سلط الخبير الفرنسي سباستيان بوسوا، أستاذ العلوم السياسية والباحث المتخصص في الشرق الأوسط، على مرونة الدبلوماسية القطرية ودورها الإقليمي البارز حاليًا، خاصة بعد جهود الوساطة التي لعبتها في أفغانستان.

وقال بوسوا في مقال له بصحيفة “لوموند آراب”: تسارعت الأحداث في الساعات الماضية بأفغانستان، حيث تضاعفت عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من كابول، وكذلك عائلاتهم، بطائرات جامبو منذ استعادة طالبان السيطرة على كابول.

وأضاف “قدمت الحكومة القطرية المساعدة لعدد من المستشارين والمنظمات غير الحكومية وكادر التحرير في وسائل الإعلام الدولية الكبرى”.

وأوضح أن هذه المساعدة جاءت في إطار متابعة الدوحة لالتزاماتها التي تتجاوز استضافة جولات المفاوضات الشاقة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومة الأفغانية السابقة من جهة وحركة طالبان من الجهة الأخرى.

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الدوحة تستخدم الآن قوتها الجوية، ولا سيما طائراتها الثماني “سي 17” في إعادة مئات الأشخاص المحاصرين في حالة طوارئ مطلقة، كما توفر سفارتها في كابول، التي لا تزال مفتوحة، الخدمات اللوجستية لإدارة الأزمات.

وأكد أنه في مواجهة الانسحاب الأمريكي والشلل التام للمجتمع الدولي، تسعى الجهات الفاعلة الإقليمية كقطر لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح. 

وفي ظل الخوف الحقيقي بالنسبة لجميع الأفراد الذين عملوا مع دول أجنبية، سعت الدوحة منذ سنوات إلى أن تكون جزءًا من استراتيجية طويلة المدى للتوسط في الأزمات الدولية، في وقت أصبحت فيه القوى الغربية العظمى والأمم المتحدة عاجزة عن عمل أي شيء.

وتابع بوسوا بالنسبة لقطر، تكمن هذه الإستراتيجية في رغبتها بإعادة ترسيخ نهجها في إطار القانون الدولي والقانون الإنساني، أو حالة الحرب والسلم، ولكن أيضا على نطاق أوسع في إطار التعددية التي انهارت بعد مجيء الرئيس دونالد ترامب للسلطة.

ونوه بأنه قبل سقوط أفغانستان، خلال الاجتماع الذي عقد في 12 أغسطس/ آب بالدوحة، واصلت قطر لعب دورها الدبلوماسي لحل الأزمة الأفغانية، وذلك في وجود مبعوثين خاصين من الولايات المتحدة والصين وباكستان والأمم المتحدة للجمع بين وجهات نظر ممثلي طالبان والحكومة الأفغانية، وكذلك من أجل المطالبة بشكل عاجل بوقف التصعيد في البلاد.

 

المرونة السياسية لقطر

وتساءل لماذا رحبت الدوحة بقادة طالبان في المنفى؟، مشيرًا إلى أنه في هذا المجال هناك الكثير من الدعايات التي ينشرها أعداء قطر الإقليميين الدائمين، موضحاً أن المعروف هو أن واشنطن طلبت ذلك، لكن الأكثر إثارة للاهتمام هو جزء القيادة الذي حاولت الدوحة تشكيله على مدى السنوات القليلة الماضية من أجل الحصول على دور حاسم في الشرق الأوسط كوسيط للأزمات. 

وأكد على أن ما يحدث حاليًا غير مسبوق فبموافقة العديد من الحكومات والأمم المتحدة وواشنطن، تقوم الدوحة بإعادة الدبلوماسيين والصحفيين والمترجمين والمساعدين وأيضًا أعضاء الجمعيات الإنسانية الذين كانوا يعملون في أفغانستان منذ سنوات والذين من المرجح أن يصبح عملهم أكثر تعقيدًا، على الأقل في الأشهر الأولى من عودة طالبان.

أما فيما يتعلق بالموظفين العاملين مع الصحفيين، فقد ناشدت صحيفتي “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” الحكومة القطرية (بدعم من البنتاغون)، في خضم الفوضى التي تعيشها كابول وخاصة في المطار الدولي، إعادة المتعاونين الأفغان، وكذلك عائلاتهم التي لا تزال عالقة هناك من أجل تجنب انتقام افتراضي من طالبان، وهؤلاء اللاجئون موجودون حاليا في الدوحة في قاعدة العديد العسكرية أو في الفنادق قبل نقلهم إلى وجهتهم النهائية.

وشدد الخبير الفرنسي على أن مرونة سياسة قطر، والدور الإقليمي البارز الذي تلعبه في المبادرات الدولية الإنسانية سيجعلها في مصاف الدول الكبرى الى جانب الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، وعلاقتها مع الصين، والحلفاء الاستراتيجيين في إطار التعددية والعمل الدولي. 

واختتم بوسوا مقاله بالقول: في مواجهة تراجع الوسطاء الغربيين التقليديين، الذين عفا عليهم الزمن إلى حد كبير اليوم في أفغانستان كما في أي مكان آخر، والتعقيد المتزايد للأزمات الإقليمية، فإن قطر تلعب دور الوسيط المحلي الاستراتيجي المختلف عن كل أولئك الذين كانوا في الماضي.

وكان وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد قبل أيام أن الدوحة تقدم دعمها لإنقاذ الأرواح في أفغانستان، وتحث حركة “طالبان” على أن تحترم حقوق الشعب والأقليات.

 وأوضح في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية أن “لا أحد منا يريد أن يرى أفغانستان نموذجا لبلد يعيش في قرون غابرة، ونبذل قصارى جهدنا لدفع طالبان إلى التصرف كجزء من المجتمع الأفغاني”.

وأكد أن “قطر ثابتة على موقفها من دعم الشعب الأفغاني، وإنقاذ أرواح الناس في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها أفغانستان”، مشددا على أن بلاده ليست نادمة على استضافة المفاوضات مع “طالبان”.

وأضاف قائلا: “الندم على القدرة على المساعدة في تحقيق السلام بين البلدان وإنقاذ أرواح الناس… أعتقد أن هذا شيء لن يحدث لنا أبدا، فإن ما نقوم به بحسن نية كدولة تحاول إنقاذ حياة الناس… حتى لو أنقذنا حياة واحدة”.

وعن انهيار المفاوضات بين “طالبان” والحكومة الأفغانية، قال وزير الخارجية القطري إن الدوحة تحاول في الآونة الأخيرة بدء المفاوضات بين الحركة والحكومة، لكن تسارع الأحداث بعد رحيل الرئيس أشرف غني عقد من المفاوضات.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا