نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا عن أهالي قرية كوجو العراقية التي شهدت قبل سبع سنوات أبشع جرائم تنظيم “داعش” بحق الأيزيديين، حيث ما زال الناجون ينتظرون ما وعدوا من تعويضات.

وكتبت “لوموند”: بعد الظهر في مقبرة كوجو الصغيرة في سنجار العراقية تحت شمس شهر أغسطس/ آب الحارقة، تبكي خمس نساء أمام قبرين عليهن كفن أبيض وباقات من الزهور، حيث كسرت دموعهن صمت القرية المهجورة.

وبالقرب منهن يقف نبيل خضر صالح ينظر إلى صورة ولديه التي يحتفظ بها في هاتفه الجوال، إنهما محمود، 29 عامًا، وإلياس، 34 عامًا، اللذان قتلا في أغسطس/ آب 2014 على يد تنظيم “داعش” بجانب أيزيديين آخرين في كوجو.

ويقول نبيل الراعي البالغ من العمر 56 عامًا: لقد هربنا من تقدم مقاتلي التنظيم، لكن الولدان عادا إلى القرية لأخذ بعض المتعلقات والأغنام، فتم أسرهم”.

كان محمود وإلياس من بين 104 جثة حددتها فرق من وحدة التحقيق الخاصة التابعة للأمم المتحدة، وذلك بفضل تحاليل الحمض النووي التي أجريت بعد حفر عشرات المقابر الجماعية حول كوجو. 

وأضاف الآب: عندما أعلمني معهد الطب الشرعي ببغداد يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020 أنه تم التعرف على جثثهم، توقف قلبي، كنت حزينًا وغاضبًا، أتيت اليوم إلى المقبرة، لأبكي وأخفف غضبي”.

تم دفن الشابين مع رفات أخرى خلال مراسم دفن جماعية في فبراير/ شباط الماضي، بعد ما يقرب من سبع سنوات عما وصفته الأمم المتحدة بأنه إبادة جماعية ضد هذه الأقلية الدينية الناطقة باللغة الكردية.

وهناك في مقبرة كوجو يوجد ما يقرب من خمسمائة قبر فارغ في انتظار رفات أخرى تم العثور عليها في المقابر الجماعية.

ويؤكد نبيل خضر صالح: نتمنى أن نجد باقي أفراد الأسرة “، إذ لا يزال عدة مئات من الأيزيديين من كوجو في عداد المفقودين ويقدر عددهم بنحو 2900. 

ولا يزال هناك أمل ضعيف بالنسبة لأولئك المفقودين وهم حوالي 6000 فتى – تم تجنيدهم من قبل داعش- إضافة لنساء وفتيات جميعهم اختطفوا في 2014. 

لا تعويضات مدفوعة

انتقل الراعي وعائلته إلى منزل غير مأهول في قرية تل القصاب المجاورة، مؤكدا “لم نتلق أي مساعدة من المنظمات غير الحكومية أو تعويضات من الحكومة، إذا تم تعويضنا على الأقل عن الأشخاص المفقودين، فسيساعدنا ذلك على العيش”.

وكان طارق المندلاوي، مدير عام دائرة شهداء ضحايا العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية التابعة الى مؤسسة الشهداء، قد وعد، في فبراير/ شباط الماضي، أهالي الـ 104 شهداء بتعويض شهري لكل منهم، وفق ما نص عليه قانون صدر عام 2017 بعد الانتصار العسكري على داعش. 

وعلى الرغم من وضع الحكومة إجراء سريع لجمع ملفات الشهداء، لم يتم دفع أي تعويضات لذويهم أو أي ضحايا من الأيزيديين.

في المقابل غزت الأشواك أزقة وأفنية منازل كوجو، القرية الفارغة المهجورة منذ تحريرها في مايو/ أيار 2017، بسبب الألغام المتفجرة، فيما تناثرت بضع قطع من الأثاث والملابس على الأنقاض. 

ويقول أحد المواطنين ويدعى تشوكار دخيل “ستبقى كوجو كمتحف، من الصعب العودة للعيش هنا، سنبني قرية أخرى، هناك عائلات من اثني عشر فردًا نجا واحد منهم فقط”، مشيرًا إلى معرض صور الضحايا المعروض في مدرسة كوجو منذ 15 أغسطس/ آب 2014.

عند تحرير القرية شكل الرجل ذو الثلاثين عاما مع سكان آخرين، مليشيا الأيزيديين لشهداء كوجو، فهم الوحيدون الذين يقيمون هناك، حيث أكد للصحيفة “نحن نحمي القرية والمقبرة والمقابر الجماعية” وبقية الوقت، يعيش في مخيم قاديا للنازحين على بعد مائة كيلومتر إلى الشمال في كردستان العراق مع زوجته وشقيقه. 

تشوكار دخيل تعرف على جثة شقيق له من بين 104، لكن لا يزال أربعة من أفراد عائلته مفقودين وتعيش ثلاث من شقيقاته في المنفى بألمانيا، فبحسب تقديرات المنظمات غير الحكومية، غادر حوالي 100 ألف أيزيدي العراق.

 

من جهته يقول جهاد سليمان، مقاتل إيزيدي آخر يبلغ من العمر 34 عامًا، يعيش أيضًا في مخيم قاديا مع زوجته وابنته واثنين من أشقائه: لو استطعنا لرحلنا نحن أيضًا، لكن هذا وطننا، لا يوجد يوم دون هجوم علينا شعبنا يحتضر فماذا نتوقع من هذا البلد؟ .

هذا الشاب دُفن ثلاثة من إخوته واثنين من أبناء عمومته في فبراير/ شباط بالمقبرة، والدته سافرت إلى كندا مع ابنين آخرين، مضيفا “نحن بلا أرض وبلا مأوى، يجب أن نعيد بناء مستقبلنا. سمعت أن نادية مراد كانت بصدد بناء قرية جديدة لنا بالقرب من كوجو. لست متأكدًا من أن الحكومة ستساعدنا”.

وفي أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت مبادرة الناشطة نادية مراد والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمكتب الدولي للهجرة (IOM) عن بناء وحدات سكنية لسكان كوجو، على مقربة من القرية الأصلية.

الناجون في فقر مدقع

في غضون ذلك، يعيش الناجون من كوجو في فقر شديد، داخل القرى أو المخيمات المجاورة في كردستان العراق، مثل معظم أفراد المجتمع الأيزيدي. 

عاد 190.000 فقط من الأيزيديين العراقيين البالغ عددهم 400.000 للعيش في سنجار، موطنهم التاريخي، ولا يزال الكثير منهم نازحون لأنه لا يزال هناك العديد من المنازل المدمرة، ولا توجد خدمات عامة، بما في ذلك الخدمات الصحية والمدارس، ولا تعويضات. 

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا