نصف الأموال الناتجة عن الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو على الاستثمارات المحلية.
وقال بعض المطلعون على الوضع، الأسبوع الماضي، إن حجم المال الذي سيجمعه الصندوق وتوقيت حدوث ذلك لا يزالان موضع تساؤل، خاصة في ظل تفكير السعوديين في تأجيل الجزء الدولي من عملية البيع حتى عام 2019 على الأقل.
وقال الصندوق في 9 أكتوبر ، إنه سيخصص 1.1 مليار دولار لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
اضف تعليقا