اهتزت دولة الاحتلال الإسرائيلي بخبر نجاح 6 معتقلين فلسطينيين في انتزاع حريتهم، والهروب من سجن “جلبوع”، الواقع شمالي الأراضي المحتلة، والذي يعد أحد أكثر السجون تحصينًا لدى الاحتلال. ووفق مصلحة السجون الصهيونية، فقد تم اكتشاف هروب المعتقلين الستة في تمام الساعة الثالثة فجرًا، بعد بلاغ من أحد المستوطنين عن ما وصفها بـ “تحركات مشبوهة” بالقرب من سجن جلبوع شديد الحراسة.

ويأتي الترتيب الزمني لعملية الهرب من عمق الأرض من سجن “جبلوع” كالتالي: 

في البداية كان أول انتباه للأمر عن طريق سائق سيارة أجرة من المستوطنين، في تمام الساعة 01:49 فجرًا بالتوقيت المحلي. حيث اتصل هذا المستوطن على شرطة الاحتلال الإسرائيلي ليبلغهم أنه رأى 3 أشخاص مشبوهين قرب السجن. ووصف هذا المستوطن هؤلاء الأشخاص بهذا الوصف لأنه  ليس من المعتاد رؤية أشخاص في المنطقة في هذا التوقيت، الأمر الذي أثار في نفسه الشكوك.

وفور سماع شرطة الاحتلال هذا الخبر، قامت دورية شرطة بجولة في المنطقة واستجواب عامل محطة وقود بالقرب من السجن، حيث أفاد بأنه رأى شخصًا ذا بشرة داكنة يتجول في المكان، الأمر الذي عزز شكوك شرطة الاحتلال أن الأمور ليست على ما يرام، وأن هناك  حدثًا غريبًا ما في المنطقة. وحتى الآن، لم يسمع السجانون في سجن “جلبوع” أي شيء عن الواقعة، حيث إن التعامل مع الحدث ما زال في إطار قسم الشرطة التابع لمنطقة “بيسان”.

وفي تمام الساعة 02:15 فجرًا، أجرى قائد شرطة بيسان مشاورات وجلسة لتقدير الأوضاع. وبعد مرور أكثر من ساعة، وبالتحديد، الساعة 03:30 فجرًا، طلبت سلطة السجون الإسرائيلية من الشرطة اقتفاء آثار 3 أسرى. لكن المفاجأة الأكبر جاءت بعد نصف ساعة، حين اتضح أن الحديث يدور عن 6 أسرى هربوا من سجن “جلبوع”، من دون اكتشاف طريقة الهرب، وذلك عند الساعة الرابعة فجرًا.

وبالطبع، فإن صدمة الاحتلال الإسرائيلي من عملية الهروب المعقدة هذه، جعلته يفقد صوابه. فعند الساعة الخامسة والنصف فجرًا، حشدت مصلحة السجون في دولة الاحتلال قوات خاصة من “وحدة متسادا”، ووحدات من الشرطة معًا مع حرس الحدود في الجيش الإسرائيلي، لتبدأ عمليات بحث بالتعاون مع جهاز الأمن العام “الشاباك”.

ثم تتابعت الإجراءات الأمنية، حيث أُبلغ ضباط الأمن في البلدات المجاورة بأمر هروب الأسرى، عند الساعة 05:45 فجرًا. فنُصبت حواجز في الشوارع، وأُعلن استنفار تام على حدود الضفة الغربية، وأعلنت الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيلي حالة الطوارئ والتأهب في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وعند المعابر العسكرية بالمناطق الحدودية.

تنسيق مع متعاونين خارج السجن

من جانبها، قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية: “يظن مسؤولو السجن أن الستة فروا عبر حفرة خارج جدران السجن، تمكنوا من حفرها خلال الأشهر القليلة الماضية”. وأضافت الصحيفة أن “الشاباك” أفاد أن المتحررين الستة نسقوا مع متعاونين خارج السجن، باستخدام هاتف محمول مهرب، وكانت لديهم سيارة هروب في انتظارهم.

وإن صحت هذه الرواية التي تنقلها صحيفة “هآرتس”، أحد أشهر الصحف في دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإننا أمام فشل استخباري وأمني عميق وواسع تعرضت له أجهزة الأمن الصهيونية. حيث إن إدارة السجن فشلت في منع تهريب الهاتف المحمول إلى داخل السجن، ثم فشلت بعد ذلك في اكتشاف أن هناك هاتفًا تم تهريبه، رغم كل ما تملكه من أدوات التجسس.

هذا غير فشلهم، في معرفة أن هناك خطة للهروب، وفشلهم في اكتشاف النفق، بالإضافة إلى فشلهم في رؤية المعتقلين حال هروبهم، رغم أبراج المراقبة المنتشرة حول السجن بكثافة، وكاميرات المراقبة المثبتة في كل مكان داخل وحول السجن.

فشل متراكم وذريع

وما يؤكد الفشل المركب للاحتلال – الذي يدعي أنه لا يقهر- في كل تفاصيل العملية، هو ما نقله موقع اكسيوس الأمريكي من أنه قبل 24 ساعة من فرار الأسرى، طلب زكريا الزبيدي، عضو حركة “فتح”، تبديل الزنازين والانتقال إلى الزنزانة التي كان يحتجز فيها خمسة من معتقلي حركة الجهاد الإسلامي، مضيفًا أن هذا الطلب “كان غير عادي لكنه لم يثر أي شكوك”.

فبعد كل هذا الفشل المتراكم، لم تشك إدارة سجن “جلبوع” شديد الحراسة، في انتقال “الزبيدي” إلى الزنزانة الأخرى، الذي يتواجد في أصلًا معتقلين هم في لائحة أخطر السجناء لدى دولة الاحتلال. فالأسرى الستة الذين تمكنوا من الهروب هم: زكريا زبيدي، القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين، و5 أسرى من الجهاد الإسلامي من منطقة جنين: مناضل يعقوب انفيعات، ومحمد قاسم عارضة، ويعقوب محمود قدري، وأيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله عارضة. 

وجميعهم مصنفون من قِبل مصلحة السجون الإسرائيلية بأنهم “بمستوى خطورة مرتفع”، ووصف 3 منهم بأن احتمال فرارهم من السجن مرتفع جدًا وهم: أيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله عارضة، ويعقوب محمود قدري، حيث تم وضع ملاحظات بملفاتهم وبطاقاتهم الشخصية بالسجن مفادها أن “احتمال هروبهم كبير”.

بحث أمني مستمر

وحاليًا، تم نصب حواجز طرق في الضفة الغربية، في محاولة لمنع المعتقلين من الهروب إلى الأردن، وتم نشر ضباط الشرطة وعناصر الشاباك والجنود ضمن عمليات البحث، كما تم نصب 24 حاجز طرق في شمال الأراضي المحتلة.

وقالت صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية إن شرطة الاحتلال “تحقق ما إذا كان الفارين قد نجحوا بالوصول الى جنين أو الأردن”. بينما قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومير بارليف، إن الأسرى قد وصلوا على الأرجح إلى الضفة الغربية. واستدرك في حديثه للصحافيين “ولكنني لا أستبعد إمكانية أن يكونوا ما زالوا في إسرائيل”.

وبعيدًا عن مستجدات العملية، فإن ما حدث يمثل ضربة شديدة للاحتلال الإسرائيلي، وهو خطوة جديدة على طريق التحرر الفلسطيني من العدو الذي يدعي أنه لا يقهر، بينما يضربه المقاومون الفلسطينيون في أكثر أماكنه تحصينًا.