لا يُلدغ مؤمن من جحر مرتين.. لكن يبدو أن الجيش مُصر على اللدغ من جحر التنظيمات الإرهابية المسلحة مرات ومرات.

كمين “كرم القواديس” في مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، يقف شاهدًا على ذلك بتعرضه على مدار 3 سنوات للعديد من الهجمات لم يكن أولها هجوم الأحد الماضي، والذي أسفر عن مقتل 6 جنود.

استهداف ذات الكمين أكثر من مرة يكشف خللًا أمنيًا غير مسبوق، وثغرات لا نهائية في الاستراتيجية والتأمين يتمكن عبرها المسلحون من معاودة الهجوم بالطريقة ذاتها، وربما الفرار دون التعرض لأذى في بعض الأحيان.

في مرمى النيران

وفيما يلي عرض لأبرز الهجمات والاستهدافات التي تعرض لها كمين “كرم القواديس” على مدار السنوات الثلاث الماضية:

-24 أكتوبر 2014.. كان أكثر الأيام دموية في مصر خلال هذا العام، حيث قتل 30 من أفراد الجيش، وأصيب 26 آخرون، في هجوم انتحاري، استهدف الكمين “كرم القواديس” جنوب الشيخ زويد، واستخدمت فيه سيارة مفخخة، أعقبته اشتباكات بالهاون والأسلحة الثقيلة مع مسلحين نصبوا كمينًا للقوات واستهدفوا سيارات الإسعاف.

كرم القواديس

-18 يناير 2015..  أصيب ضابط بالجيش و3 مجندين، إثر انفجار عبوة ناسفة بمدرعة خلال عملية تمشيط في محيط الكمين.

-24 فبراير 2015.. انفجار عبوة ناسفة دون الإعلان عن أية إصابات أو خسائر مادية أو بشرية.

-13 فبراير 2016.. مقتل ضابط جيش وجندي، وإصابة ضابط صف أثناء تفكيك عبوة ناسفة بالمنطقة.

-15 فبراير 2016.. مقتل مجند شرطة، إثر انفجار عبوة ناسفة بجوار الطريق في منطقة كرم القواديس.

-23 فبراير 2016.. انفجار عبوة ناسفة أثناء مرور مدرعة قرب الكمين ومقتل ضابط ومجند.

-15 أكتوبر 2017.. مقتل 6 مجندين في هجوم استهدف كمين كرم القواديس.

وعلى الرغم من عدم فداحة الخسائر التي تعرضت لها قوات الجيش في غالبية الهجمات، إلا أن مجرد استهداف نقطة محددة هذا الكم من المرات، يثير التساؤلات بشأن الخطط التأمينية لها، وردو أفعال قوات التأمين في أعقاب كل هجوم.

كمين “كرم القواديس”

 

الكمين الأخطر في سيناء

الأهمية الاستراتيجية لهذا الكمين، وموقعه المتحكم في طرق شمال سيناء، ربما تفسر إلى حد كبير أسباب هذا الاستهداف المتكرر.

نقطة الارتكاز أو الكمين في كرم القواديس، يتألف من حجرة واحدة، تضم من 40 إلى 50 مجندًا من قوات الجيش، كما يتمركز في محيطها 4 مدرعات ودبابة، وفضلًا عن 4 خيام بجوار النقطة، يستخدمها الجنود في النوم والاستراحة.

النقطة التابعة إداريًا لمدينة “الشيخ زويد” تمثل أهم الارتكازات الأمنية الموجودة على الطريق الدولي “العريش – رفح”، وأطلق عليها أهالي قرية القواديس اسم “ارتكاز مربعة القواديس”، لأنها تتحكم في عدة طرق ومنحنيات تعتبر الأخطر بشمال سيناء على الإطلاق، بحسب تقارير إعلامية.

حيث تقع النقطة في منطقة التقاء 4 طرق حيوية هي: “الطويل”، والطريق المؤدي للشيخ زويد، ومدخل طريق قرية القريعة بالعريش، والطريق المؤدي لقرية الخروبة شمالاً.

وتقع على الطريق الوحيد الذي يؤدي لبعض القرى الهامة بجنوب الشيخ زويد، وهي “الثومة”، “الزوارعة”، “أبو عراج” و”اللفيتات”، وفي نهايته، الطريق المؤدي لقرية الجورة، ومقر قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات، ومطار الجورة القديم.

كما يعتبر ارتكاز “كرم القواديس” آخر نقطة عسكرية، تقع على الطريق الذي يربط العريش بقرية الجورة.

يبعد الكمين عن القرية المأهولة بالسكان، بمسافة تصل إلى كيلو متر واحد، وتمثل قبيلة “السواركة ” القطاع الأكبر من سكان قرية “القواديس”، التي يصل تعداد سكانها لـ 5 آلاف نسمة.

هذا الموقع الاستراتيجي للكمين خلق منه عقبة كبيرة تواجه تنظيم ولاية سيناء، حيث تمنعهم من سهولة الحركة والتسلل بين مدن وقرى محافظة شمال سيناء المختلفة.

وكونه الكمين الوحيد المتواجد في طريق فرعي من الطريق الدولي، فهو يمثل نقطة محورية مهمة في طرق الإمداد وتقديم الدعم اللوجسيتي لعناصر التنظيم في مدن سيناء.

ولعل الذي يساعد التنظيم على تنفيذ عملياته المتكررة، أن الكمين محاط بمزارع الزيتون التي تمكن المسلحين من الاختباء والمراقبة قبل تنفيذ العمليات، وكذلك سرعة الاختفاء عن أنظار قوات التأمين في أعقاب التنفيذ.

أعضاء “تنظيم الدولة”

 

رسالة التنظيم

ثمة رسالة عميقة الدلالة في الاستهداف الثاني الأضخم للكمين، أراد التنظيم أن يوصلها للجيش، وتتلخص في قدرته على مهاجمة الكمين ذاته للمرة الثانية ليثبت أنه لا يزال قويًا بعد 3 سنوات من الاستهداف الأول والأضخم.

كما يتناغم مع هذه الرسالة استهداف كمائن أخرى، والاستيلاء على 17 مليون جنيه من فرع البنك الأهلي وسط مدينة العريش خلال يومي الأحد والإثنين الماضيين بشكل متزامن، للتدليل على قوة التنظيم وتماسكه وفعالية هجماته، وقدرته على تنفيذ أكثر من عملية في وقت واحد.

ووسط الحديث عن تضييق الخناق على مسلحي التنظيم، خاصة بعد التفاهمات الأمنية مع حماس على الحدود مع قطاع غزة، فإن الهجوم قد استهدف تحقيق انتصار عسكري ضد الجيش من ناحية، ومعنوي لصالح التنظيم من ناحية أخرى.

وقد لا يستطيع كثيرون نسيان التسجيل المصور الذي نشره تنظيم “أنصار بيت المقدس” قبل أن يبايع تنظيم داعش ويطلق على نفسه “ولاية سيناء”، في أعقاب هجوم أكتوبر 2014، والمسمى “صولة الأنصار”.

تفاصيل الهجوم التي كشفها الإصدار، كانت دليلًا قاطعًا على نجاح التنظيم في توجيه ضربة موجعة للجيش، سعى بعدها بنحو 3 سنوات لتوجيه ضربة مثلها.

لكن الواقع، بحسب رواية الجيش، أن التنظيم فشل فشلًا ذريعًا في تكرار الهجوم، رغم مقتل 6 مجندين من الجيش، وذلك بعد أن فقد 24 مسلحًا دفعة واحدة وفشلت محاولته لتدمير الكمين والسيطرة عليه كم احدث في المرة الأولى.